طموح لتحويل خليج سوما إلى موناكو البحر الأحمر

مشروع عملاق بـ 18.5 مليار دولار يعكس الثقة الخليجية بالسوق المصرية على الرغم من التحديات الاقتصادية

Shutterstock
Shutterstock
منتجعات في منطقة الغردقة المطلة على سواحل البحر الأحمر

طموح لتحويل خليج سوما إلى موناكو البحر الأحمر

استطاعت الحكومة المصرية خلال سنة ونصف السنة جذب استثمارات مباشرة سياحية وعقارية ضخمة على ساحليها المطلين على البحرين المتوسط والأحمر بقيمة تقترب من 53.5 مليار دولار، تقودها شركات سعودية وإماراتية، لتعكس الثقة المتزايدة في السوق المصرية، في ظل التحديات الإقليمية وتوترات البحر الأحمر والأزمات التي تواجهها البلاد نتيجة ارتفاع فوائد الديون التي تلتهم الجزء الأكبر من الموازنة المصرية، مما يشكل ضغطاً على الشارع المصري بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.

أبرمت الحكومة المصرية أخيرا اتفاق شراكة استثمارية ضخمة مع شركتين من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ مشروع "مراسي ريد سي"، الذي يهدف إلى تحويل خليج سوما إلى وجهة سياحية فاخرة ضمن "استراتيجيا مصر 2030" لتحويل البلاد إلى مركز للجذب السياحي. وتبلغ استثمارات المشروع نحو 18.5 مليار دولار، ويقع على بعد 30 دقيقة من مطار الغردقة، ومن المخطط الانتهاء منه خلال أربع سنوات. ويُتوقع أن يعزز المشروع مكانة المنطقة كوجهة استثمارية جاذبة، إذ سيجمع بين نمط الحياة الراقي على الجزر والضيافة الفاخرة، ويوفر تجارب بحرية لا مثيل لها في قلب الطبيعة الساحرة للبحر الأحمر، إضافة إلى توفير ما بين 150 و170 ألف فرصة عمل.

فنادق ووحدات سكنية ومتاجر

يمتد "مراسي ريد سي" على مساحة 10 ملايين متر مربع (2380 فدانا)، ويضم واجهة بحرية شاسعة، و12 فندقاً وآلاف الغرف الفندقية، إلى جانب مسطحات مائية كبيرة ومساحات خضراء واسعة ووحدات سكنية وكبائن عائمة مستوحاة من طراز المالديف، وأكثر من 500 متجر ومطعم تطل على الواجهة المائية. كما يشمل المشروع منطقة "مراسي ووندرز" المتعددة الاستخدامات، وتضم مركز مؤتمرات دوليا، ومنطقة تجارية، وملاهي مائية، ومرافق رياضية بمعايير عالمية، ونوادي للمقيمين، إضافة إلى بيئة متوازنة تجمع بين رفاهية السكن والحفاظ على الطبيعة، بما يساهم في وضع منطقة البحر الأحمر على خريطة السياحة المستدامة.

"إعمار مصر للتنمية" ستستثمر نحو مليار دولار جديدة في مصر خلال عام 2025

محمد العبار ، رئيس مجلس إدارة شركة "إعمار"

يشارك في المشروع المستثمر السعودي حسن شربتلي، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة "سيتي ستارز"، ورئيس مجلس إدارة شركة "إعمار" محمد العبار، وافتتح في حضور رئيس الحكومة مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء، في توجه طموح لتحويل ساحل البحر الأحمر إلى موناكو البحر الأحمر، ليضم مناطق ترفيهية ومرافئ لليخوت وفنادق ومنتجعات سياحية عالمية فاخرة ومناطق تجارية تستهدف جذب ثلاثة ملايين سائح إضافي.

Shutterstock
منتجعات في منطقة الغردقة المطلة على سواحل البحر الأحمر

وأكد شربتلي أن المشروع سيكون فريدا لجهة التخطيط والخدمات، فيما أعلن العبار أن "إعمار مصر للتنمية" التابعة لشركته ستستثمر نحو مليار دولار في مصر خلال عام 2025، موضحا أن الشركة استثمرت نحو 20 مليار دولار منذ بداية عملها في البلاد. وتملك "إعمار" أيضا مشروع "مراسي الساحل الشمالي" الواقع في منطقة سيدي عبد الرحمن على ساحل البحر المتوسط، الذي ساهم في تعزيز مكانة المنطقة عالميا بعد أن جذب أكثر من أربعة ملايين زائر خلال ثلاثة أشهر فقط.

