أسفر وقف النار، الذي تم بوساطة أميركية، عن وضع حد مؤقت لموجة العنف الأشد فتكا التي شهدتها السويداء منذ عقود. وقد بدأ الأمر في 13 يوليو/تموز على شكل نزاع محلي بين مجموعات درزية وبدوية، سرعان ما تصاعد وتحوّل إلى مواجهة عسكرية شاملة بين مقاتلين دروز وقوات موالية للحكومة الانتقالية. وفي غضون أيام قليلة، أسفرت الاشتباكات عن مقتل المئات وتشريد عدد كبير من السكان، مما زعزع ركائز المرحلة الانتقالية الهشة أصلا في سوريا.
وعلى الرغم من أن العنف قد انحسر في الوقت الراهن، فإن من الخطأ تفسير هذا التوقف باعتباره عودة إلى الاستقرار. فالمؤشرات الأولية كافة تدل على أن وقف إطلاق النار لا يتجاوز كونه إعادة إنتاج للوضع الذي كان قائما قبل اندلاع الصراع، مع عودة أبناء المنطقة من الدروز إلى السيطرة الفعلية على السويداء. إن وقف العنف يمثل خطوة أولى لا بد منها، لكنه لا يرتقي إلى مستوى تسوية سياسية راسخة. وما لم تُعالج المظالم الجوهرية التي أشعلت فتيل التصعيد، كالتهميش السياسي والصراع على السلطة، معالجة جذرية تنطوي على معنى حقيقي، فإن من غير المرجح أن يدوم هذا الهدوء طويلا.
فتيل الأزمة
كانت الشرارة التي أشعلت فتيل العنف هي اختطاف تاجر درزي على يد أفراد مرتبطين بقبائل بدوية، حسبما ورد. وجاء الرد باندلاع موجة من عمليات الاختطاف الانتقامية، تصاعدت إلى صراع طائفي أوسع نطاقا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الحوادث مألوفة في جنوب سوريا، حيث ما زالت التوترات العالقة تستفحل بين المجتمعات المحلية هناك في جو يسوده انعدام الثقة المتبادل. وما ميز هذه الحادثة بالتحديد قرار السلطات الانتقالية السورية بالتدخل عسكريا.
وقد وصفت دمشق نشر قواتها الأمنية بأنه مهمة لاستعادة النظام واستتباب الأمن. لكن مواطني السويداء، أو على الأقل أولئك الذين قاوموا بضراوة، اعتبروها محاولة للاستيلاء على السلطة في المنطقة. ويعود هذا التصور إلى الخلافات العالقة بين وجهاء السويداء والسلطات الانتقالية، خاصة حول الحكم والترتيبات الأمنية وهوية الدولة السورية المستقبلية.
السلطة المتنازع عليها
لطالما طالب وجهاء السويداء بإرساء نمط من الحكم اللامركزي، وهياكل أمنية تُدار محليا بما يتلاءم مع احتياجات المجتمع. غير أن دمشق بقيت متمسكة بنهج مركزي صارم، يقوم على تسلسل هرمي تُتخذ فيه القرارات في أعلى المستويات، ثم تُنفذ نزولا إلى القواعد. وقد ساهمت هذه التوترات، التي تفاقمت بفعل تعثّر المفاوضات المتكرر، في ترسيخ قناعة لدى كثيرين بأن تدخل الدولة لم يكن مهمة لحفظ السلام، بل محاولة لإعادة فرض سلطتها المركزية بالقوة.
وقد بلغت هذه التوترات ذروتها مع اندلاع اشتباكات بين القوات الحكومية والوحدات الموالية للشيخ حكمت الهجري، أبرز الزعامات الروحية لدى الطائفة الدرزية. وتبادلت الأطراف الاتهامات: إذ اتهمت دمشق مقاتلي الهجري بالهجوم على عناصر الأمن في خرق لاتفاقات سابقة، في حين أكد أتباع الهجري أن الحكومة نكثت بوعودها وارتكبت انتهاكات جسيمة على الأرض.