من "السبت الأسود" إلى الدامور: حوار وسط المجازر (3-6)

حافظ الأسد: لبنان سيصبح جزءا من سوريا كمال جنبلاط: نحتاج دعما عسكريا لفك الارتباط بالفلسطينيين

المجلة
المجلة

من "السبت الأسود" إلى الدامور: حوار وسط المجازر (3-6)

تنشر "المجلة" على ست حلقات محاضر اجتماعات الرئيس السوري الاسبق حافظ الاسد والزعيم الدرزي وقائد الحركة الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط قبيل واثناء الحرب الاهلية اللبنانية والتي شهدت نهاية العامين الاولين منها دخول القوات السورية الى لبنان واغتيال كمال جنبلاط على ايدي من يُعتقد انهم عناصر من اجهزة المخابرات السورية سنة 1977. هنا الحلقة الثالثة.

المقدمة: وثائق سرية سورية عن الدخول إلى لبنان واغتيال كمال جنبلاط

الحلقة الأولى: الأسد "يستجوب" جنبلاط عن خصومه في لبنان... ويرفض عودة "البعثيين" إلى سوريا (1-6)

الحلقة الثانية: ما بعد عين الرمانة... لبنان على شفا الحرب الأهلية (2 - 6)

اللقاء السادس: 15 ديسمبر 1975

جاء اللقاء السادس بين الرئيس السوري حافظ الأسد والزعيم اللبناني كمال جنبلاط في نهاية عام 1975، بعد ثمانية أشهر من اندلاع الحرب الأهلية، وستة أيام من "مجزرة السبت الأسود" في منطقة المرفأ ببيروت، التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 200 مسلم قُتلوا "على الهوية" من قبل مسلحين مسيحيين انتقاما لما قيل إنه تصفية مجموعة فلسطينية لشبان مسيحيين. وقد تزامنت المجزرة مع وصول رئيس حزب "الكتائب" بيار الجميل إلى دمشق واجتماعه بالأسد في 6 ديسمبر/كانون الأول، ما شكل إحراجا بالغا للنظام السوري.

في الاجتماع السادس، بدا جنبلاط منفعلا، وحاول إقناع الأسد بضرورة البحث عن شخصيات مسيحية للوقوف في وجه الجميل وكميل شمعون المعارضين للوجود الفلسطيني في لبنان. بدا على جنبلاط الانزعاج من مجيء بيار الجميل وشخصيات يمينية إلى سوريا، في حين لم يتم استقبال حليفه ريمون إدّه، عميد حزب "الكتلة الوطنية" وابن الرئيس الأسبق إميل إدّه.

نقل جنبلاط للأسد انزعاج وسخط ريمون إدّه من دعوة بيار الجميل وكميل شمعون إلى دمشق، قائلا إن إدّه ونائب جزين الأسبق جان عزيز "كانا أحق بالدعوة إلى الشام". أجابه الأسد بأن الدعوة وجهت لبيار جميل "بناء على طلبه" وليس بدعوة مباشرة من الرئاسة السورية، دون ذكر التحالف الآني، والهش بينهما، للتخلص من نفوذ ياسر عرفات في لبنان. أضاف الأسد: "برأينا، الشيخ بيار جميل يمثل الموارنة وهو الذي يقاتل"، مؤكدا استمرار الاتصالات مع القوى الوطنية والإسلامية والشخصيات المارونية الأخرى. وعندما أشار جنبلاط إلى "الكتائب" قائلا إنهم "عنصريون يرفضون العروبة"، رد الأسد: "لبنان كله قام على هذا الأساس". وطبعا هذا الكلام غير صحيح لأن إحدى ركائز "الميثاق الوطني" غير المكتوب للاستقلال في عام 1943 كانت الحفاظ على "وجه لبنان العربي" وهو ما وافق عليه رئيس الجمهورية الماروني بشارة الخوري.

