رام الله -تواجه السلطة الفلسطينية استحقاقا دبلوماسيا وسياسيا محوريا مع اقتراب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، حيث رهنت عدة دول اعترافها بدولة فلسطين بتنفيذ إصلاحات سياسية، وإدارية، وأمنية، واضحة.
وفي هذا السياق اتخذت السلطة خطوات ملموسة مهمة لإظهار جديتها والتزامها بمسار الإصلاح الداخلي، منها تعيين محمد مصطفى رئيسا للوزراء في أبريل/نيسان 2024 وهو شخصية تحظى بالاحترام ولديه خبرة اقتصادية وإدارية كبيرة، واختيار حسين الشيخ نائبا للرئيس في خطوة تعكس حرصها على ضمان الاستقرار السياسي، إلى جانب إصدار الرئيس محمود عباس مرسوما بإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني قبل نهاية عام 2025، ما يعكس رغبة السلطة في تجديد شرعيتها الوطنية بالإضافة إلى قيامها بتعيين قيادات جديدة للأجهزة الأمنية بهدف تعزيز كفاءتها.
ورغم هذه الخطوات، تصطدم جهود الإصلاح الفلسطينية بتحديات كبيرة أبرزها القيود الإسرائيلية والانقسام الداخلي، مما يعرقل تنظيم انتخابات شاملة خصوصا في القدس وغزة. وبينما تؤكد السلطة أن الإصلاحات تنبع من قناعة وطنية بعيدا عن أي إذعان أو استجابة مباشرة لشروط خارجية، يبقى تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين مرهونا بمدى التزامها الفعلي بتنفيذ هذه الإصلاحات بصورة مقنعة وجادة وتقديم نموذج حكم فعّال وقادر على استقطاب الدعم السياسي والمالي الدولي والعربي.
نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، أكد في حديث لـ"المجلة"، أن الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين ما كانت لتتحقق لولا الجهود السعودية المدعومة من فرنسا ومصر والأردن، معتبرا أن هذه الخطوات تمثل تحولا استراتيجيا يؤكد شرعية خيار حل الدولتين.
"لنكن واقعيين، لولا جهود وإصرار المملكة العربية السعودية مدعومة ومؤيدة بالموقف الفرنسي والمصري والأردني لم يحدث مثل هذا الاعتراف بدولة فلسطين، وقيمة هذه الاعترافات كبيرة جدا وتثبت حق الشعب الفلسطيني في أن خيار حل الدولتين لا يزال قائما وبأن الرواية الإسرائيلية التي تبنتها دول قليلة ومحدودة غير صحيحة". قال أبو ردينة لـ"المجلة" مشيرا إلى أن الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة قد تشهد موجة اعترافات جديدة، مع تحرك نحو عشرين دولة للاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما وصفه بـ"تسونامي دبلوماسي غير مسبوق".
وشدد أبو ردينة على أن السلطة الفلسطينية ترى في هذه الاعترافات دعما لشرعيتها وإثباتا لحقها في إدارة قطاع غزة في اليوم التالي لوقف الحرب، رغم استمرار رفض إسرائيل لأي دور للسلطة هناك، فيما أشار لتعهد الرئيس محمود عباس بتنفيذ برنامج إصلاحي نال دعم وثقة الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي واللجنة الوزارية السداسية التي تترأسها السعودية، والتي أطلعت المجتمع الدولي على تفاصيله وأعلنت دعمها المطلق له، حيث يتضمن إجراء انتخابات عامة في أقرب وقت وترسيخ مبدأ الدولة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد، وهو برنامج يحظى أيضا بإجماع عربي ودولي، مشيرا إلى أن إسرائيل تضع عراقيل أمام الإصلاحات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية.
"نحن اليوم أمام لحظة فارقة، حيث يشهد العالم موجة اعترافات دبلوماسية غير مسبوقة بدولة فلسطين، وهو ما يعكس إجماعا دوليا متزايدا على ضرورة إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة"، بحسب ما أكد أبو ردينة لـ"المجلة".
وتعترف حاليا 149 دولة بدولة بفلسطين، حيث اعترفت 10 دول إضافية بفلسطين منذ 2024، منها أيرلندا، والنرويج، وإسبانيا، وأرمينيا، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد انضمام فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة.
محمد أبو الرب المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية ومدير مكتب الاتصال الحكومي قال لـ"المجلة" إن الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى أنجزت منذ تسلمها مهامها مطلع أبريل/نيسان 2024 أكثر من 60 خطوة إصلاحية في المجالات المالية والإدارية، ولا تزال تواصل تنفيذ المزيد من الإجراءات بشكل يومي بهدف تطوير منظومة العمل المؤسسي وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، مشيرا إلى أن تلك الإصلاحات قد حظيت بإشادة واضحة من الاتحاد الأوروبي، الذي أعرب عن تقديره للخطوات الإصلاحية التي اتُّخذت حتى الآن.