يضجّ الحيّز العام العراقي هذه الأيام ببيانات "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق"، وهي الجهة الدستورية المسؤولة عن إدارة كل شؤون الانتخابات في البلد، إذ تعلن استبعاد مرشحين من خوض الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وحتى هذا الأسبوع بلغ عدد المستبعدين، لحد الآن، أكثر من 620 مرشحا من نحو ثمانية آلاف مرشح، وهي النسبة الأعلى مقارنة بكل الانتخابات العراقية السابقة.
تبدأ هذه القرارات كتوصيات ترفعها "لجنة تدقيق أهلية المرشحين" إلى مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات. عند مصادقة المجلس على توصيات اللجنة، وهو غالبا ما يفعل، تصبح التوصيات قرارات نافذة. حينها يكون بإمكان المرشح المشمول بقرار الاستبعاد الاعتراض عليه أمام "الهيئة القضائية للانتخابات"، وهي جزء من المؤسسة القضائية وليست تابعة لمفوضية الانتخابات. إذا أقرت الهيئة قرار المفوضية ورفضت اعتراض المرشح المستبعَد، يصبح الاستبعاد نهائيا وباتا.
القليل من قرارات الاستبعاد هذه إداري الطابع، كما في نقص الوثائق المطلوبة. يكشف بعضها عن فوضى الدولة العراقية وسوء الإدارة فيها الذي أصبح مزمنا ومتجذرا. فمثلا، استُبعد وزير الاتصالات السابق محمد علاوي من السباق الانتخابي لأن الرجل لم يستطع إثبات تخرّجه من الإعدادية بسبب خلل مؤسسي في الدولة، وليس لأنه لا يحمل الشهادة الإعدادية، فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1980، وقبلها حصل على شهادته الإعدادية من مدرسة "فرانك عيني" في بغداد، التي أضاعت الدولة العراقية أرشيفها.
وتأسست "فرانك عيني"، المشهورة بجودتها الأكاديمية، كمدرسة يهودية أهلية يدرس فيها مسلمون ومسيحيون عراقيون أيضا في بداية الأربعينات، واعترفت الدولة الملكية بشهادتها وتواصل هذا الاعتراف مع الدولة الجمهورية بعد عام 1958. في سبعينات القرن العشرين قررت الحكومة البعثية إلغاء هذه المدرسة، ويُفترض أن أرشيفها موجود لدى الحكومة، لكن لسبب ما (ربما بسبب إتلاف متعمد له في إطار موجة العداء القومي والديني لكل ما يتعلق باليهود في العراق حينها) ضاع هذا الأرشيف. وبالتالي لا يستطيع أي متخرج من هذه المدرسة المتميزة أكاديميا إثبات أنه تخرّج منها.