"ما يحفز بقوة على إعادة ترجمة هذا العمل الأدبي أو ذاك، هو تلك الرغبة في إعادة طرحه، مثلما نرمي نردا مجنونا في ملعب إهمالنا. لمقاومة الزمن، تحتاج بعض النصوص إلى لعب دور الفينيق. كأنها، منذ فجر التاريخ الخاص بها، تستدعي تأويلات أخرى بغية التقدم إلى دائرة الضوء...".
بهذه الفقرة، افتتح الشاعر والروائي الفرنسي كريستوف كلارو مداخلة طويلة من سبعة فصول على مدونته الإلكترونية، تناول فيها مشروع إعادة ترجمة كل أعمال غراهام غرين (1904 – 1991) إلى الفرنسية، الذي أوكل به حديثا، وأنجز منه روايتين: "الرجل الداخلي" (1929) و"وزارة الخوف" (1943). مشروع "خيالي" في ضخامته، يدين بأهميته لغرين نفسه، الذي ترك خلفه أعمالا عظيمة تلامس في تشعباتها كل الأنواع الأدبية، بقدر ما يدين لكلارو، الذي ينفرد داخل المشهد الأدبي الفرنسي بموهبته كشاعر وروائي، وأيضا كمترجم نقل من الإنكليزية إلى لغته الأم أكثر من ثمانين عملا أدبيا، من بينها نصوص أصعب الكتاب الأميركيين، مثل توماس بينشون وويليام فولمان ومارك دانييليفسكي، كي لا نذكر غيرهم.
"الرجل الداخلي"
"الرجل الداخلي" هي رواية غرين الأولى، وقد كتبها في سن الرابعة والعشرين "بأسلوب مكثف للغاية جهد باستمرار في تصفيته لاحقا"، وفقا إلى كلارو. رواية تدور أحداثها في مطلع القرن التاسع عشر، وتتركز قصتها على شاب (فرنسيس أندروز) ينضم، بعد معاناة طويلة من سلوك والده العدائي تجاهه، إلى عصابة مهربين، لكنه لا يلبث أن يخونهم، مما يضع حياته وحياة الشابة التي سيختبئ في منزلها في خطر.
اللافت في هذه الرواية، بحسب مترجمها الفرنسي الجديد، إضافة إلى النفسية الهستيرية لبطلها، هو الحضور الطاغي لشعورين داخله: الخوف والجبن. بالتالي، أندروز جبان لا يخفي جبنه، وإن نسي صفته هذه، فإن شخصا آخر داخله يؤنبه فورا ويذكره بمدى ضعفه. شخصية بغيضة إذن، لكن غرين "يُغرِق اشمئزازنا المرجح منها داخل دوامتها الذهنية، ويمنحنا في نهاية المطاف بورتريها مبلبلا بقدر ما هو متحرك لرجل يسكنه الخوف، ويتعذر على أي قيمة أخلاقية انتزاعه من جبنه المعلن"، يكتب كلارو في مدونته، واصفا هذه الرواية بـ"سردية شبه مسرحية، شخصياتها الرئيسة هي المشاعر المتناقضة التي تمزق بطلها".