يسعى الكاتب الأردني وليد سيف في روايته الأخيرة "خريف إشبيلية: الطوائف" إلى صنع حبكة تملأ الفراغات، وتكسر جمود السردية التاريخية لواحدة من أكثر الحقب حساسية خلال الوجود الإسلامي في أوروبا، وهي ما عرف بعصر ملوك الطوائف، الذي بدأ عام 422هـ (1031 م)، عندما أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس، مما دفع أمراء المسلمين في ظل هذا الفراغ السياسي إلى إنشاء دويلات منفصلة، وتأسيس أسر حاكمة كل في منطقته.
اصطناع خليفة مزور
تبدأ أحداث الرواية، الصادرة عن "الدار الأهلية" بعمان، بعام 427هـ (1036 م) بتقديم شخصية خلف الحصري، صانع الحصر الذي يعرفه كل سكان بلدة قلعة رباح، لما اشتهر به من تركيبته الغريبة التي تجمع بين سلاطة اللسان والفطنة مع مظهر خادع بالحماقة، وهو الذي لا يتورع عن الاستهزاء حتى بزبائنه غير عابئ بالعواقب.
تنتقل الرواية إلى مؤسس سلالة بني عباد في الأندلس، القاضي أبي القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد صاحب إشبيلية، بمشهد يجمعه مع حاكم إمارة قرمونة، الذي استنجد به بعد أن خلعه من عرشه، يحيى بن علي الحمودي، العدو المشترك لهما، وقد كان ابن عباد يخشى أن يمتد شره إلى عقر داره وقد ادعى لنفسه نسبا في آل البيت. وتتصاعد الأحداث عندما يبايع الحصري بالخلافة في الأندلس على أنه هشام بن الحكم (المؤيد بالله) الذي قتل عام 403هـ (1012م). إذ استغل القاضي ابن عباد شبه خلف الحصري بآخر خلفاء الأمويين في الأندلس وغموض غيبته، فأتى به إلى إشبيلية، واستعان ببعض عبيد المؤيد الذين شهدوا أنه هو، وألبسه كسوة الخلافة، وأمر مناديا أن يصيح: "يا أهل إشبيلية اشكروا الله على ما أنعم به عليكم. هذا مولاكم أمير المؤمنين هشام قد صرفه الله إليكم، ونقل الخلافة ببلدكم لمكانه فيكم، ونقلها من قرطبة إليكم، فاشكروا الله على ذلك"، فتسابق الناس لرؤية الخليفة، فجعل بينه وبينهم سترا، يكلمهم من ورائه، وقال إن الخليفة الغائب العائد ولاه حجابته، وأشهد عليه شهودا ومن أبى أن يشهد حل به البلاء. وأخرجه يوم جمعة، فخطب وصلى بالناس. وكتب ابن عباد إلى ملوك الأندلس يحضهم على طاعة هشام، وقاتل في سبيله، فدانت له المدن.