أوروبا تظهر دعمها السخي لمصر... لكن ليس دون مقابل

يمكن أن تكون مصر مصدرا لموجة هجرة جديدة

 أ ف ب
أ ف ب
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتوسط القادة الأوروبيين أثناء قمة القاهرة في 17 مارس

أوروبا تظهر دعمها السخي لمصر... لكن ليس دون مقابل

القرار الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو لمصر لا يمثل مجرد لفتة مالية مهمة فحسب، بل خطوة استراتيجية وسط المخاوف الاقتصادية والأمنية الملحة للقاهرة.

وفي حين أن هذا الضخ المالي لا يمثل سوى جزء صغير من المتطلبات الاقتصادية للقاهرة، فإنه يسلط الضوء على المخاوف العميقة داخل العواصم الأوروبية. وتدور هذه المخاوف حول خطورة ترك مصر تواجه تحدياتها الاقتصادية والأمنية المتزايدة بشكل مستقل.

وأدى هذا القلق إلى حدث نادر، حين اجتمع في القاهرة في 17 مارس/آذار قادة بلجيكا وإيطاليا واليونان، إلى جانب المستشارة النمساوية والرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، في عرض غير عادي للتضامن والتعاون مع دولة عربية وتقديم المساعدة. إن هذا التجمع، الذي يحمل تعهدا بالدعم المالي، يشير إلى لحظة محورية في الدبلوماسية والتعاون الدوليين.

علاوة على ذلك، فإن توقيع إعلان سياسي بين هؤلاء القادة يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقة بين مصر وأوروبا، والارتقاء بها إلى شراكة استراتيجية شاملة. ويعكس هذا التطور اعترافا مشتركا بأهمية استقرار مصر وازدهارها ليس فقط لمواطنيها، ولكن أيضا للمجتمع الإقليمي والعالمي الأوسع، وخاصة فيما يتعلق بالمخاوف الأمنية والهجرة التي لها صلة مباشرة بأوروبا.

كما تعهدوا بالعودة إلى القاهرة في النصف الثاني من هذا العام لحضور مؤتمر استثماري، حيث سيستمعون إلى مخططي الاستثمار المصريين يشرحون عوامل الجذب الاستثمارية في بلدهم بهدف زيادة مشاركة الشركات الأوروبية في الاقتصاد المصري.

ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة الزعماء الأوروبيين للقاهرة بأنها "محطة شديدة الأهمية في العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي".

في المقابل، قالت فون ديرلاين إن وجود ستة زعماء أوروبيين في القاهرة في وقت واحد يظهر مدى عمق تقدير الأوروبيين لشراكتهم مع مصر. وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية في منشور لها على موقع "X" إن "مصر هي ركيزة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، مضيفة أنه "مع ثقل مصر السياسي والاقتصادي وموقعها الاستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا ستزداد بمرور الوقت".

الوقت الحرج

وتأتي مليارات اليورو، التي تعهدت بها أوروبا لمصر في الوقت الذي تكافح فيه الدولة العربية المكتظة بالسكان للتغلب على مصاعبها الاقتصادية، التي تلقي باللوم فيها على التطورات الدولية، مثل "كوفيد-19" والحرب في أوكرانيا، مواجهة بذلك إشارات منتقدي الحكومة إلى سوء الإدارة الاقتصادية وسوء إنفاق الأموال العامة.

ولا ريب في أن توسع نطاق الحرب في غزة يترك أثرا سلبيا كبيرا على عائدات قناة السويس، بسبب تجنب السفن الممر المائي المصري واختيارها رأس الرجاء الصالح، الطريق الأكثر أمانا وإن كان أطول. ويضاعف ذلك من مشاكل الاقتصاد المصري ويحرم الخزانة المصرية من الأموال التي هي في أمس الحاجة إليها.

وتأتي هذه المليارات أيضا في الوقت الذي تتدافع فيه وكالات الائتمان الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لتقديم شريان حياة اقتصادي للقاهرة لمساعدتها على تجنب احتمال الانهيار الاقتصادي، وهو سيناريو مخيف لبلد يبلغ عدد سكانه 105 ملايين نسمة، ويستضيف ما يقرب من 9 ملايين لاجئ.

الأسباب الجذرية

صُممت حزمة المساعدات الأوروبية لتبث حياة جديدة في الاقتصاد المصري، وتساعد الحكومة المصرية على وقف موجة الهجرة غير الشرعية وتحفز التعاون بين الجانبين في المجالات الحيوية، مثل الطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر.

رويترز
الرئيس السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين في قصر الاتحادية في القاهرة في 17 مارس

ويتضمن البرنامج قروضا ميسرة بقيمة 5 مليارات يورو لدعم إصلاحات الاقتصاد الكلي في مصر، و1.8 مليار يورو في استثمارات إضافية في إطار سياسة الجوار الأوروبية، لتعزيز الطاقة المتجددة والاتصال الرقمي.

وفيما يتعلق بإدارة الهجرة، خصص الاتفاق 200 مليون يورو لمساعدة القاهرة في مكافحة تهريب البشر والإتجار بهم كجزء من حزمة أوسع بقيمة 600 مليون يورو في شكل منح غير قابلة للسداد.

ومن المتوقع أن تستخدم القاهرة هذه الأموال في خلق فرص اقتصادية لشعبها، يمكنها في النهاية أن تقلل من احتمال الهجرة غير الشرعية من الدولة العربية إلى أوروبا.