طلب جنبلاط من الأسد دعما عسكريا "ليستطيع فك الارتباط بالفلسطينيين، لأنه عندما تكون المعركة بين لبناني مقابل لبناني، ستكون مختلفة عن كونها بين لبناني بوجه فلسطيني"

تدفق السلاح والحسم العسكري

ناقش الأسد وجنبلاط تدفق السلاح إلى لبنان والاشتباكات المسلحة الأخيرة في بيروت وطرابلس. وكشف جنبلاط عن وصول آلاف قطع السلاح إلى مرفأ جونية، وقد نُقلت على الفور إلى مستودعات حزب "الكتائب". هذه الأسلحة، بحسب قوله، "جاءت من ألمانيا الغربية والدول الشرقية، بآلية أن باخرة السلاح تأتي وتقف في البحر، ثم يتم البحث عن مشتر لهذا السلاح، والدفع يتم عند الاستلام". وعزا الفوضى إلى عدم وجود حرس حدود، واعتقاد رئيس الجمهورية سليمان فرنجية أن المقاومة الفلسطينية والدول العربية تقوم بتسليح الطرف المسلم في الحرب الأهلية، ما يؤدي إلى تسليح أطراف أخرى للجانب المسيحي.

"مجزرة السبت الأسود"... من المسؤول؟

رأى جنبلاط أن الحل يكمن في الحسم العسكري الذي سيؤدي إلى "إسقاط الحكم القائم، وبالتالي يأتي رئيس جمهورية جديد يحوز الثقة الشعبية". تحدّث عن "مجزرة السبت الأسود" التي وقعت في 6 ديسمبر. وتساءل عن تزامنها مع زيارة بيار الجميل إلى سوريا. أجابه الأسد مدافعا عن الجميل: "ما حصل في السبت الأسود ليس من مصلحة بيار الجميّل، ولا من معه. الاستنتاج الطبيعي يقول إن (الكتائب) لا علاقة لهم بما حدث". ثم قال الرئيس السوري إن من قام بالمجزرة كان يريد إحراج بيار الجميل وإفشال محادثاته في دمشق، في إشارة مبطنة إلى ياسر عرفات. وقد ثبت لاحقا أن "السبت الـسود" ارتكبه حزب "الكتائب" ومسلحون من أحزاب حليفة له.

أ.ف.ب
حافظ الأسد مع زعيم الكتائب اللبنانية الراحل بيار الجميل في لقاء في دمشق

رؤية الأسد للدولة المارونية ولحزب "الكتائب"

تابع الأسد في دفاعه قائلا: "الدولة في لبنان دولة مارونية، وبيار الجميّل ركيزة هذه الدولة المارونية". تفاجأ جنبلاط من هذا الدفاع، بعد أشهر قليلة من دعوة سوريا إلى عزل "الكتائب" واتهامها للجميل بأنه "حليف إسرائيل وصنيعة الإمبريالية". اشتكى جنبلاط من قلة السلاح في يد المسلمين وكثرته في أيدي المسيحيين، فعارضه الأسد معتبرا أن جماعة جنبلاط وعرفات لديهم سلاح أكثر من بقية الفرقاء. وهنا سأل جنبلاط إن كانت سوريا على استعداد للتدخل عسكريا لحل النزاع المسلح، قبل أن تصل نيرانه إلى دمشق. وقال للأسد إنه "لا يريد ضرب الموارنة بشكل كامل، بل أن يكون مطمئنا لهم". وأشار إلى أن العرب "لم يهتموا بقضية لبنان واكتفوا فقط بزيارات استطلاعية. لا يريد منهم الدخول بوساطة، بل يعتبر أن الوسيط يجب أن تكون سوريا لأنها الأقرب إلى لبنان".

طلب جنبلاط من الأسد دعما عسكريا "ليستطيع فك الارتباط بالفلسطينيين، لأنه عندما تكون المعركة بين لبناني مقابل لبناني، ستكون مختلفة عن كونها بين لبناني بوجه فلسطيني". لكن الأسد أبلغه أن الفئات الأخرى تعتقد أن خروج الفلسطينيين من الصراع سينهي المشكلة سياسيا وعسكريا، وهي قناعة راسخة لدى الكتائب والرئيس سليمان فرنجية. كان جنبلاط قد طلب مسبقا سلاحا ومعدات وذخائر من اللواء حكمت الشهابي، وكان الأسد قد وافق عليها. كما طلب جنبلاط من الأسد ضباطا لتدريب كوادره بهدف تمتين جبهته في جبل لبنان، على أن يكون نصفهم من الدروز ليفهموا عقلية الدروز، وليكونوا "ضباط ظل" يقدمون استشارات فقط.

