العقار يحلّق في الكويت... وحلم السكن مؤجل

100 ألف طلب إسكان متراكمة وأزمة القطاع في حاجة إلى فلسفة عقارية مبتكرة

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
أبراج مدينة الكويت عند الساحل، 20 أبريل 2025

العقار يحلّق في الكويت... وحلم السكن مؤجل

بلغت الأسعار مستويات قياسية حيث يتراوح سعر متر الأرض المربع في المناطق المتميزة والقريبة من مدينة الكويت من 750 دينارا إلى 1500 دينار كويتي أو 2500 دولار إلى 5000 دولار. في طبيعة الحال، تكون مساحة الأرض المطلوبة، في الحدود الدنيا، 400 متر مربع، أي أن سعر الأرض يتراوح في هذه المناطق بين مليون ومليوني دولار.

يعتبر القطاع العقاري أهم القطاعات الاقتصادية الجاذبة للاستثمار في الكويت. حقق العديد من الكويتيين ثروات طائلة من خلال عملهم فيه، ومن بين هؤلاء، الوسطاء الذين اثروا من خلال رسوم المعاملات العقارية.

ولا يزال العقار في الكويت، هو الضمان للقروض المصرفية، وقد مكّن العملاء من الحصول على تمويلات الاستثمار في قطاعات أخرى، منها التجارة والخدمات. ظلت أسعار الأراضي في الكويت مقبولة، مقارنة بالأراضي في البلدان المجاورة، لكنها أخذت في الارتفاع بعدما بدأت الحكومة عمليات تثمين الأراضي والمساكن في خمسينات القرن الماضي بعد بداية عصر النفط عندما أرادت تحسين مستويات السكن وتنقل المواطنين من المدينة التي ظلت تفتقر للخدمات الأساسية إلى مناطق منظمة على أسس حديثة. لكن الارتفاع خلال الفترة من الخمسينات إلى منتصف السبعينات من القرن الماضي كان مقبولا، وإن مكّن المضاربين من تحقيق ثروات من عمليات الشراء والبيع. عندما ارتفعت أسعار النفط أبان الصدمة النفطية عام 1974 حدث تضخم كبير في أسعار الأراضي والمنازل، والعمارات الاستثمارية وعمارات المكاتب والمتاجر.

97 في المئة من أراضي الكويت خارج التنظيم، وتعود ملكيتها للدولة. ارتفعت الأسعار مع مرور الزمن وتزايد أعداد السكان وارتفاع الطلب على الأراضي للسكن والمكاتب والمتاجر والأعمال الصناعية والمنتجعات

تجاوزت الأسعار إلى ما يفوق الألف دينار، أو ثلاثة آلاف دولار، للمتر المربع في المناطق المتميزة وفي داخل مدينة الكويت. أصبح من غير المتاح أمام فئات اجتماعية واسعة اقتناء الأراضي من دون دعم الحكومة أو الحصول على قروض ميسرة.

المساحة محدودة

خلال عهد المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح، أمير الكويت من 1950 الى 1965، جرت تعديات على الأراضي المملوكة من الدولة وقام المتنفذون بحيازة أراض شاسعة في مختلف مناطق البلاد، بآليات وضع اليد. دفعت تلك التجاوزات الشيخ عبد الله السالم الى اتخاذ قرار حازم وهو تحديد خط التنظيم الذي لا يسمح لأي كان بأن يدعي ملكية أرض بعده، حيث تم تحديد الأراضي الأميرية، أو المملوكة للدولة الذي يبدأ من الدائري السادس، جنوب مدينة الكويت والخط الساحلي. صدر الأمر الأميري الذي حدد خط التنظيم في عام 1953.

