ليبيا... احتمال تبني حفتر "اتفاق 2019" يخلط الأوراق شرقي المتوسط

لا يتوقع أن تنساق مصر مع الموقف اليوناني

رويترز
رويترز
منظر عام للميناء ومصفاة الزاوية للنفط، على بعد 55 كيلومترًا (34 ميلًا) غرب مدينة طرابلس 22 أغسطس 2013

ليبيا... احتمال تبني حفتر "اتفاق 2019" يخلط الأوراق شرقي المتوسط

بعد سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي عام 2011، انزلقت البلاد في أتون حرب أهلية بين حكومة الوفاق الوطني في الغرب (طرابلس) والجيش الوطني الليبي المدعوم من مجلس النواب في الشرق (طبرق).

أثناء النزاع، وقفت تركيا إلى جانب طرابلس، وأسهم تدخلها المباشر في إنقاذ حكومة الوفاق الوطني من الانهيار تحت وطأة هجوم الجيش الوطني الليبي.

عقب ذلك، جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار وانطلقت عملية مصالحة وطنية. ورغم استمرار الانقسام بين مركزي السلطة في الشرق والغرب، فإن وقف إطلاق النار لا يزال قائما حتى الآن.

مؤخرا، تصاعد التوتر مجددا بين تركيا واليونان ومصر والاتحاد الأوروبي في شرق البحر المتوسط، بسبب اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته طرابلس مع أنقرة عام 2019.

وقد أثار احتمال مصادقة الهيئة التشريعية في طبرق على اتفاق 2019 قلقا في عدد من دول شرق المتوسط، خصوصا في اليونان.

يحدد الاتفاق الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، ويرسم الحدود الغربية للجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا. وفي شرق البحر المتوسط، لا توجد حدود معترف بها بموجب القانون الدولي، بل تُرسم هذه الحدود عبر الاتفاقات والتفاهمات بين الدول.

وبالإضافة إلى الاتفاق المبرم بين أنقرة وطرابلس، توجد اتفاقات بحرية أخرى بين دول شرق المتوسط، منها مصر واليونان وقبرص وإسرائيل. إلا أن التحديات تبرز حين تتداخل المناطق والحدود البحرية التي حددتها تلك الاتفاقات.

كان مجلس النواب في طبرق، إلى جانب كل من اليونان وقبرص ومصر، قد أعلن أن اتفاق عام 2019 غير شرعي.

ومنذ ذلك الحين، طرأت تغييرات لافتة على الجغرافيا السياسية وعلى طبيعة العلاقات بين مختلف الأطراف. إذ لا تزال تركيا تحافظ على علاقات قوية مع طرابلس، لكنها شرعت في الآونة الأخيرة في تحسين علاقاتها مع طبرق وخليفة حفتر، وهي علاقات اتسمت بتوتر بالغ خلال فترة الحرب الأهلية.

فيما يتعلق بادعاءات اليونان بشأن تبعات اتفاق 2019، فقد تجاهلتها تركيا واعتبرتها غير ذات قيمة. وصادق البرلمان التركي على الاتفاق البحري في 5 ديسمبر 2019، وأُبلغت به الأمم المتحدة رسميا

وفي إطار هذا التقارب، أجرى كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وصدّام حفتر نجل خليفة حفتر وقائد القوات البرية في الجيش الوطني الليبي، بالإضافة إلى عدد من كبار قادة قوات حفتر، زيارات رسمية إلى أنقرة خلال الأشهر الماضية.

كما أن انتهاء الأزمة السياسية العميقة التي شهدتها العلاقات بين تركيا ومصر، إلى جانب أطراف إقليمية أخرى مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، كان عاملا محوريا في تحسن العلاقات بين طبرق وأنقرة.

أما فيما يتعلق بادعاءات اليونان بشأن تبعات اتفاق 2019، فقد تجاهلتها تركيا واعتبرتها غير ذات قيمة. وقد صادق البرلمان التركي على الاتفاق البحري في 5 ديسمبر/كانون الأول 2019، وأُبلغت به الأمم المتحدة رسميا.

وفيما بعد، أُلحقت الاتفاقية الأصلية بتمديدات منحت أنقرة حقوقا في التنقيب عن النفط والغاز ضمن المياه الإقليمية الليبية.

أ ف ب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يمين) ورئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة في صورة خلال حفل توقيع بعد لقائهما في القصر الرئاسي في أنقرة، 12 أبريل 2021

في مواجهة الادعاءات والاعتراضات التي أثارتها اليونان وعدد من الأطراف الأخرى، قدمت ليبيا مذكرة شفوية إلى الأمم المتحدة بتاريخ 27 مايو/أيار 2025، نُشرت رسميا في الأول من يوليو/تموز.

تضمنت المذكرة، التي أُرفقت بخريطة توضّح "الحدود الخارجية للجرف القاري في البحر المتوسط"، تأكيدا على أن مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا عام 2019 تمثل "حلا منصفا جرى التوصل إليه استنادا إلى القانون الدولي".

وشددت المذكرة على أنه "لا اليونان ولا مصر تملكان حقوقا سيادية في المناطق البحرية التي جرى ترسيمها بين ليبيا وتركيا وفقا للقانون الدولي".

تبدي اليونان قلقا بالغا مما تعتبره انتهاكا لحقوقها السيادية، مدعية أن اتفاق 2019 يتجاهل وجود جزيرة كريت

وفي العشرين من يونيو/حزيران، قدمت ليبيا مذكرة إضافية للأمم المتحدة، أعادت فيها التأكيد على موقفها، واتهمت اليونان بانتهاك حقوقها السيادية من خلال تأجير كتلتين بحريتين جنوب غرب جزيرة كريت لشركة "إكسون موبيل"، وهي منطقة مشمولة في اتفاق 2019.