الأسد: الهدف الأساسي من اندلاع الأحداث في لبنان كان قضية سيناء، والأميركيون رأوا أن الأمور بدأت تخرج عن سيطرتهم. برأينا نحن أن الشيء الذي يحصل في لبنان ليس لبنانيا محضا

خطة جنبلاط للإصلاح الوطني

تحدث جنبلاط بإصرار عن خطة إصلاحية تتضمن:

  • دولة علمانية تضمن رئاسة الجمهورية للمسيحيين.
  • إلغاء الطائفية السياسية من المجلس النيابي، مع إيجاد مجلس دستوري تكون للمسيحيين فيه أكثرية تبلغ 70 في المئة.
  • أن تكون النقابات كلها برئاسة نقباء مسيحيين.
  • أن تسمي الأكثرية النيابية رئيس الحكومة.
  • أن يُحل المجلس النيابي إذا أسقط الحكومة أكثر من مرة في عامين، ويحق لرئيس الجمهورية حل المجلس في بعض الحالات "ضمانا للاستقرار".
  • أن يرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء، على أن تكون إدارة الجلسات لرئيس الحكومة.
  • لا يحق لرئيس الجمهورية عدم الموافقة على مراسيم اتفق عليها مجلس الوزراء.
  • تشكيل مجلس للخدمة المدنية، تكون مسؤوليته اختيار الموظفين لإلغاء المحسوبية الطائفية في التعيينات.
  • تشكيل محكمة عدلية لمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، ولجنة تحقيق دائمة في مجلس النواب.
  • وضع قانون انتخاب على أساس تمثيل نسبي وجعل سن التقاعد 64 "حتى للنيابة".

قال الأسد إن هذه الأفكار مهمة ولكنها لا تضمن الاستدامة، فأجابه جنبلاط: "نحن نضمنها لأننا صادقون". تحاور الأسد وجنبلاط حول الانتخابات وتحدّث الرئيس السوري عن رؤية بيار الجميل للحل في لبنان. المشكلة، بحسب قول رئيس حزب "الكتائب" للأسد، تكمن في "فوضى الوجود الفلسطيني"، أما الأسد فاعتبر أن المشكلة هي في النظام الطائفي المتبع منذ زمن فرنسا. أردف الأسد: "نحن في سوريا نتمنى انقلابا جذريا في لبنان، لكن لنا اجتهادات حول الطريق المتبع". أكّد أن موضوع "المقاومة" غير قابل للنقاش "لكن الإصلاحات الوطنية قابلة للمناقشة".

أحداث لبنان واتفاقية سيناء

تساءل الأسد: "إلى أين نريد أن نصل؟ هذا هو السؤال المهم، ونحن نعتقد أن الأشهر الأخيرة كان لها سلبيات كثيرة وكبيرة جدا. شئنا أم أبينا، لقد ساهمت هذه الأحداث بتغطية اتفاقية سيناء (بين مصر وإسرائيل). بالأصل فإن الهدف الأساسي من اندلاع الأحداث في لبنان كان قضية سيناء، والأميركيون رأوا أن الأمور بدأت تخرج عن سيطرتهم. برأينا نحن أن الشيء الذي يحصل في لبنان ليس لبنانيا محضا، هو شيء مخطط له، أميركا لها مصلحة، وإسرائيل لها مصلحة غير مصلحة أميركا. هما متطابقان في جزء ومختلفان في جزء آخر". ثم حذر من مخاطر استمرار القتال: "إذا واصلنا في هذا الطريق فإن النتيجة الحتمية والمنطقية هي التقسيم، لأنه إذا كانت المشاكل غير قابلة للحل فمن الطبيعي للناس أن يجد كل واحد منهم شارعا يعيش فيه. إسرائيل تريد دويلات طائفية في المنطقة، وهو هدف استراتيجي لها". ودعا إلى التفكير في أهداف القتال ونتائجه، وأسقط ذلك على لبنان: "بهذا الوضع القائم تعتبر إسرائيل أن هذا الوضع نموذجي للقيام بتدخل وإقامة دويلات في لبنان".

