فنان لبناني يحوّل جدران بيروت إلى معرض دائم لصوره

مشروع "جدران بيروت الفنية"

باسل رمضان مع أعمال مبادرة "جدران بيروت الفنية"

فنان لبناني يحوّل جدران بيروت إلى معرض دائم لصوره

بينما تسير في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، خاصة تلك الداخلية الممتدة بين منطقتي مار مخايل والجميزة، يصعب ألا تستوقفك بضع صور صغيرة معلقة في زوايا منسية أو مهملة، خاصة على جدران الشوارع ذات الطابع الأثري. الصور مغلفة بإطار خشبي أسود صغير، وتثير اهتمام المارة الذين يتوقفون لمشاهدتها سريعا قبل أن يكملوا طريقهم، وكأنه معرض فني في الشارع، ولكن ما هي هذه الصور ولمن تعود؟

صاحب هذه المبادرة المسماة Art walls of Beirut أو "جدران بيروت الفنية"، التي انطلقت قبل شهرين، هو المصور الفوتوغرافي باسل رمضان الذي التقته "المجلة" أمام أحد الجدران التي زينها بصوره في منطقة الجميزة، للتحدث أكثر عن هذه المبادرة، وأهدافها ومدى الإقبال عليها.

لماذا هذا المعرض الخارجي؟

يقول باسل رمضان إنه كمصور فوتوغرافي متخصص بتصوير الشوارع، يصور كل ما تقع عليه عيناه: الناس والمقاهي والأرصفة والبحر والسلالم والمباني الجميلة، وهذا الأرشيف الذي يصبح بحوزته، لا يعرض في الصالات والمعارض الفنية، لأن هذه المعارض غالبا ما تطلب موضوعا معينا، ومن هنا بدأت فكرة إطلاق هذه البادرة، فهو أشبه بمعرض خارجي دائم يوصل الصور إلى الناس بطريقة سهلة ومباشرة.

يطبع رمضان الصور الرقمية، ويضعها في إطار صنع من بقايا الخشب، كنوع من إعادة التدوير، ويثبتها بقوة على الجدار حتى لا يعبث أحد بها أو تسقط أرضا بفعل العوامل الطبيعية، ورغم ذلك، يقوم بعضهم بالاستيلاء على الصور، فيعود ليعلق صورا بديلة منها.

هل أخذ الصور سرقة؟

لا يعتبر رمضان أن هذه "سرقة" للصور، بل هو نوع من الإعجاب، فالناس يأخذون الصور لأنهم أحبوها، لا لغرض البيع، فهي لا تباع أصلا. وهو يرى أن هذا الأمر إيجابي لأنه جزء من تفاعل الناس مع فن الشارع، خاصة أنهم اعتادوا أكثر على الغرافيتي، أما هذا الفن، فغريب وجديد في لبنان، "فإذا كان هؤلاء الناس يأخذون الصور، فهذا يعني أنهم أحبوها، ويريدون الإحتفاظ بها في منازلهم"، وهذا يقودنا إلى بعد آخر من أبعاد هذا الفن الذي يدخل بهذه الطريقة إلى المنازل ولا يبقى في حيز الشارع.

عندما ألتقط صورة بكاميرا احترافية وليس بكاميرا هاتف، وأطبعها، وأضع لها إطارا وأعلقها على حائط، تنطبع الصورة في أذهان الناس – باسل رمضان


لا يضع رمضان صور الشوارع نفسها في الحي أو الشارع نفسه، فصور منطقة عين المريسة مثلا يعلقها في منطقة فرن الشباك، وصور ساحة الشهداء يعلقها في الجميزة، أي أنه ينوع الصور والأماكن، وليست كل الصور فنية بحت، عادة هي صور ممكن أن يلتقطها الناس بكاميرات هواتفهم.

كيف يقاس مدى إعجاب الناس بهذه الصور التي يشاهدونها على الجدران وهم يسيرون في الشارع؟ فعلى وسائل التواصل الاجتماعي مثلا، هناك أرقام توضح حجم التفاعل وإعادة المشاركة، أما في صورة معلقة على جدار شارع، فكيف يقيم المصور تفاعل الناس معها؟

يقول رمضان: "هناك ملايين الصور التي تلتقط عبر الهاتف في العالم يوميا، وهذه الصور كلها تمر مرور الكرام ولا تبقى في ذاكرة أحد، بل هي استهلاك يومي على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن عندما ألتقط صورة بكاميرا احترافية وليس بكاميرا هاتف، وأطبعها، وأضع لها إطارا وأعلقها على حائط، تنطبع الصورة في أذهان الناس، وتصبح مميزة، وليس بالضرورة أن تكون أجمل صورة، لكنها تلفت أنظار المارة، وتصبح جزءا من المكان".

