بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، وقبل عودته لقيادة البيت الأبيض مرة ثانية، وعدَ الرئيس المنتخب حينها، دونالد ترمب، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "سأحطم الدولة العميقة وأستعيد الحكومة التي يسيطر عليها الناس (كي تعمل) من أجل الناس". حمل هذا الوعد الذي تكرر بأشكال مختلفة النية المعلنة لترمب بتخفيض عدد العاملين في الحكومة الفيدرالية.
يشير مصطلح "الدولة العميقة" الذي يروج له ترمب كثيراً ويؤمن به بقوة أنصاره في حركة ماغا (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) إلى مجموعة من الموظفين الفيدراليين رفيعي المستوى عادةً، غير المنتخبين لكن المتخصصين، الذين يديرون الدولة من وراء الكواليس على نحو مشبوه لخدمة مصالحهم هم كمجموعة متنفذة، بالضد من مصالح الناس ومن إرادة المسؤولين المنتخبين. "تفكيك الدولة العميقة" هو التبرير الأيديولوجي الرئيس الذي يستخدمه ترمب لفصل موظفين فيدراليين وحتى تفكيك مؤسسات فيدرالية وإعادة هيكلة مؤسسات أخرى.
بدأت حملة ترمب لتقليص قوة العمل الفيدرالية بمؤسسة تقديم المساعدة الخارجية، "يو إس أيد" التي وصف الرجلُ مدراءها بأنهم "مجانين راديكاليون"، وتتهمها قاعدته الانتخابية بأنها تنشر في الخارج قيماً ليبرالية "مشبوهة" كالجندر والإجهاض، إذ أخضعها لتفكيك قاس وسريع وعلني كانت نتيجته إنهاء عمل الأغلبية الساحقة من موظفيها البالغ عددهم نحو 10 آلاف (بقي منهم نحو 300 كجزء من وزارة الخارجية بعد ضم الأخيرة للوزارة).
الإصلاح الترمبي المنشود
لكن جهود الإدارة لتقليص الجهاز الإداري الفيدرالي ليست كلها مرتبطة بالشيطنة الأيديولوجية، فمعظمها تدور حول رؤية حزبية جمهورية تاريخية تتعلق بإحالة أكثر ما يمكن من السلطات والصلاحيات للولايات، بدلاً من أن تتولاها الحكومة الاتحادية ما يزيد من المركزية ويقلل من الكفاءة باعتبار أن الولايات هي أفضل من الحكومة الاتحادية في تقدير مصالحها وخدمة هذه المصالح بأقل الكلف.
على هذا الأساس، ومنذ مجيء ترمب للبيت الأبيض، تُفكك مؤسسات فيدرالية كثيرة، إما جزئياً عبر إعادة هيكلتها وتخفيض ميزانياتها وتسريح موظفين فيها، وإما عبر إلغائها تماماً ونقل سلطاتها للولايات أو مؤسسات فيدرالية أخرى.
تشمل هذه المؤسسات مثلاً وزارات التعليم والصحة والزراعة والنقل والطاقة والأمن الوطني وشؤون المحاربين القدامى ووكالة الحماية البيئية ووكالة إدارة الطوارئ الاتحادية ومكتب الحماية المالية للزبائن والوكالة الأميركية للإعلام العالمي وغيرها.. في الواقع، ما تقوم به إدارة ترمب هو إعادة صياغة للحكومة الاتحادية على نحو جذري وغير مسبوق منذ إصلاحات الرئيس فرانكلين روزفلت في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين حين اتسعت وظائف الحكومة الاتحادية لضمان حمايات متساوية وخدمات ضرورية لكل الأميركيين وإنعاش اقتصاد متدهور حينها.