تجدّد لقاء الأسد بجنبلاط بعد يومين من "مجزرة الكرنتينا" التي نفذتها "قوات الكتائب" ضد مواطنين فلسطينيين ولبنانيين، وقتلت حوالي ألف منهم في منطقة قريبة من المرفأ

حقيقة الانخراط السوري في لبنان

تابع الأسد: "نحن عندما سلّمنا بلبنان- وحتى الآن لسنا مسلّمين بذلك- سلمنّا به على حاله، لكن عندما يتفرّق لا يوجد عندنا ماروني وغير ماروني... كلهم عرب! يعني ذلك أن كل لبنان سيصبح جزءا من سوريا، أي نريد أن نطالب بدولة كليّة". وتابع الأسد: "لا أحد سيتصور أن المطالب الوطنية ستتحقق كاملة، لكن لو تحقّق بعضها هل يستحق أن يستمر الوضع عددا من الأشهر بذات المشاكل؟ العملية تحتاج إلى موازنة بين ربح وخسارة وطنية وقومية، نحن لا يوجد لدينا تصور معين لذلك اتصلنا بالجميع. نريد أن نكوّن فكرة، ومن ثم نناقش الأفكار لنعرف ماذا سنعمل. نحن مصرون على أن القتال في لبنان ليس طائفيا، لقد قلنا هذا الكلام للأميركان والفرنسيين والأشقاء العرب. قلنا لهم إن القصة ليست يمين ويسار، لكنّ هناك وضعا اجتماعيا يجب أن يصحح. لبنان بحاجة إلى إصلاح اجتماعي، وهذه الإصلاحات لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها في بلد يعيش في ظل مفاهيم منذ عام 1946".

اللقاء السابع: 20 يناير 1976

تجدّد لقاء الأسد بجنبلاط بعد يومين من "مجزرة الكرنتينا" التي نفذتها "قوات الكتائب" ضد مواطنين فلسطينيين ولبنانيين، وقتلت حوالي ألف منهم في منطقة قريبة من المرفأ. جاء الرد الفلسطيني سريعا، وفي 20 يناير/كانون الثاني هاجمت قوة مشتركة من الفلسطينيين والحركة الوطنية قرية الدامور المسيحية وقتلت 684 شخصا، انتقاما لـ"مجزرة الكرنتينا". في هذه الأجواء، وصل "كمال بك" إلى دمشق، وأثناء اجتماعه بالأسد، جاء اتصال من الرئيس سليمان فرنجية، الذي قال لنظيره السوري إنه موافق على جزء من المطالب الإصلاحية التي طرحتها الحركة الوطنية اللبنانية، ومن أهمها إلغاء الطائفية في التوظيف ومناصفة الوظائف العامة. كان حاضرا في الاجتماع وزير الخارجية عبد الحليم خدام، رئيس الأركان حكمت الشهابي، واللواء ناجي جميل، بدأ اللقاء بحديث جنبلاط عن طبيعة منطقة الكرنتينا وسكانها الفقراء الموالين له وللحركة الوطنية. تحدث عن التهجير والمجازر التي ارتكبت بحقهم، كاشفا عن نية خصومه في الجبهة اللبنانية إزالة مخيّم تل الزعتر وتطويق بيروت. وفقا لجنبلاط، فإن اجتماعا لهيئة الدراسات التابعة للجبهة اللبنانية عقد في 18 يناير 1976 خلص إلى التالي:

1. تسلّم وتنظيم الحكم الإداري في لبنان.

2. تصفية جميع الجيوب بالمنطقة الشرقية.

