مأزق السد الإثيوبي على النيل... مصر تبدأ الوعيد

الإجراءات المحددة التي يمكن للقاهرة أن تتخذها لا تزال غير واضحة

 أ ف ب
أ ف ب
نهر النيل الازرق لدى مروره عبر سد النهضة الإثيوبي في منطقة غوبا في صورة تعود إلى ديسمبر 2019

مأزق السد الإثيوبي على النيل... مصر تبدأ الوعيد

أثار وزير الري المصري هاني سويلم مؤخرا مناقشات حول الإجراءات التي قد تتخذها مصر لحماية أمنها المائي، حين أصدر تحذيرا صريحا من أن إثيوبيا ستواجه عواقب إذا أثر سد النيل الأزرق سلبا على مصر. وأكد الوزير في مؤتمر صحافي في القاهرة أواخر مارس/آذار أن هذه السدود المبنية على نهر النيل لها تأثير كبير على مصر، شارحا: "إن إثيوبيا ستتحمل عواقب أي ضرر يلحق بمصر".

ويأتي هذا البيان التحذيري بعد أن أوقفت مصر المحادثات بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، وهو مشروع كبير للطاقة الكهرومائية تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، وهو مصدر مياه بالغ الأهمية لمصر. ووصف الممثلون المصريون المناقشات مع إثيوبيا بأنها لم تكن مثمرة، ولذلك قرروا الخروج من المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2023، ووصفوها بأنها مسعى غير مجدٍ.

وكانت حكومات مصر وإثيوبيا والسودان قد انخرطت منذ 2011، في مفاوضات حول ملء السد وتشغيله للتخفيف من آثاره. لكن هذه المحادثات فشلت في تحقيق نتائج جوهرية، رغم جهود الوساطة التي بذلتها قوى وحكومات ومؤسسات مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والبنك الدولي. واتهمت مصر إثيوبيا بأنها كانت تريد تعطيل المفاوضات للمضي قدما في استكمال السد.

سيناريو قاتم

ويشكل بناء سد النهضة وضعا صعبا بالنسبة لمصر، التي تعاني بالفعل من ندرة في المياه، ومن المرجح أن يؤدي بناء السد الإثيوبي إلى تفاقمها. وتتلقى مصر تقليديا 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا. وقد دعم هذا التخصيص سكان مصر وقطاعيها الزراعي والصناعي. ولم تزد حصة مصر مع زيادة عدد سكانها وبقيت دون تغيير.

وتعاني مصر عجزا متزايدا من المياه، مع تزايد عدد سكانها الذي بلغ في هذه السنة 105 ملايين مواطن مصري، ويزيد عليهم نحو تسعة ملايين لاجئ. وتقدر الحكومة المصرية هذا العجز بأكثر من 30 مليار قدم مكعب سنويا.

وقال عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، لـ"المجلة" إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن "نقص المياه سيزداد في المستقبل"، مبينا أن "عدد السكان مستمر في النمو، لكن كمية المياه التي تحصل عليها مصر من نهر النيل والمصادر الأخرى، بما في ذلك هطول الأمطار، تظل كما هي على مر السنين".

وتقول الحكومة المصرية إن سد النهضة، عندما يتم تشغيله بطاقته القصوى، سيحرم مصر من كمية كبيرة من المياه، ما سيؤدي إلى دمار هائل للأراضي الزراعية في مصر، وتوسيع الفجوة بين إنتاج الغذاء واستهلاكه، ويجبر القاهرة على توفير المزيد من الأموال لواردات الغذاء.

وتحاول مصر التغلب جزئيا على نقص المياه لديها من خلال زيادة الاعتماد على معالجة مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر، ولكن هذين المشروعين مكلفان للغاية.

مع تقدم إثيوبيا نحو المرحلة الخامسة والأخيرة من ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير، ومع اقتراب اكتمال البناء في غضون أشهر، يتصاعد التوتر مع مصر بشأن الأمن المائي

في المقابل، تقول إثيوبيا إن لها الحق في استغلال مواردها الطبيعية، بما في ذلك المياه، وإنها تريد المضي قدما في التنمية وإنقاذ شعبها من الفقر.
وتصر أديس أبابا أيضا على أن السد سيوفر الكهرباء التي يحتاجها بشدة عشرات الملايين من الفقراء في مختلف المدن الإثيوبية والدول المجاورة.
وقد وقعت الحكومة الإثيوبية، التي استثمرت ما يقرب من 5 مليارات دولار في المشروع، بالفعل اتفاقات ربط وتصدير للكهرباء مع الدول المجاورة. وسيلعب سد النهضة دورا مركزيا في تنفيذ هذه الصفقات عندما يتم تشغيله بكامل طاقته.