المقارنة مع صفقة "رأس الحكمة"

يأتي مشروع "مراسي ريد سي" على غرار صفقة "رأس الحكمة" على ساحل المتوسط، التي جرى توقيعها في مارس/آذار 2024 بين مصر والإمارات باستثمارات بلغت 35 مليار دولار. وقد رحب البعض حينها بالصفقة لدورها في ضبط سعر الصرف، لكن في المقابل، تتصاعد المخاوف حاليا من الاعتماد المتزايد على هذا النمط من الاستثمارات العقارية والسياحية.

وكشفت الحكومة المصرية أن مشروع "مراسي ريد سي" سيساهم في تعزيز مكانة سواحل البحر الأحمر كمنطقة استثمارية وسياحية متكاملة، وزيادة قدرتها على استقطاب السياح والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، في إطار رؤية الحكومة لدعم المشاريع الكبرى التي تدفع عجلة الاقتصاد الوطني. وتزامن إعلان الصفقة مع خطط القاهرة لجذب استثمارات مباشرة بقيمة 42 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية، عبر طرح مزيد من المشاريع المطلة على البحر الأحمر والساحل الشمالي.

تُعَد المملكة العربية السعودية أحد أهم المستثمرين في مصر وحلت في المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري لمصر

الحكومة المصرية

وتُعَدّ السعودية من أكبر البلدان المستثمرة في مصر بحجم استثمارات يُقدَّر بنحو 25 مليار دولار، إلى جانب الإمارات، مما يجعلها في المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري لمصر. وتراهن القاهرة على هذه الاستثمارات الخليجية، إضافة إلى أن مصر تجري حاليا مفاوضات مع دولة الكويت ودولة قطر لتحويل بعض ودائعهما الحالية في البنك المركزي المصري إلى استثمارات مباشرة، لتعزيز الاقتصاد المحلي ومكانتها كوجهة سياحية واستثمارية إقليمية ودولية.

استمرار الجدل من بيع الأصول المصرية

وعلى الرغم من الترحيب الرسمي، لا يزال الشارع المصري يشهد جدلا حول تلك الاستثمارات. يرى اقتصاديون أن هذه الصفقات ستخفف الضغوط على صناع القرار من خلال زيادة الاحتياطي النقدي، وتقليل حجم الدين، ودعم الموازنة العامة، وتوفير فرص عمل، إضافة إلى استقرار سعر العملة بفضل عوائد القطاع السياحي الذي يُعَدّ الأسرع جذبا للعملات الصعبة.

الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء المصري
مراسم توقيع مشروع "مراسي ريد سي" على سواحل البحر الأحمر، 7 سبتمبر 2025

لكن في المقابل، يثير آخرون مخاوف من أن بيع الأصول المصرية لصالح مستثمرين أجانب قد يضعف القدرات الاقتصادية للبلاد، معتبرين أن ذلك يمثل تصفية تدريجية لأصول الدولة بدلا من استثمار بعيد الأجل بحق انتفاع. كذلك يعبّر البعض عن قلقهم من غياب أثر مباشر لهذه الصفقات في حياة المواطن، إذ لا تزال الأسعار في ارتفاع والتضخم مستمرا، على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي.

هل هذه المشاريع لتسديد الديون؟

ويشير المنتقدون إلى أن الحكومة تسدد ديونا لدول عربية كانت أودعت أموالا بالدولار الأميركي في المصرف المركزي من خلال الحصول على أصول مصرية. ويرون أن بدائل مثل التصنيع والتصدير والزراعة يمكن أن تحقق عوائد أكثر استدامة. وفي الوقت الذي رحّب فيه بعضهم بصفقة "رأس الحكمة"، هم يعارضون تكرار الصفقات العقارية نفسها من دون وجود فائض نقدي يحسّن مستوى المعيشة للمواطنين.

بين مؤيد يرى في تلك الاستثمارات أداة لإعادة هيكلة الدين العام وضخ سيولة جديدة، ومعارض يعتبرها بيعا لأصول الدولة، يظل المواطن المصري في انتظار نتائج ملموسة للإصلاحات الاقتصادية. ومع استمرار ارتفاع الأسعار والتضخم، تتصاعد المطالبات بضخ استثمارات في قطاعات أخرى مثل الصناعة والزراعة والنقل والصحة والصناعات التحويلية، بدلا من حصرها في السياحة والعقارات.

font change