استطاع فنانون مستشرقون أن يصلوا إلى الطقوس الدينية الإسلامية ويصوروها في لوحاتهم، سواء في حركات الصلاة داخل المساجد أو في الحج إلى مكة والاحتفالات الدينية. وكان بعضهم يواجه خطر التعرض لردود الفعل من المتشددين الإسلاميين، الذين يرون تحريم الرسم، إذا ما أكتُشفوا وهم يتسللون إلى المساجد بقصد الرسم.
هناك فنانون تجاوزوا هذه الإشكالية باعتناقهم الإسلام، كما هو حال الفنان الفرنسي إيتيان دينيه (1861- 1929) الذي عاش جزءا من حياته في مدينة بوسعادة في الجزائر، حيث رسم بعض الطقوس الدينية الإسلامية مثل الحج والصلاة.
لا نعرف كيف استطاع الفنان النمساوي/ الفرنسي لودفيغ دويتش Ludwig Deutsch (1855- 1935) الوصول إلى أماكن عبادة المسلمين لتصويرها، إلا أننا نعرف أن هذا الوصول لم يكن مستحيلا. لذا وجدنا لوحات له تصور حركات الصلاة داخل المسجد، الأذان والركوع والسجود.
اهتمام عربي
رغم أهمية أعمال لودفيغ دويتش من حيث تصويره العديد من الملامح الشرقية الواقعية في زمنه، وبالذات في القاهرة، إلا أنه لم يلق الاهتمام المطلوب والمتناسب مع مكانته التاريخية، بخلاف فنانين آخرين من مثل دو لاكروا وإيتيان دينيه، اللذين حظيا بعدد من المعارض الاستعادية، مثل معرض دينيه الذي أقيم العام الماضي في "معهد العالم العربي" بباريس. صحيح أن فنانا مثل دو لاكروا قدم تجربة غنية في الفن عموما وفي استلهامه للأجواء الشرقية، مما منحه مكانة متميزة في الأوساط الفنية، لكن ذلك لا ينبغي أن يحد من الاهتمام بأعمال فنانين آخرين.
ربما، يشكل إصدار "معهد العالم العربي" بباريس كتابا عن لودفيغ دويتش، من تأليف المغربية لطيفة لبصير ضمن سلسلة "ألف كتاب وكتاب"، بداية الالتفات إلى أعمال هذا الفنان المفتون بالشرق، أو "أسير القاهرة"، كما لُقّب. إذ يُعدّ هذا الكتاب أول مؤلف عن هذا الفنان باللغة العربية على الأقل. وقد أشارت لبصير إلى تزايد الاهتمام بأعمال دويتش في السنوات الأخيرة، خاصة في المجموعة التي اقتناها شفيق جبر.