رام الله- شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية تصاعدا غير مسبوق في مشاعر القلق والخوف لدى أبناء طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل حيال مصير ذويهم في محافظة السويداء السورية، في ظل موجة العنف والصدامات الدامية التي عصفت بالمحافظة، فأيقظت الروابط العائلية والعاطفية بين دروز الجليل والكرمل والجولان وأبناء عمومتهم في سوريا، لتتحوّل تلك المشاعر إلى تحركات عملية وضغوط شعبية ورسمية قادتها الزعامة الدينية للطائفة الدرزية في إسرائيل على كافة المستويات ووصلت إلى حد مطالبة الحكومة الإسرائيلية بتدخل عسكري مباشر، وقيام حوالي ألف من شبان الطائفة باجتياز الحدود إلى سوريا في محاولة للوصول إلى السويداء للتصدي لقوات الأمن السورية ومسلحي العشائر الذين تتهمهم بارتكاب أعمال عنف وتنكيل بأهالي المحافظة، بينما أعادت هذه التطورات طرح أسئلة جوهرية حول عمق العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا، وحدود التدخل الإسرائيلي لحماية هذه الأقلية، وتداعياته الإقليمية والداخلية.
ويتجاوز التضامن الدرزي مع السويداء منطلقات التعاطف، إذ يستند إلى "روابط دم وقرابة" تجعل أكثر من نصف عائلات الدروز في إسرائيل على صلة مباشرة بأقاربهم من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا يوميا، فيما يكرّس مفهوم "حفظ الإخوان" في العقيدة الدرزية واجب التضحية من أجل أبناء الطائفة أينما وجدوا، كما يعتبر الدروز أنفسهم مجتمعا عابرا للحدود فيما تعزز ذاكرتهم الجمعية مشاعر الخوف من تكرار المجازر التاريخية التي تعرضوا لها في سوريا، مثل أحداث جبل الدروز عام 1860 وأحداث إدلب عام 2015.
لقد شهدت أشكال تضامن دروز إسرائيل مع ذويهم في سوريا، وتحديدا في محافظة السويداء، تطورا غير مسبوق هذه المرة. ففيما كانت تقتصر فعاليات وتحركات التضامن في السنوات الماضية- وآخرها خلال موجة احتجاجات في السويداء ضد نظام الأسد عام 2024- على بيانات الشجب والاستنكار وتنظيم المسيرات والفعاليات الخيرية، إلى جانب مبادرات شبابية لجمع التبرعات برعاية المجلس الديني الأعلى للطائفة بقيادة الشيخ موفق طريف-الذي كان يطالب الحكومة الإسرائيلية السماح بحذر بإيصال مساعدات طبية وغذائية عبر الجولان وسط مخاوف من أن يُفسر أي تدخل إسرائيلي كدعم سياسي أو عسكري ضد النظام السوري، ما قد يجلب مخاطر أمنية على الدروز هناك- فإن سقف المطالب هذه المرة بلغ حدا غير مسبوق، حيث إنه للمرة الأولى، لم يعد الحديث مقتصرا على الإغاثة أو المسيرات الاحتجاجية، بل امتد للمطالبة العلنية بتدخل عسكري إسرائيلي مباشر، بل واقتحام الحدود من قبل عشرات الشبان الدروز الذين وصلوا حتى بلدة حضر في تحوّل نوعي لم يسبق أن عرفته علاقة الدروز في إسرائيل مع ملف السويداء من قبل.
ويبلغ عدد الدروز في إسرائيل اليوم حوالي 140 ألف نسمة، يعيش معظمهم في الجليل والجولان، وينقسمون بين من يحمل الجنسية الإسرائيلية (دروز الجليل والكرمل) ومن يرفضها (دروز الجولان المحتلة منذ 1967(، فيما فرض التجنيد الإجباري منذ 1956 عليهم مؤسسا لعلاقة فريدة مع الدولة العبرية عُرفت بـ"حلف الدم"، وبالرغم من اندماج الدروز في الجيش الإسرائيلي ومؤسسات الدولة وتوليهم مناصب عسكرية وسياسية ووزارية رفيعة، ظل الحلف مثار نقاش داخلي، إذ بينما يستمر دروز الجليل والكرمل في شراكتهم مع إسرائيل، يصر دروز الجولان (25 ألفا تقريبا) ويعيشون في أربع بلدات وقرى هي: مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنية، على رفض الجنسية الإسرائيلية، متمسكين بهويتهم السورية وولائهم لدمشق مما أوجد هوة عميقة في الموقف بين شقي الطائفة في إسرائيل، بينما تعمق الجدل داخل الطائفة الدرزية حول "حلف الدم" مع تكرار الأزمات الكبرى في سوريا ولبنان التي كشفت محدودية الدعم الإسرائيلي للدروز، حيث تظل مصالح الدولة العبرية فوق أي اعتبار عاطفي أو ديني، ومع صعود جيل شاب أكثر وعيا بالمواطنة المتساوية وأقل ميلا للتبعية المطلقة، تحدث نقاشات داخلية حول مستقبل الهوية الدرزية داخل إسرائيل وخارجها، فيما تزداد الدعوات لمراجعة العلاقة مع إسرائيل على أسس برغماتية توازن بين الواقع والمصالح.
وبينما تلتزم إسرائيل عادة بتبني موقف "المراقب القلق" والإعلان عن "تضامنها الإنساني" في ملف السويداء، مع الحرص على عدم الانخراط العسكري المباشر لتفادي مواجهة مع النظام السوري السابق، وروسيا وإيران اللتين كانتا حاضرتين بقوة في الجنوب السوري آنذاك، أو منح نظام الأسد البائد ذريعة لقمع الدروز واتهامهم بالعمالة لإسرائيل، غير أن تصاعد الضغوط الدرزية الداخلية دفع إسرائيل، لأول مرة، لاستخدام سلاح الجو في قصف مواقع سيادية في دمشق دعما للدروز، وهو تطور اعتبره عدد من قادة الطائفة "إنجازا عظيما".