رويترز
أبراج ومباني مدينة الكويت الساحلية، 7 أكتوبر 2020

وأدى هذا الخط إلى أن تصبح 97 في المئة من أراضي الكويت خارج التنظيم، وتعود ملكيتها للدولة. في طبيعة الحال، ومع مرور الزمن وتزايد أعداد السكان وارتفاع الطلب على الأراضي للسكن الخاص أو السكن الاستثماري والاستخدامات الأخرى مثل المكاتب والمتاجر والأعمال الصناعية والمنتجعات، أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الأراضي المتاحة لمختلف الاستخدامات. وقد عالجت الدولة الطلب على الأراضي الصناعية والخدمية والمزارع والمنتجعات من خلال التعاقد بموجب حق الانتفاع. ظلت رسوم حقوق الانتفاع من الأراضي الحكومية رمزية ومتهاودة. لكن الطلب على أراضي السكن الاستثماري والمكاتب الإدارية والسكن الخاص، وهي غالبا مملوكة من الأفراد ومؤسسات القطاع الخاص، دفع الأسعار إلى ارتفاعات مذهلة. وعملت الحكومة على مدار العقود الماضية على توفير الأراضي للمواطنين من خلال برامج السكن، حيث اضطلع في البداية بنك التسليف والادخار، بنك الائتمان حاليا، بتوفير الأرض والقرض للمتقدمين للسكن الخاص.

ارتفاع أسعار الأراضي بعد التحرير

خلال السنوات التي تلت تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، تصاعد الطلب على أراضي السكن الخاص والسكن الاستثماري، والشقق الإيجارية، بعد أن ارتفع عدد الكويتيين وتزايدت أعداد الوافدين من مختلف فئاتهم الوظيفية. في نطاق السكن الخاص، المخصص للكويتيين، بلغت الأسعار مستويات قياسية حيث يتراوح سعر متر الأرض المربع في المناطق المتميزة والقريبة من مدينة الكويت من 750 دينارا إلى 1500 دينار كويتي أو 2500 دولار إلى 5000 دولار. في طبيعة الحال، تكون مساحة الأرض المطلوبة، في الحدود الدنيا، 400 متر مربع، أي أن سعر الأرض يتراوح في هذه المناطق بين مليون ومليوني دولار.

أصبحت الدولة عاجزة عن توفير السكن للأعداد المتزايدة من المواطنين خلال السنوات الماضية وبلغت أعداد طلبات السكن في في شهر فبراير/شباط الماضي 100,547 طلبا، أي أن هناك أكثر من مئة ألف أسرة كويتية تنتظر تلبية طلب السكن

هناك مناطق تقع جنوب البلاد أو غربها قد يتاح فيها اقتناء الأرض بمبالغ أقل، ولكن تظل القيمة مرتفعة للعديد من المواطنين من أصحاب الدخول المتوسطة أو المحدودة، حيث لن يكون متاحا اقتناء أرض بقيمة أقل من 600 ألف دولار. أما الأراضي المخصصة للسكن الاستثماري، عمارات الشقق للإيجار، وعمارات المكاتب الإدارية، فلن تتوافر دون حاجز الثلاثة ملايين دولار، أو مليون دينار كويتي، وفي مناطق بعيدة نسبيا عن مدينة الكويت. إقامة السكن أو العمارات أو مباني المكاتب على هذه الأراضي لا بد أن ترفع التكاليف على المالك. لكن تظل قيمة الأرض مرتفعة وتمثل نسبة عالية من تكاليف العقار بعد إقامة المباني على الأرض، وقد تصل إلى 75 في المئة من التكاليف النهائية.

السكن الخاص للمواطنين

ظلت الحكومة في الكويت ومنذ عام 1954 توفر رعاية سكنية للمواطنين. في البداية كانت الأمور ميسرة نتيجة محدودية الطلب وتبنت إقامة مساكن "ذوي الدخل المحدود" التي كانت تخصص للمواطنين من متوسطي الحال أو محدودي الدخل. كما عملت على توفير أراض وقروض سكنية من بنك التسليف والادخار، بنك الائتمان حاليا، وعلى أن يتم التسديد على مدى زمني طويل وبأقساط مخفضة من دون فوائد على القروض السكنية.

أ.ف.ب.
برج قيد الإنشاء بالقرب من ساحل مدينة الكويت، 25 أبريل 2025

لكن الدولة أصبحت عاجزة عن توفير السكن للأعداد المتزايدة من المواطنين خلال السنوات الماضية، وبلغت أعداد طلبات السكن في الوقت الحاضر حسب تقارير الهيئة العامة للإسكان في شهر فبراير/ شباط 2025 الماضي 100,547 طلبا، أي أن هناك أكثر من مئة ألف أسرة كويتية مكونة من زوج وزوجة وأبناء تنتظر تلبية طلب السكن. غني عن البيان أن فلسفة السكن في الكويت اعتمدت على دور الدولة في توفير السكن، التمويل والأرض، حيث تقدم الدولة من خلال بنك الائتمان قرضا حسنا بقيمة 80,000 دينار أو ما يزيد على 260 ألف دولار للمستفيد، بالإضافة إلى تمويل المواد الانشائية بقيمة 30,000 دينار أو ما يقارب المئة ألف دولار.

