ما إن نسمع أو نقرأ اسم الروائي المصري صنع الله إبراهيم الذي توفي أمس عن 88 سنة حتى تتبادر إلى الذهن صفة صوت الغضب، اختزالا لكل ما قرأناه من أعماله وترجماته ومواقفه الاجتماعية. فالقارئ لروايات صنع الله إبراهيم يجدها منشغلة بالقضايا الإنسانية، التي تبدو لديه جوهرية ومحرّكة لكل الأفعال، من منطلق سياسي يراه مسيّرا لكل الأحداث وعمادها، بل إن شكل السرد الروائي نفسه يبدو وجها من أوجه هذه اللعبة التي تسمى سياسة.
هذه اللعبة، مارسها صنع الله باقتدار، فحدد أطرافها باكرا، ومضى يسرد همّه الكوني من خلالها، فهناك إشكالية السلطة المهيمنة بشكلها الشمولي العالمي الذي قد يتمثل بالهيمنة الرأسمالية العالمية أو بالهيمنة السياسية الشمولية المنافسة لها. كما تتمثل في المتسلط المحلي "الوطني" الذي قد يكون تابعا للطرف الأول أو مُكوّنا من ظروف استبدادية تاريخية وراهنة.
انتماء بلا إطار
هكذا، وجدنا صنع الله إبراهيم في روايته الأولى "نجمة أغسطس" (1973) يرصد ملامح علاقة بين عوالم ثلاثة: سلطة الاتحاد السوفيتي وسلطة جمال عبد الناصر وسلطة قادمة من خلود التاريخ يمثلها رمسيس الثاني، وما بين هذه السلطات تتكشف العلاقة بين الموظفين والعمال الذين يبنون السد العالي بكل كدح وألم وخوف وأمل في تجاوز الآلة التي تطحنهم في ترسها لتلبي رغبة الخلود والسياسة لدى كل السلطات.
في هذه الوجهة المبكرة، من سرد صنع الله إبراهيم، لم نر أي انتماء مؤطر في الخطاب السياسي، بل بدا من خلال أعماله اللاحقة لا يفرّق بين سلطة شمولية وأخرى، سواء كان عمادها الأيديولوجيا أو المال، كما يظهر ذلك في روايتيه "أمريكانلي" (2003) و"القانون الفرنسي" (2008).