ليث البلعوس.. رجل المسار المحفوف بالموت

مرحلة جديدة في حياته

لينا جرادات/المجلة
لينا جرادات/المجلة

ليث البلعوس.. رجل المسار المحفوف بالموت

قائد فصيل "مضافة الكرامة"، رجل تنقسم تقييمات العيون في السويداء حين تنظر إليه، وشخصية دخلت باب الجدل في أوساط الدروز، فالبعض يراه صاحب تيار السلام والتهدئة، ومواجهة محاولات التقسيم ونشر الفتنة بين الدروز والبدو في محافظة السويداء، في حين يراه آخرون جزءا من مخطط الحكومة السورية الساعي لتسليم دفّة القيادة في السويداء إلى شخص يواليها. إنه ليث البلعوس، ابن بلدة المزرعة بريف السويداء، ونجل الشيخ وحيد البلعوس مؤسس حركة "رجال الكرامة" الذي قال: "إن كرامتنا أغلى من بشار الأسد"، الجملة التي دفع ثمنها حياته في عام 2015.

نجا من الموت أكثر من مرّة، الأولى في شهر مايو/أيار 2023، عندما تعرضت سيارته لإطلاق رصاص من قبل مجهولين، في الوقت الذي كانت قواته في حالة توتر شديد مع النظام والميليشيات الإيرانية على خلفية عدائه المباشر والعلني للمشروع الإيراني ونفوذ "حزب الله" اللبناني في السويداء وسوريا، ووقوفه مع الاحتجاجات التي كانت تشهدها السويداء في تلك الفترة ضد النظام السوري وسياساته. وفي الفترة التي سبقت محاولة الاغتيال، قام رئيس إدارة المخابرات الجوية حينها، اللواء غسان إسماعيل، بتهديد كل من "مضافة الكرامة"، وشيوخ العقل الدروز، بتدمير السويداء وحرقها في حال استمرّت في مواجهة النظام والاحتجاج ضدّه.

وكان ليث البلعوس رفقة عدّة فصائل أخرى، تحت مظلة "شريان واحد" في ديسمبر/كانون الأول 2018، ولعبوا دورا فاعلا على مدار سنوات، في ردع قوات النظام وعناصره وقادته، عن خلخلة الأمن في السويداء، كما كان ليث أحد القادة في السويداء، الذين شنّوا عدة عمليات عسكرية، ضد مهربي ومروجي المخدرات في السويداء، الأمر الذي اعتبره "حزب الله" اللبناني وعصاباته في السويداء تهديدا مباشرا لهم.

البلعوس أشهر عداءه لإيران وأذرعها، وقال في تصريحات مصوّرة إن قواته وأهالي السويداء، يرفضون كل أشكال التدخل الإيراني و"حزب الله" اللبناني في السويداء بشكل خاص، وسوريا بشكل عام، ورأى أن هذا التدخل "لم يأت إلا بالويلات للمنطقة"، ووصفه بأنه "يد العبث والفتنة والتفرقة بين السهل والجبل" (السويداء ودرعا)، وأن تدخل إيران و"حزب الله" اللبناني في سوريا، كانا سبب انتشار المخدرات والعصابات، مدعومين من قبل النظام، وأكد أكثر من مرة أن الذين يروجون لهذه المخدرات، يحملون بطاقات أمنية، ويتبعون للأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري آنذاك. البلعوس أيضا اتهم إيران و"حزب الله" اللبناني بالوقوف خلف عدّة تفجيرات في السويداء، وقال إنه لا مسامحة مع جرائم "حزب الله" وإيران في المنطقة.

وكان ليث البلعوس رفقة عدّة فصائل أخرى، تحت مظلة "شريان واحد" في ديسمبر/كانون الأول 2018، ولعبوا دورا فاعلا على مدار سنوات، في ردع قوات النظام وعناصره وقادته عن خلخلة الأمن في السويداء

في عام 2021 صعّد ليث البلعوس من موقف المواجهة مع سلطة دمشق، وعدّ أن النظام لم يعد مرحبا به بين أهالي السويداء، وأنهم فقدوا الثقة به، لأن عصابات النظام هم من ينشرون المخدرات، ويقومون بعمليات الخطف والابتزاز، كما أن نظام الأسد فشل في تأمين "أهم أساسيات" الحياة: حفظ الأمن والأمان، ومكافحة الإرهاب والقتل والنهب، وتأمين لقمة العيش. 

 سيريا تايمز
لقاء بين وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، ووفد من حركة "رجال الكرامة"، برئاسة الشيخ ليث البلعوس.

وجود فصائل في السويداء مثل (مضافة الكرامة/قوات شيخ الكرامة/ رجال الكرامة) وغيرها من مجموعات صغيرة أو عائلية، شكّل قوّة ضاربة في وجه مخططات النظام السوري للسيطرة على السويداء، كما لعبت هذه القوى دورا في حماية مركز المحافظة، من حملات الاعتقال، التي كان يمكن أن تحصل بكثافة بعد عام 2020، عندما أصبحت غالبية السويداء على المستوى المدني والديني والفصائلي ضد النظام ونادت بسقوطه، هذا التطور شكّل ضغطا داخليا وسياسيا على بشار الأسد، الذي كان يصوّر للعالم أجمع أن الأقليات في سوريا يؤيدونه، وأنه الحامي لهم. كما أن هذه القوى شكّلت حائط صدّ في وجه محاولات إيران وميليشياتها التدخل والتوغل في السويداء.

