ويس أندرسون هو أحد المخرجين المتفردين أسلوبيا في السينما الأميركية والعالمية. شخصياته التي تتوسط الديكورات تعكس حرصه على تحويل كل كادر إلى لوحة ثابتة فريدة مفعمة بالعناصر الفعالة والألوان، وعندما يستخدم العدسة الواسعة تبدو جميع العناصر جزءا من أحجية الصور المقطوعة.
هكذا خلق أندرسون عالمه السينمائي الخاص، مستعينا، شأنه شأن الكثير من رموز المؤلفين السينمائيين حول العالم، بطاقم تمثيلي متكرر إلى حد كبير، إذ بمجرد انضمام عضو جديد إلى الطاقم فإنه يعاود الظهور في الأفلام المستقبلية ولو في أصغر الأدوار، ليساعد ذلك، جنبا إلى جنب الأسلوب السردي والحس الكوميدي عنده، في ترسيخ بصمته الخاصة. ففي حين تبدو طريقة حديث شخصياته وحركتها آلية ولا واقعية تشبه إلى حد بعيد شخصيات الرسوم المتحركة، فإنه اكتسب عبر مسيرته قدرا كافيا من النزاهة والصدق، جعل هذه الآلية عنصرا مميزا في أفلامه، بل أصبحت علامة جودة يتفرد بها وتعكس منظوره الخاص تجاه العالم وفلسفة السينما على حد سواء.
الخروج من منطقة الراحة
رغم رسوخ هذه الجماليات في سينما أندرسون، حتى باتت له طائفة معجبين ومتابعين مخلصين لأفلامه، فإننا رأينا في "مدينة الكويكب" Asteroid City قبل عامين، أولى بوادر ما يمكن اعتباره انسلاخا عن أسلوبه المعتاد، فبدا جليا أنه يسعى إلى الخروج من منطقة الراحة وتحدي نفسه بعمل شخصي يبتعد عن عناصره الأسلوبية المعروفة. معظم أفلامه السابقة تتمحور حول ثيمات أساسية مثل الحب والفقد والعائلة، أما في "مدينة الكويكب"، وفي حين لم يبتعد عن ثيمة العائلة من خلال قصة أب أرمل يواجه تحدي تربية أبنائه الثلاثة، فقد برزت في الخلفية ثيمات أخرى تتعلق بأهمية الفن في التعامل مع المجهول والفقد، وكيف يمكن الفنان والممثل تحديدا الهروب من واقعه من خلال تأدية شخصياته.
تلك ثيمات أعقد مما اعتدناه من ويس أندرسون، ليس لأنه قدم في أفلامه السابقة أفكارا سهلة وبسيطة، لكن الطبيعة الهزلية لشخصياته، مع طريقة تصويره وحبكاته الأساسية المعتادة، كانت تمنح أفلامه ذلك الطابع الأليف وتصل إلى مشاهديه الذين يشعرون أن هذه الشخصيات الهزلية الروبوتية تحولت إلى محفزات عاطفية يمكن إيجاد رابط معها أكثر من أي شخصية "طبيعية" أخرى.