باسل رمضان يشرح تفاصيل مجموعة صور

هنا، بحسب رمضان، منطق مغاير لمنطق "الإعجاب" وإعادة المشاركة، والتفاعلات الوهمية أو العابرة على منصات التواصل الاجتماعي، فهو تفاعل مباشر بين الناس والصورة، وبين الناس والمصور أحيانا.

 تطوير المبادرة

تمضي المبادرة بمجهود رمضان الفردي، ولهذا هي بطيئة نوعا ما، كما أنها مكلفة، لكن هدف رمضان أن تصل المبادرة إلى مناطق خارج بيروت، مثل صور وزحلة وجبيل، أن يجد حائطا واحدا من كل مدينة ويعلق عليه صور المدينة نفسها، فهو يطمح إلى أن تنتشر الفكرة ومعها ثقافة الصورة، معتبرا أن الصورة الفوتوغرافية بوصفها فنا قائما في ذاته، لا تزال بعيدة عن الناس نوعا ما، رغم تاريخها وقيمتها الفنية الكبيرة.

من مشروع "جدران بيروت الفنية"

يحاول رمضان تجميل الجدران، عبر هذه الصور، وهي في الغالب جدران مهملة لا تستعمل إلا لنشر الإعلانات الهامشية التي تبحث عن مكان عرض مجاني، وحين يستعمل هذه الجدران المهملة فإنه لا يزيل أي إعلانات ملصقة عليها.

يحاول رمضان تجميل الجدران، عبر هذه الصور، وهي في الغالب جدران مهملة لا تستعمل إلا لنشر الإعلانات الهامشية التي تبحث عن مكان عرض مجاني


الصور المعلقة هي من فترة ما قبل وما بعد انفجار 4 أغسطس/ آب 2020، ولكن هذا الحدث لا يظهر في صور باسل، الذي يقول ردا على سبب غياب مشهد الدمار، إنه يريد أن يظهر وجه المدينة الجميل "لأن الناس تكفيهم مآسي"، رغم أن الدمار تنتج منه صور فنية معبّرة، لكن هذا ليس هدفه، وليس من ضمن أهداف مشروعه.

صعوبات

خمسة جدران أصبحت ممتلئة بصور باسل في بيروت وهو يقوم بتجديد الصور باستمرار، لكن المشكلة التي يعاني منها هي تأمين الجدران، فغالبيتها إما خاصة أو أن السلطات البلدية تمنع استعمالها، ولكن بتقدير شخصي منه يختار الجدران المهملة التي لا تتطلب إذنا مسبقا.

أعمال باسل رمضان على أحد جدران بيروت

يقول باسل إن الصعوبة الأساس هي بالتقاط الصورة، لا بتعليقها، مستغربا رد فعل الناس وخوفهم من الكاميرا في بيروت، أو حتى شرطة البلدية وقوى الأمن الداخلي، أو أي جهاز أمني آخر، رغم أن الجميع يلتقطون الصور طوال الوقت بكاميرات هواتفهم "ولكن يعم الذعر عندما ترفع الكاميرا لالتقاط صورة في شارع عام". ولا يسمح للمصور بالتقاط الصورة، أو بأن يكونوا جزءا منها، "لكنهم هم جزء من المكان، وأحيانا أخسر صورة جميلة لكي أتفادى المشاكل"، يقول باسل، مشيرا إلى أنه ليس هناك قانون يمنع التصوير في الأماكن العامة أو يطلب أخذ أذن مسبق لذلك، خاصة من شركات الأمن الخاصة، التي تمنع التصوير في أماكن محددة دون سبب واضح.

من مشروع "جدران بيروت الفنية"

وعن الخصوصية الشخصية، يعتبر باسل أنك لا تستطيع أن تصور شخصا بملامح واضحة وأن تعرض صورته من دون أذنه، ولكنه يحب تصوير الناس في الشارع، وليس دائما تتاح له الفرصة لذلك، وغالبا يتجنب تصوير الوجوه، وأحيانا يطلب الإذن ممن سيظهرون فيها.

font change