لم يحظَ إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المبهرج في الثالث من يونيو/حزيران الماضي، حول اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق في بلاده، بإعجاب معظم المصريين. كذلك لم تكن الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء الإثيوبي للمسؤولين المصريين لحضور حفل افتتاح سد النهضة الإثيوبي الكبير في سبتمبر/أيلول من هذا العام موضع ترحيب أيضا.
فالاستعراض السياسي الذي أداه آبي أحمد أمام نواب بلاده في ذلك اليوم لم يكن سوى استفزاز محض. فمصر لديها ما يكفي من الأسباب لعدم الاستمتاع بالحماس المفرط الذي أبداه رئيس الوزراء الإثيوبي بشأن سد الطاقة الكهرومائية.
إن سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي بدأ بناؤه مع الاضطرابات السياسية والأمنية التي بدأت تسود مصر في عام 2011 كجزء من ثورات الربيع العربي التي هزت الكثير من الدول العربية الأخرى آنذاك وفي وقت لاحق، سوف يحرم هذه الدولة العربية ذات التعداد السكاني المرتفع من كمية كبيرة من مياه نهر النيل، مصدرها الرئيس للمياه العذبة.
فمع حصة سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، واحتياجات تزيد على 105 مليارات متر مكعب سنويا، تعاني مصر للتو من شح في المياه. وتستمر الهوة في الحاجة للمياه في مصر بالاتساع مع نمو سكانها المطرد، وبقاء مواردها المائية على حالها، بما في ذلك حصتها من نهر النيل.
إن سد النهضة الإثيوبي الكبير، المبني على النيل الأزرق، الرافد الرئيس لنهر النيل، والذي يسهم بنسبة تصل إلى 86 في المئة من تدفق أطول نهر في أفريقيا، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الصعوبات المائية بالنسبة لمصر. ولهذا السبب أخذ الجانب المصري المفاوضات مع الإثيوبيين بجدية عالية، حتى إن مصر كانت تنظر إلى سد النهضة في وقت ما على أنه قضية وطنية كبرى.
بيد أن اثني عشر عاما من المفاوضات لم تفضِ إلى أي نتيجة، وهو ما دفع مصر إلى اتهام إثيوبيا باستغلال هذه المفاوضات لكسب الوقت والمماطلة إلى أن يصبح السد واقعا على الأرض لا يمكن التراجع عنه. وها هو اليوم قد أصبح أمرا واقعا.