لا تكفي هذه التمويلات الميسرة لبناء سكن يتوافق مع متطلبات معظم الكويتيين بما يضطرهم إلى اللجوء إلى البنوك للحصول على قروض لإنجاز أعمال البناء. التمويل من البنوك يرهق المواطنين ويلزمهم تحديد نسبة رواتبهم أو مداخيلهم لمواجهة أقساط القروض المصرفية وخدمة الديون.

ماذا عن الحلول المطروحة؟

خلال السنوات الأخيرة، وبعد أن اتضح أن بنك الائتمان لا يملك الأموال الكافية لمواجهة الطلبات المتزايدة، كما أن هناك إمكانات محدودة لفرز الأراضي اللازمة للسكن الخاص، اقترح عدد من الاقتصاديين أن تعمل الدولة على مراجعة فلسفة الإسكان وتبني سيناريو المطور العقاري حيث تقوم شركات تنمية عقارية ببناء المساكن بعد أن تتوفر لها الأراضي اللازمة من قبل الدولة، وربما يتم طرح الأراضي في مزادات أو يتم التوافق على صيغ مناسبة لكي تكون تكلفة الأراضي مقبولة. كذلك طرح اقتراح بقانون الرهن العقاري الذي يمكن المستفيد النهائي من الحصول على قرض طويل الأجل من البنوك التقليدية أو الإسلامية ويلتزم التسديد على مدى زمني طويل قد يصل إلى 40 عاما، ويمكن الدولة أن تتحمل تكاليف الفوائد المصرفية.

لا يقتصر استخدام العقار على السكن الخاص، فهناك السكن الاستثماري ومتطلبات المصانع والمزارع والمكاتب والمخازن والمتاجر والمنتجعات والمستشفيات والمدارس الخاصة، ولذلك لا بد أن تقوم الدولة بتوفير الأراضي من ملكيتها الشاسعة 

قد يكون الرهن العقاري وصيغة المطور العقاري مناسبة، وهي صيغة متبعة في مختلف دول العالم ومن النادر أن يقوم المستفيد النهائي، رب الأسرة، بالبناء مباشرة ما لم يكن ثريا. كانت هناك معارضات من مجلس الأمة لعملية إصلاح سياسة الرعاية السكنية.

غير أنه في ظل الأوضاع السياسية الراهنة، يمكن اعتماد الإصلاح وتحرير الدولة من المسؤوليات المالية المنهكة الناتجة من الرعاية السكنية، ويمكن في الوقت نفسه تقصير فترة الحصول على السكن، بعد أن عانى الكثير من المواطنين من فترة انتظار تصل أحيانا إلى ربع قرن.

الاستخدامات العقارية الاستثمارية

لا يقتصر استخدام العقار على السكن الخاص، فهناك السكن الاستثماري ومتطلبات المصانع والمزارع والمكاتب والمخازن والمتاجر والمنتجعات والمستشفيات والمدارس الخاصة، ولذلك لا بد أن تقوم الدولة بتوفير الأراضي من ملكيتها الشاسعة من خلال آليات عادلة ومتوازنة تؤكد أهمية اقتناء المستثمرين والمؤسسات للأراضي على أسس اقتصادية وبتكاليف مقبولة تعزز جدوى المشاريع المقامة عليها. هناك نماذج عديدة في دول متطورة أو نامية يمكن دراستها والاستفادة منها لتعزيز التنمية العقارية والاقتصادية بشكل شامل.

.أ.ف.ب
مدينة الكويت خلال احتفالات عيد الاستقلال، 25 فبراير 2025

لربما تكون النماذج المتبعة في الوقت الحاضر، التي تعتمد على حقوق الانتفاع بشروط ميسرة، غير عادلة للدولة، وهناك تجاوزات عدة تجري من خلال البيع بالباطن، وبأسعار مرتفعة لحقوق الانتفاع، لذا النموذج الأفضل هو قيام الدولة ببيع الأراضي بأسعار مناسبة وبطرق تتسم بالشفافية بما يؤدي إلى قياس أفضل للتكاليف من قبل المستثمرين ويمكنهم من دراسة الجدوى من أي مشروع.

font change