وستساعد هذه الأموال الحكومة أيضا على تلبية احتياجات مجتمع اللاجئين الكبير الذي تستضيفه مصر، والذي يضم مئات الآلاف من الأشخاص الفارين من الحروب وإراقة الدماء في بلدان، مثل السودان وسوريا واليمن وإثيوبيا.

نقلة إيجابية

ستشهد الثروات الاقتصادية في القاهرة نقلة إيجابية مع الدعم المالي المذكور من وكالات الائتمان الدولية والاتحاد الأوروبي، وأيضا مع توقيع اتفاق استثماري ضخم في الشهر الماضي يقضي بضخ الإمارات العربية المتحدة مبلغا ضخما قدره 35 مليار دولار في عروق مصر الاقتصادية.

ومع ذلك فإن هذا السلوك يأتي تعبيرا عن خوفها العميق من احتمال الانهيار الاقتصادي في مصر، وهو ما يمكن أن يعرض أوروبا للخطر ويفتح عليها كل أبواب الجحيم. وقد لاحظت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء ارتفاعا كبيرا في طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين المصريين في أوروبا. وتقول الوكالة إن هذه الطلبات ارتفعت من 6616 عام 2021 إلى 26512 عام 2023، وتلاحظ أن معظم هذه الادعاءات قدمت في إيطاليا واليونان.

تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر يعني أن هذه الدولة العربية الكبيرة يمكن في مرحلة معينة أن لا تتمكن من تلبية احتياجات مجتمع اللاجئين فيها

وتواجه مصر- وهي ملاذ للاجئين من أفريقيا والمنطقة العربية- مسؤولية متزايدة في تلبية احتياجاتهم. ويؤكد مراقبون أن مصر قد تحملت على الدوام ثقل اللاجئين من مختلف أنحاء العالم. ويؤكد محمد الشاذلي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، في تصريح لـ"المجلة" على هذا الدور التاريخي، ولكنه ينبه إلى أن "هذا العبء يجلب تحديات اقتصادية أيضا، ولا يمكن لمصر أن تتوقف عن استقبال اللاجئين، نظرا لموقعها الإقليمي المحوري وسياقها التاريخي".

إن تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر يعني أن هذه الدولة العربية الكبيرة يمكن في مرحلة معينة أن لا تتمكن من تلبية احتياجات مجتمع اللاجئين فيها. وعلى الرغم من العبء الثقيل الذي يتحمله هذا المجتمع، فإن مصر تعامل أفراده على قدم المساواة مع مواطنيها في كل ما يخص الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. ولكن الفشل في تلبية احتياجات هذا المجتمع يمكن أن يؤدي إلى موجة لا نهاية لها من الهجرة نحو أوروبا، وهو سيناريو كابوسي بالنسبة للزعماء الأوروبيين الذين اجتمعوا في القاهرة يوم 17 مارس.

فرك الجرح بالملح

إن الجهود التعاونية التي استمرت لمدة عامين بين الاستراتيجيين المصريين والأوروبيين لصياغة حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو، كما أوضح أحمد فهمي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، تكتسب إحساسا جديدا بالإلحاح وسط الصراع المستمر في غزة. ولا يشكل هذا الوضع ضغطا اقتصاديا كبيرا على مصر فحسب، بل يثير أيضا شبح حدوث زيادة كبيرة في عدد اللاجئين داخل حدودها. وتزداد حدة القلق بشكل خاص في ضوء خطط إسرائيل لإخلاء غزة من السكان، الأمر الذي قد يؤدي إلى تهجير ما يقرب من 2.5 مليون ساكن باتجاه البحر الأبيض المتوسط أو الحدود المصرية.

رويترز
مصري يشتري الخبز في سوق شعبي في القاهرة في 17 يناير 2023

وتحسبا لذلك، قامت مصر بتكثيف جهودها الإنسانية بشكل استباقي، وتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح وتنفيذ عمليات إسقاط جوي للإمدادات عبر مناطق مختلفة من القطاع. وفي الوقت نفسه، تشارك مصر في جهود دبلوماسية للتوسط في وقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والفصائل في غزة، وتعمل في ذلك جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة وقطر. وعلى الرغم من هذه المساعي، فإن التهديد الذي يلوح في الأفق بهجوم إسرائيلي يستهدف رفح- المدينة التي تستضيف بالفعل ما يقرب من 1.4 مليون نازح من أجزاء أخرى من غزة- يزيد من خطر حدوث نزوح جماعي نحو سيناء في مصر، التي لا تبعد حدودها عن رفح سوى بضعة كيلومترات فقط.

هناك خوف واضح في أوروبا من أن مصر يمكن أن تصبح مركز عبور رئيس للمهاجرين المتجهين نحو القارة

نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة

وسيحمل هذا التدفق المحتمل للاجئين إلى مصر آثارا تتجاوز تأثيره الإنساني المباشر. وكما تشير نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فإن هناك خوفا واضحا في أوروبا من أن مصر يمكن أن تصبح مركز عبور رئيس للمهاجرين المتجهين نحو القارة.

وأوضحت الشيخ في حديث مع "المجلة" أن "سكان غزة سيهربون على الأرجح إلى مصر في حال شنت إسرائيل عملية عسكرية كبيرة في رفح"، مضيفة أن "الخوف في أوروبا، خاصة بين دعاة الشعبوية اليمينية، ومن بينهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، هو أنه بمجرد وجودهم هنا، فإن هؤلاء الأشخاص سيحولون مصر إلى نقطة عبور على الطريق إلى أوروبا".

font change

مقالات ذات صلة