مقترح وقف النار في غزة... هل يفتح الباب أمام حل نهائي؟

مرونة سياسية أم هدنة لالتقاط الأنفاس؟

رويترز
رويترز
موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تأوي نازحين في مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة، 8 يوليو

مقترح وقف النار في غزة... هل يفتح الباب أمام حل نهائي؟

تقترب حركة "حماس" وإسرائيل من التوصل إلى اتفاق هدنة لمدة ستين يوما، بعد مبادرة من الولايات المتحدة الأميركية برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تعتمد في الأساس على ورقة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف التي طرحها أواخر مايو/أيار الماضي، تهدف إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى خلال الفترة المحددة، وإجراء مفاوضات متزامنة مع تنفيذ بنود الاتفاق بهدف الوصول إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم وإنهاء الحرب.

وجاء المقترح الحالي بموافقة مبدئية من الطرفين، في ظل عدم التوافق على شروط وقف إطلاق النار بشكل دائم، كمبادرة للتفاوض دون عمليات عسكرية، ومحاولة تخفيض عدد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وعلى رأسها "حماس"، حيث تشترط إسرائيل لإنهاء الحرب، تخلي الأخيرة بشكل كامل عن الحكم وتجريد قطاع غزة من السلاح بشكل كامل، وهو ما تتشبث به "حماس" وتعتبر موضوع تسليم السلاح من الخطوط الحمراء فيما أبدت مرونة بإبعاد عدد بسيط من قادتها إلى خارج القطاع لمدة محدودة كذلك.

وفي ظل عدم التوافق على شروط إنهاء الحرب، أضيفت صيغة محدثة على ورقة ويتكوف مؤخرا، تفضي إلى إمكانية استمرار عملية التفاوض خلال فترة الهدنة المؤقتة وتمديدها بعد الستين يوما لفترة أطول لاستمرار عملية التفاوض إذا ما كانت "النية حسنة" وهو مصطلح فضفاض يسمح لإسرائيل بعودة عملياتها العسكرية وضرباتها الجوية إن شعرت بأنّ "حماس" لا تمتلك النية الحسنة للوصول إلى الوقف الدائم، والمشروطة إسرائيليا وأميركيا بتخليها عن الحكم وتسليم السلاح بالكامل مقترحة فكرة "تخزين السلاح" بدلا من تسليمه.

وخلال الأسابيع الأخيرة، كثفت إسرائيل من عمليات القصف الجوي والمدفعي مستهدفة قيادات وعناصر من حركة "حماس" السياسيين والعسكريين، راح ضحيتها عشرات المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، لكنها لم تكتفِ بالضغط العسكري، بل مارست ضغوطاتها من خلال تجويع الغزيين ومنع وصول المساعدات الإغاثية عن طريق المؤسسات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة لتوزيعها على السكان، وعمل نقاط توزيع أميركية للمساعدات، قتل بسببها أكثر من 650 من الباحثين عما يسد جوع أطفالهم بنيران الجيش الإسرائيلي.

في ظل عدم التوافق على شروط إنهاء الحرب، أضيفت صيغة محدثة على ورقة ويتكوف مؤخرا، تفضي إلى إمكانية استمرار عملية التفاوض خلال فترة الهدنة المؤقتة وتمديدها بعد الستين يوما لفترة أطول لاستمرار عملية التفاوض إذا ما كانت "النية حسنة"

كذلك، ظهرت ميليشيات فلسطينية مسلحة لمحاربة "حماس" تتمركز في منطقة شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وهي منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي منذ عدة أسابيع، وعُرفت باسم "هيئة مكافحة الإرهاب" أو "مجموعة ياسر أبو شباب" وهو من يقود المجموعة المسلحة، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن المجموعة مدعومة من إسرائيل وأطراف فلسطينية، وهو ما نفاه أبو شباب في مقابلة مع "وول ستريت جورنال" الأميركية.

مع كثافة الاستهدافات الإسرائيلية لعناصر "حماس" العسكريين، سواء من ينتمون إلى كتائب القسام الجناح العسكري للحركة أو من ينتمون إلى أجهزتها الشرطية التابعة لوزارة الداخلية التي تديرها الحركة، وفرض الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء قسري للسكان وسيطرته على أكثر من 80 في المئة من مساحة القطاع البالغة 365 كيلومترا، تراجعت السيطرة الأمنية داخليا وانتشر السلاح بين عدة مجموعات منتمية لعائلات كبرى في غزة، مارست السطو على شاحنات المساعدات الإغاثية وباعت سرقاتها في الأسواق للغزيين بأسعار ضعف سعرها الطبيعي بـ300 إلى 500 ضعف.

مع بداية النصف الثاني من يونيو/حزيران الماضي، وبعدما شعرت "حماس" بأن قبضتها الأمنية في تراجع وهو ما يعني خسارات للسيطرة والحكم على قطاع غزة الذي فرضته منذ عام 2007 بقوة السلاح، أعادت الحركة- بصمت- تشكيلا جزئيا لمظاهر الحكم، حيث أصدرت قرارات غير مُعلنة بتعيين اثنين من المحافظين الجدد ينتميان لها- أحدهما رجل أمن سابق- وتعيين قيادات أمنية جدد بدلا ممن تعرضوا للاغتيال على يد إسرائيل، بحسب ما أكد مصدر أمني في "حماس" لـ"المجلة"، رفض الكشف عن هويته.