3. الاستيلاء على ثلثي بيروت والسيطرة على الفنادق وصولا للبنك المركزي.

4. إعادة كل المخيمات الفلسطينية إلى الجنوب.

5. الضغط على رئيس الجمهورية لعرض القضية على الأمم المتحدة.

حافظ الأسد: المهم إلغاء الطائفية الوظيفية. وبالنسبة لنا، نرى هذا الأمر نصف ثورة، فعندما تسقط الطائفية، يصبح هناك مجال للكلام في الوطنية والعروبة والقومية

القوات السورية دخلت لبنان فعلا؟

في غياب الأسد أثناء تلقيه اتصال فرنجية، جرى نقاش بين المجتمعين، وأشار أحد مرافقي جنبلاط إلى أن جهاز اللاسلكي لديهم التقط محادثات بين كميل شمعون ومسؤولين أمنيين. استفسر شمعون عن هوية قوات دخلت البقاع، فقيل له إنها فلسطينية، وعبّر عن غضبه. لاحقا اتصل شمعون بفرنجية وطلب دعمه لنشر بيان يتهم سوريا بالتدخل، وهو ما وافق عليه الرئيس اللبناني. وحين حاول مدير غرفة الرئاسة تعديل البيان، أصر شمعون على نشره كما هو. وعندما سأل صحافي أجنبي إذا كان البيان تمهيدا لتدخل إسرائيلي في لبنان، أجابه شمعون بشكل غير مباشر بالإيجاب.

غيتي
مقاتل في أحد شوارع بيروت، خلال الحرب الأهلية في لبنان، 1975

وعندما عاد الأسد إلى الاجتماع وشرح ما دار بينه وبين فرنجية، مشيرا إلى أن الأخير أبدى موافقة مبدأية على ورقة العمل التي طرحها جنبلاط، لكنه طلب وقتا لجمع الأطراف السياسية. وافق فرنجية على إلغاء الطائفية في الوظائف العامة، والمناصفة في المجلس النيابي، بشرطين: إنشاء مجلس آخر تكون فيه الأغلبية للمسيحيين، وإعادة فرز المناطق للدوائر الانتخابية الجديدة. وشدد الأسد على أهمية إلغاء الطائفية في الوظائف العامة، وقال لجنبلاط: "برأيي إن إلغاء الطائفية هنا أهم من قضية رئيس الجمهورية، وأهم من موضوع رئيس مجلس الوزراء، وأهم من انتخاب مجلس النواب. وهذه النقطة بجهة وكل البرنامج الآخر الذي تطرحه الحركة الوطنية بجهة أخرى. هكذا نرى الأمور من وجهة نظرنا في سوريا. المهم إلغاء الطائفية الوظيفية وبالنسبة لنا، نرى هذا الأمر نصف ثورة بالنسبة لظروف لبنان فعندما تسقط الطائفية، يصبح هناك مجال للكلام في الوطنية والعروبة والقومية".

في محاولته لتطمين جنبلاط، قال الأسد: "القوى الوطنية المفروض أن لا تنهزم، لكن بنفس الوقت من غير المفروض أن نصل إلى نتيجة تبدو فيها هذه النتيجة كأنها سحق للآخرين"

لا داعي للتشاؤم

في محاولته لتطمين جنبلاط، قال الأسد: "القوى الوطنية المفروض أن لا تنهزم، لكن بنفس الوقت من غير المفروض أن نصل إلى نتيجة تبدو فيها هذه النتيجة كأنها سحق للآخرين". أبدى الأسد تفهما لمطالب الحركة الوطنية، لكنه رأى أن بعضها غير عملي، محذرا من أن "قفزة واحدة لإلغاء كل شيء وتدمير كل شيء أمر غير ممكن". وأوضح أن المقترح السوري جاء بناء على ما طرحته الحركة الوطنية، لكنه لا يعكس بالضرورة الرؤية السورية، مشددا على أن الأمر بحاجة إلى "مزيد من الجدية، خاصة أن الفريق الآخر غير جاد وغير صادق". حاول الأسد طمأنة جنبلاط إلى أن السلطة غير قادرة على تصفية الأمور بسهولة، قائلا: "الواقع على الأرض اللبنانية أنه إذا كانت السلطة قادرة على أن تصفّي الأمر بسهولة، فالأمر الطبيعي أن لا يكون هناك تغيير، ولا بكلمة. بالعكس قد يحدث تغيير للأسوأ، لكن بالأساس لا داعي للتشاؤم".

