في لحظة تاريخية مفصلية، بدت الميليشيات العراقية المدعومة من طهران وكأنها شبح من ماضيها القريب. فقد ظلت على الهامش خلال الحرب الأخيرة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. هذا الغياب اللافت عن ساحة المواجهة لم يكن مجرد قرار تكتيكي، بل يعكس تصدعا عميقا في هيكل النفوذ الإيراني داخل العراق، وتصاعدا متزايدا لفاعلية الضغوط الأميركية التي تمارس بخيوط دقيقة تمتد من خزائن المصارف إلى غرف صناعة القرار السياسي والأمني في بغداد.
عبرت سماء العراق أكثر من مئتي طائرة إسرائيلية ونحو ثلاثمئة صاروخ باليستي لقصف أهدافها داخل إيران ومع هذا لم ترد الميليشيات العراقية بالدفاع عن حليفتها. ميليشيا الحوثي اليمنية الصغيرة لم تتوقف عن ضرب السفن وإطلاق الصواريخ على إسرائيل في مشهد غريب لم يتوقعه أحد.
لعقود، شكلت الميليشيات أحد أبرز أذرع إيران في المنطقة. حيث نشأت هذه الجماعات في ظل الاحتلال الأميركي للعراق بعد 2003، وتطورت عبر التمويل والتدريب والتوجيه، لتلعب أدوارا متقدمة في النزاعات الإقليمية. وكانت معارك سوريا واليمن والساحة العراقية نفسها، ميادين أثبتت فيها هذه الفصائل ولاءها المطلق لـ"ولاية الفقيه"، وباتت عنصرا مركزيا بـ"محور الممانعة".
إلا أن نقطة التحول جاءت عقب الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. حينها، أعلنت الميليشيات العراقية– بما فيها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"– أنها ستتدخل عسكريا إذا دخلت أميركا الحرب إلى جانب إسرائيل. ومع دخول واشنطن فعليا، بدأت هذه الميليشيات بالفعل باستهداف قواعد أميركية وإسرائيلية بطائرات مسيّرة، لكنها سرعان ما تلقت ضربات أميركية مركزة وقاتلة طالت قادتها ومخازن أسلحتها، مما أدى إلى تراجعها الواضح ووقف هجماتها بحلول مارس/آذار 2024.