وقال المصدر: "يعتقد البعض أن (حماس) قد انتهت، وستختفي عن الحكم نتيجة الاغتيالات الإسرائيلية وسيطرة الأخيرة على مساحات واسعة من أراضي غزة، إلا أن الحركة دائما ما تفاجئ الجميع بإعادة تشكيل نفسها وفرض سيطرتها الحكومية والأمنية، ولن تسمح للاحتلال بالوصول إلى هدفه بالقضاء على وجودها".

وبالتوازي مع التعيينات الحكومية في غزة، انتشرت مجموعات مسلحة باسم "السهم الثاقب" تركز وجودها في ثلاث مناطق مركزية، منطقة جنوب وسط خانيونس جنوب القطاع، ومنطقة وسط القطاع "مخيم النصيرات ومدينة دير البلح"، ومنطقة شمال غرب ووسط مدينة غزة شمال القطاع. وهي مجموعات تشكلت من شباب في بداية العشرينات من العمر، يعتمدون اللون الأسود في لباسهم، ملثمين ويحملون السلاح والعصي، حيث يهاجمون العصابات وقطاعي الطرق الذين يحاولون السيطرة على شاحنات المساعدات وسرقتها.

وتتبع مجموعة "السهم الثاقب" لغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، والتي ظهرت عام 2006 لتضم الأجنحة العسكرية لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وأعيد تشكيل الغرفة وإحياؤها في عام 2018 بعد ضمها 12 جناحا مسلحا لفصائل المقاومة الفلسطينية على رأسهم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس".

وقد تطورت عمليات المجموعة خلال الأيام الأخيرة الماضية، بهدف فرض وجودهم وتحقيق الأمن بشكل نسبي، وانتشرت عشرات من مقاطع الفيديو لعمليات "السهم الثاقب" جرى خلالها ضرب وتكسير عصابات اللصوص إلى حد الاعدامات بالرصاص لأفراد ينتمون لعائلات تسلحت مؤخرا في القطاع، ما أدى إلى صدور بيانات عشائرية تطالب بالثأر لأبنائها الذي قتلوا بتهمة السرقة دون محاكمة مدنية.

كل ذلك جرى، في الوقت الذي استمر فيه الجيش الإسرائيلي بمهاجمة جميع المظاهر الأمنية الفلسطينية، حيث هاجم عناصر "السهم الثاقب" واغتال عددا منهم خلال محاولتهم تأمين شاحنات المساعدات الإغاثية أو خلال وجودهم في كمائن للصوص وقطاعي الطرق، ليرد العناصر بشكل أكبر وأقسى على كل من يحاول السرقة أو حتى رفع الأسعار، حيث أجبرت عددا من أصحاب المحال التجارية إغلاق محلاتهم بعد بيانات تهديد مباشرة لعدد منهم بسبب شرائهم كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية المتوفرة بكميات محدودة في الأسواق وبأسعار لا يمكن للمواطن البسيط المرهق نفسيا وماديا بسبب الحرب المستمرة منذ قرابة 650 يوما، من شرائها لسد احتياجات أسرته.

يعتقد البعض أن "حماس" انتهت، وستختفي عن الحكم نتيجة الاغتيالات الإسرائيلية وسيطرة الأخيرة على مساحات واسعة من أراضي غزة، إلا أن الحركة دائما ما تفاجئ الجميع بإعادة تشكيل نفسها وفرض سيطرتها الحكومية والأمنية

مع الحديث عن قرب التوصل لهدنة بين "حماس" وإسرائيل خلال الأيام القليلة القادمة، أصدرت "السهم الثاقب" بيانا توعدت فيه المجموعات المسلحة مثل "مجموعة ياسر أبو شباب" التي صنفتها بالخارجة عن القانون، وتوعدت العائلات المسلحة التي تنامت خلال الأسابيع الأخيرة، وتوعدت اللصوص والعصابات وقطاعي الطرق وكبار التجار من محتكري البضائع، بالملاحقة والمحاسبة خلال فترة الهدنة تحقيقا لفرض السيطرة الأمنية.

مع كل المعطيات السابقة على الأرض، يبدو أن "حماس" اختارت التفاوض على الحل النهائي لوقف الحرب الدائم في ظل الهدنة وتوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية واستهداف قادتها وعناصرها، مشترطة انسحاب وتراجع الجيش الإسرائيلي إلى حدود مارس/آذار الماضي، أي تراجع الجيش للتمركز على عمق ما بين 700 إلى  1000 متر على طول الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية، ما يسمح لها بالعمل والتجول بحرية وفرض الأمن خلال 60 يوما، لتحاول فرض شروطها على الطرف الآخر- إسرائيل- المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، بعد إثبات وجودها العسكري والحكومي داخل قطاع غزة عقب عامين من حرب الإبادة الجماعية.

رويترز
مركبات عسكرية إسرائيلية تقف بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة، في إسرائيل، 7 يوليو

وتراهن "حماس" على صمود أبنائها وتضحيات سكان غزة الذين فقدوا أبسط مقومات الحياة، وفقدوا أبناءهم وأملاكهم وأعمالهم، مع ضمان امتلاكها الورقة الرابحة (الأسرى الإسرائيليين) أو من تبقى منهم، لكن إذا ما تمت عمليات تبادل الأسرى وفقدت ورقتها، فكيف ستضمن عدم عودة إسرائيل للحرب بعد انقضاء الستين يوما؟ وكيف ستضمن استمرار حكمها في ظل تمسك إسرائيل والولايات المتحدة، وتخليها عن الحكم وتسليم كامل السلاح كشرط أساسي لوقف دائم لإطلاق النار والدخول في مرحلة إعادة إعمار ما دمرته الحرب؟

font change