وفي سياق متصل، تناول المجلس الأوروبي في اجتماعه المنعقد بتاريخ 26 يونيو، قضيتي الاتفاق البحري وتدفقات الهجرة من ليبيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد أُدرجت هاتان المسألتان على جدول الأعمال بطلب من اليونان وقبرص وإيطاليا.

وعبّر قادة الاتحاد الأوروبي عن قلقهم إزاء تدفقات الهجرة المنطلقة من ليبيا، محذرين من تداعياتها المحتملة على الأمن الأوروبي. كما اعتبروا أن الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا ينتهك الحقوق السيادية لدول أخرى، ولا يتماشى مع أحكام قانون البحار، ولا يمكن أن تترتب عليه آثار قانونية تجاه هذه الدول.

أ.ف.ب
القائد العسكري الليبي خليفة حفتر يحضر مؤتمرًا لتنمية وإعادة إعمار البلاد، في مدينة سبها جنوب ليبيا، 5 سبتمبر 2024

من جهته، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيجيلي، نتائج المجلس الأوروبي، مؤكدا أن الاتفاق يتمتع بشرعية كاملة بموجب القانون الدولي.

كما أصدر البرلمان الليبي بيانا شديد اللهجة أعرب فيه عن رفضه لنتائج المجلس الأوروبي، مؤكدا أن صلاحية إبرام الاتفاقات الدولية تعود حصرا إلى الهيئات الدستورية الليبية، وأن أي محاولات خارجية لفرض توجهات على السياسة الخارجية للبلاد تُعد انتهاكا غير مقبول.

وتبدي اليونان قلقا بالغا مما تعتبره انتهاكا لحقوقها السيادية، مدعية أن اتفاق 2019 يتجاهل وجود جزيرة كريت. ووصف وزير الخارجية اليوناني، يورغوس غيرابيتريتيس، الاتفاق التركي الليبي بأنه "لا أساس له، وغير صالح، ويتناقض مع القانون الدولي".

من غير المرجح أن تنساق مصر مع الموقف اليوناني أو تدخل في توتر جديد مع أنقرة. إذ تتيح الحالة الراهنة للعلاقات التركية-المصرية للدولتين مواصلة البحث عن حلول دبلوماسية لأي خلاف محتمل

وفي محاولة لموازنة النفوذ التركي في ليبيا وتحقيق مكاسب دبلوماسية أخرى، أجرى وزير الخارجية اليوناني زيارتين متتاليتين إلى البلاد، بهدف الحيلولة دون مصادقة مجلس النواب الليبي على الاتفاق البحري، إضافة إلى إبرام اتفاق لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة مع ليبيا، بما يمنحها أساسا قانونيا للطعن في الاتفاق التركي الليبي في حال إقراره.

جاءت الزيارة الأولى إلى مدينة بنغازي في 6 يونيو، حيث استقبل قائد شرق ليبيا، خليفة حفتر، الوفد اليوناني في مقر قواته بمنطقة الرجمة. ثم عاد غيرابيتريتيس مرة أخرى إلى ليبيا في 15 يوليو، ولكن هذه المرة لعقد محادثات مع سلطات طرابلس.

التقى وزير الخارجية اليوناني بكل من محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة في طرابلس. ووُصفت الاجتماعات بالمثمرة، حيث ناقش الطرفان سبل دعم وتعزيز التعاون المشترك، خصوصا في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية، بالإضافة إلى قضايا الهجرة وترسيم الحدود البحرية. غير أن مصادر مطلعة أفادت بعدم إحراز أي تقدم بشأن المقترح اليوناني لتوقيع اتفاق بحري، ولم تظهر مؤشرات إيجابية ترضي الجانب اليوناني.

ومن اللافت أنه في 8 يوليو، قبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية اليوناني إلى طرابلس، قامت السلطات المحلية في شرق ليبيا بطرد وفد من الاتحاد الأوروبي كان في زيارة رسمية. ضم الوفد وزير الهجرة اليوناني، ثانوس بليفرِس، ونظراءه من إيطاليا ومالطة، إلى جانب مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة.

في موازاة ذلك، تجري اليونان محادثات مع مصر، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع طبرق. وقد التقى وزير الخارجية اليوناني بنظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة يوم 4 يونيو، وكان أحد أهداف اللقاء مطالبة مصر بإقناع خليفة حفتر بعدم المضي قدما في خطط المصادقة على اتفاق 2019.

تبادلت تركيا ومصر التحديات في الملف الليبي، ووصل التوتر بينهما إلى حد إثارة القلق من احتمال اندلاع اشتباك مباشر بين قوات البلدين، إلا أن ذلك لم يحدث.

ورغم أن لدى القاهرة تحفظات على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، فإنه من غير المرجح أن تنساق مع الموقف اليوناني أو تدخل في توتر جديد مع أنقرة. إذ تتيح الحالة الراهنة للعلاقات التركية المصرية للدولتين مواصلة البحث عن حلول دبلوماسية لأي خلاف محتمل.

أما في بروكسل، فيواصل الدبلوماسيون اليونانيون مساعيهم المعتادة لدفع الاتحاد الأوروبي نحو ممارسة ضغوط على خصومهم. وعلى الرغم من أن تحركات أثينا تبدو متسارعة، فإنها على الأرجح لن توقف مسار الأحداث، إذ إن الاتجاه السائد بين ليبيا وتركيا يميل إلى تعزيز التعاون وتحسين العلاقات. ومع ذلك، باتت اليونان تمتلك ورقة جديدة يمكنها استخدامها كورقة ضغط في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي.

font change