خيارات محدودة

مع تقدم إثيوبيا نحو المرحلة الخامسة والأخيرة من ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير، ومع اقتراب اكتمال البناء في غضون أشهر وفقا للسلطات الإثيوبية، يتصاعد التوتر مع مصر بشأن الأمن المائي. كما أن التحذير الصارم الذي أطلقه وزير الري المصري من أن إثيوبيا ستواجه عواقب إذا تعرض الأمن المائي في مصر للخطر، يسلط الضوء على خطورة الوضع. 
يشير هذا البيان إلى إعلان المبادئ لعام 2015 الذي وقعته مصر وإثيوبيا والسودان، والذي يفوض الطرف المسؤول بالتخفيف من أي ضرر كبير يحدث وربما مناقشة التعويض. ومع ذلك، تفسر إثيوبيا هذه الوثيقة بشكل مختلف، حيث يؤكد المسؤولون أنها لا تشكل اتفاقا ملزما.

أ ف ب
عازفة في فرقة موسيقية عسكرية إثيوبية قبيل حفل بدء إنتاج الطاقة من سد النهضة في غوبا يوم 20 فبراير 2022

من المرجح أن يدفع هذا المأزق السلطات المصرية إلى التفكير في سيناريوهات مختلفة ردا على سد النهضة، حيث يقول الرئيس عبد الفتاح السيسي إن حصة مصر من مياه النيل غير قابلة للتفاوض، وقد وصفها في مارس/آذار 2021 بأنها "خط أحمر". ومع ذلك، تواجه مصر تحديات الحفاظ على أمنها المائي بسبب المشروع.

أي تدخل عسكري في النزاع على السد من المرجح أن تكون له عواقب مدمرة على المنطقة

وما يزيد الأمور تعقيدا أن الحرب الأهلية المستمرة في السودان والتفتت المحتمل للبلاد يزيدان من إضعاف موقف مصر، فمع عجز السودان عن بذل الجهود الجماعية لحماية الأمن المائي، تجد مصر نفسها وحيدة في دفاعها، بينما كانت مصر والسودان متحدين على الدوام في معارضتهما لسد النهضة، خوفا من آثاره السلبية. ومع ذلك، مع مرور الوقت، تبدو الخيارات الاستراتيجية لمصر لمواجهة تحديات السد مقيدة بشكل متزايد.

تهديد ووعيد

وأعلن وزير الري المصري أنه يحق لمصر اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمنها المائي في حالة تعرضها للخطر بسبب عمليات السد. 
وكانت مصر قد سعت، منذ 2021، إلى الوساطة الدولية، فعرضت أولا القضية على مجلس الأمن الدولي، الذي أحال القضية إلى الاتحاد الأفريقي. وعندما لم يسفر ذلك عن حل، اشتكت مصر إلى مجلس الأمن مرة أخرى عام 2022 بشأن ملء إثيوبيا لخزان السد من جانب واحد.
ويلاحظ المراقبون المصريون الذين يتابعون مفاوضات السد تحولا في نهج القاهرة. ويعتقدون أن مصر استنفدت جميع السبل القانونية والدبلوماسية في جهودها لإيجاد حل لمشكلة سد النهضة.
وقال ضياء القوصي، المستشار السابق لوزير الري، في حديث لـ"المجلة" إن المفاوضين المصريين اتبعوا "على مدى ثلاثة عشر عاما كل الإجراءات القانونية والدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا لا يعرض الأمن المائي المصري للخطر". وأعرب عن أسفه لأنه على الرغم من هذه الجهود، لم يتم التوصل إلى حل، مما دفع مصر إلى تبني موقف أكثر حزما. 
ولكن الإجراءات المحددة التي يمكن لمصر أن تتخذها لا تزال غير واضحة، مما يترك الوضع مفتوحا أمام احتمالات مختلفة.
وكان أن ألمحت مصر في الماضي إلى عدم استبعاد أي خيارات بشأن السد، بينما لم يخف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، رأيه في أن مصر قد تدمر السد.
ومع ذلك، فإن أي تدخل عسكري في النزاع على السد من المرجح أن تكون له عواقب مدمرة على المنطقة ويمكن أن تمثل بداية فصل جديد مثير للقلق في أفريقيا: حقبة تحددها الصراعات على الموارد المائية.

font change

مقالات ذات صلة