البلعوس أشهر عداءه لإيران وأذرعها، وقال في تصريحات مصوّرة إن قواته وأهالي السويداء يرفضون كل أشكال التدخل الإيراني و"حزب الله" اللبناني في السويداء بشكل خاص، وسوريا بشكل عام

وعلى الرغم من أن ليث البلعوس، لم يُبدِ عداء واضحا للروس في سوريا، والتقى معهم في السويداء، إلا أنه رفقة قوى أخرى، وقفوا أيضا حاجزا منيعا في وجه تحوّل السويداء إلى ملعب روسي، وهدفهم كان أن لا تصبح المحافظة بوابة مواجهة مباشرة بين روسيا وإيران، تلك المواجهة التي كانت واضحة بشكل جليّ بعد عام 2018 في الجنوب السوري.   

في شهر أغسطس/آب 2024 وصلت حالة التوتر بين قوات ليث البلعوس، والنظام السوري إلى أوجها، فحاول النظام اغتيال ليث البلعوس للمرة الثانية من خلال استهداف اجتماع لقيادات محلية من السويداء، كان يحضره ليث البلعوس في منزل الشيخ بهاء الجمال، بحي القلعة بالسويداء، لينجو من الموت للمرّة الثانية.

مع انطلاق عملية غرفة ردع العدوان نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ضد النظام السوري، بقيادة "هيئة تحرير الشام" التي كان يرأسها الرئيس أحمد الشرع، بدأت عدّة فصائل في السويداء التنسيق مع قوات ردع العدوان، وتوحيد الجهود معها لمواجهة النظام السوري، ولعب ليث وفصيله دورا في هذا التنسيق. وبعد سقوط النظام، كان من أوائل الشخصيات، رفقة زعيم "تجمع أحرار جبل العرب" سلمان عبد الباقي، الذين اعترفوا بالرئيس الشرع، ولعب دور الوسيط بين الحكومة السورية وفصائل السويداء، وحضروا اجتماعات عدّة مع الرئيس الشرع، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وذلك في سبيل تذليل العقبات أمام جهود الحكومة السورية الجديدة، لتوحيد البندقية في البلاد.

في شهر أغسطس 2024 وصلت حالة التوتر بين قوات ليث البلعوس والنظام السوري إلى أوجها، فحاول النظام اغتيال ليث البلعوس للمرة الثانية

نفوذ ليث البلعوس ازداد بشكل كبير خلال الاشتباكات، التي حصلت في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا بين ممثلين عن بعض فصائل السويداء من جهة، والأمن العام إضافة إلى مجموعات مسلحة من الغوطة من جهة أخرى، هذا النفوذ تُوّج من خلال مقترح الحكومة السورية لحل الخلاف، بأن تكون حواجز الأمن العام في جرمانا والسويداء مزيجا من الأمن العام، وعناصر من قوات ليث البلعوس، وعلى أثرها بدأ ليث البلعوس بعمليات تطويع شباب من السويداء، ليكونوا في الأمن العام ويشاركوا في عملية حفظ الأمن في السويداء.

مواقع التواصل الاجتماعي
الشيخ ليث البلعوس

هذا النفوذ الذي بدأ ليث يكسبه في دمشق، أثار حفيظة مكونات عسكرية في السويداء، سيّما أنهم اعتبروا هذا النفوذ كحصان طروادة، الخاص بالحكومة السورية، لاختراق أسوار السويداء، التي كانوا يبنونها للتفاوض مع دمشق من أجل عدم تسليم سلاحهم، وبقاء المحافظة بين أيديهم من ناحية الإدارة الأمنية والعسكرية. وللمرة الثالثة تعرض ليث لمحاولة اغتيال، نجا منها مطلع شهر مايو/أيار من العام الجاري، حين قام مجهولون بإطلاق رصاص على سيارته في بلدة شهبا بريف السويداء.

يقف ليث البلعوس على أبواب مرحلة جديدة من حياته، فهو المُرشح الأبرز لقيادة جهود الحكومة السورية للتهدئة والتفاوض في السويداء، ورجل دمشق لقيادة إدارة الأمن في المحافظة، إلا أنه في الوقت نفسه أصبح عدوا من وجهة نظر فصائل عسكرية، وتجمعات مدنية في السويداء، ويعدّونه واقفا في خندق المواجهة ضدهم، وذلك بعد الأحداث الدامية التي ما زالت سوريا عموما، والسويداء تحديدا في مواجهة تداعياتها على المستوى الطائفي والسياسي والاجتماعي، خصوصا مع سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والمقاتلين (دروزا، وبدوا، وقوات حكومية) عقب أيام من الاقتتال، الذي خرج عن حدوده التقليدية (صراع الدروز والبدو) مع تدخل إسرائيل في سوريا، بذريعة حماية الدروز، وصولا إلى ما أطلق عليه "فزعة العشائر" لدعم البدو في  السويداء.

ليث البلعوس اليوم أمام اختبار المسار، الذي سار به على خطى أبيه، من مواجهة الأسد والنفوذ الخارجي، إلى التحالف مع الدولة الجديدة، لدعم جهود توحيد البندقية والجغرافيا، ومواجهة سردية أن الدروز يحتاجون لإسرائيل لحمايتهم، فهل تنجح مساعي ليث ليصبح الرجل الذي حلّ أحد أعقد التوترات التي شهدتها محافظة السويداء، منذ سقوط النظام السوري؟ ويكون الجسر الذي يوّحد الطريق بين المحافظة والحكومة السورية؟ أم أن هذه المرحلة، هي نقطة أفول نجم ليث على المستوى المحلي في السويداء، بعد وقوفه مع دمشق وتوجهاتها.

font change