عاد جنبلاط ليسأل عن بنود الاتفاق، ليؤكدها الأسد بما يلي:

  • مناصفة المجلس النيابي بين مسلمين ومسيحيين دون النظر إلى المذاهب.
  • إلغاء الطائفية الوظيفية وفيما يتعلق بالدرجة الأولى الـ140 على أساس سبعين بسبعين كما كان سابقا. لكن ليست 70 لطائفة و70 للأخرى، وبالتالي أي مؤسسة يمكن أن يتسلمها أي لبناني من أي طائفة في إطار المناصفة.
  • رئيس الوزراء ينتخب من قبل المجلس النيابي، وكل القرارات والمراسيم والاتفاقات التي يقوم بها رئيس الجمهورية يجب أن يوقع معه رئيس الوزراء.
  • تشكيل مجلس تمثيلي للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية واقتراح مسودة قوانين.
  • تشكيل محكمة دستورية لأجل دستورية القوانين ومحاكمات الوزراء ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية.

أ.ب.
مقاتل فلسطيني من حركة فتح يطلق النارعلى قوات سورية في تاريخ غير معروف ، خلال معارك الحرب الأهلية بالقرب من بحمدون في جبل لبنان

بدا جنبلاط كثير التململ والأسئلة عن التفاصيل، غير قانع بما قاله فرنجية للأسد، وكان يريد تبني مقترحات الحركة الوطنية كما أرسلها، مما حدا بالأسد أن يسأله: "أليس هذا ما طلبتموه في الاجتماع الماضي؟". وفي كتابه عن حياة الرئيس السوري، يضيف الصحافي البريطاني باتريك سيل أن جنبلاط أجابه: "نريد التخلص من المسيحيين"، ولكن هذه العبارة لم ترد في المحضر.

في المحضر يقول جنبلاط: "ما هو مطروح لا يعني تغييرا جذريا أو حقيقيا، وسنخرج من هذه الأزمة بإصلاحات سطحية، مع 8000 قتيل". ردّ عليه الأسد بأن "الكتائب" يعتبرون نفس الشيء ويريدون مكاسب، مشيرا إلى أنهم أيضا دفعوا ثمنا من القتال. أبدى جنبلاط قلقه من عدم عودة المهجرين إلى مناطقهم بعد تهجيرهم، خاصة من منطقة الكرنتينا. أكّد الأسد أنه في حال التوصل لاتفاق، سيعود كل الناس إلى مناطقهم إلا إذا أرادوا عكس ذلك، كما روى أن الكتائب طلبوا من الزعيم الشيعي ورئيس مجلس النواب كامل الأسعد أن يطلب من أهالي منطقتي برج حمّود والنبعة كتابة تعهدات بعدم السير مع الأحزاب والفلسطينيين.

وأخيرا، أكّد الأسد: "في نهاية المطاف، يجب أن يكون الاتفاق شاملا ونهائيا، وأن لا يكون فقط اتفاق وقف إطلاق نار قد ينتهي بعد ساعة". في نهاية اللقاء، وبعد خروج الوفد اللبناني، أشار اللواء حكمت الشهابي إلى اتصال من أحد الشخصيات اللبنانية يستجدي المساعدة، حيث إن قرية السعديات محاصرة وهناك لاجئون من الدامور لجأوا إليها. أجابه الشهابي بأن المأساة لم تبدأ بحصار السعديات، بل بدأت عند مهاجمة الكرنتينا قبل أيام.

الحلقة القادمة... الأسد وجنبلاط: اللقاء الأخير والفاصل

font change

مقالات ذات صلة