ليس من قبيل المصادفة أن تشهد المملكة العربية السعودية على امتداد السنوات الأخيرة نهضة ثقافية شاملة، وحراكا فكريا وفنيا غير مسبوق، إنما هو نتاج تخطيط طموح وحلم وطني ناتج عن ملامح التحول الحضاري الحديث الذي أسهم في رسم ملامحه كل من الإرث المكاني والزماني الهائل الذي أنتجته رغبة المجتمع في المساندة على تغيير هذا المشهد للأفضل.
وفي هذا الإطار نتج مشروع وزارة الثقافة المنفذ من قبل هيئة المكتبات والقاضي بتحويل جميع المكتبات العامة والمؤسسات التابعة لها إلى بيوت ثقافة وحواضن للإبداع، ومراكز للحوار، وبيئات صالحة للحراك الفكري تمكن الأجيال الحاضرة والمستقبلية من رسم معارفها واكتساب ثقافات إضافية. بيوت تنتج داخل أروقتها المعارف، وتنمو فيها المواهب الوطنية متمسكة بتاريخ أرضها الغنية بميراثها الثقافي العريق.
تاريخ بيوت الثقافة في العالم
وبالعودة إلى هذا التغيير الجذري الكبير فإننا سنجد أن مسمى "بيوت الثقافة" في العالم ليس وليد اليوم ولا فكرة اختص بها القرن الحالي بل تعود فكرتها الأولى إلى أبعد منه بعدة قرون حين أنشئت أكاديمية "فيلا ميديسيس" الفرنسية في روما في القرن السابع عشر الميلادي، لتكون بمثابة مقر إقامة للفنانين الفرنسيين في إيطاليا لدراسة الفنون الكلاسيكية، لتتطور بعدها الفكرة فتنتقل لأنحاء أوروبية أخرى، لينشأ في العام 1920 مركز الإبداع الفني والبحث العلمي المعروف بـ "كاسا دي فيلاسكيز" ليجمع فنانين وباحثين من فرنسا وإسبانيا. ثم أنشأت الأكاديمية الفرنسية مركز "فيلا كوجوياما" في مدينة "كيوتو" اليابانية عام 1992 لتركز دورها على التبادل الثقافي مع اليابان في مجالات الفنون والأدب. وآخرها إنشاء كانت "فيلا ألبرتين" في الولايات المتحدة الأميركية، في عام 2021 لتنتشر المنشآت بعدها في عشر مدن أميركية هادفة من توسعها إلى تعزيز الحوار الثقافي.
قصة البيوت الثقافية السعودية
في عام 2020 أطلقت هيئة المكتبات السعودية مبادرة تحويل المكتبات العامة إلى بيوت ثقافية ضمن برنامج تطوير المكتبات الذي يندرج تحت برنامج جودة الحياة، وتسعى الهيئة إلى إنشاء 153 بيت ثقافة في مختلف مناطق المملكة بحلول عام 2030، تستقطب مليون زائر سنويا، وهذه خطوة استراتيجية تعزز الثقافة كركيزة أساسية في التنمية الاجتماعية، والاقتصاد الإبداعي.