سلطنة عُمان تحول النفايات إلى طاقة وتسرّع مسار الاقتصاد الدائري

تكنولوجيا القطاع تزداد انتشارا في الخليج العربي وتساهم في تنويع الفرص الاستثمارية

المجلة
المجلة

سلطنة عُمان تحول النفايات إلى طاقة وتسرّع مسار الاقتصاد الدائري

يعتبر قرار سلطنة عمان المضي قدما في مشروع منشأة تحويل النفايات إلى طاقة على نطاق المرافق العامة في بركاء، تطورا مهما في سياستها المتعلقة بالطاقة والبيئة. وينتظر أن يبدأ تشغيل المشروع في عام 2031، وستقوده شركة "نماء" لشراء الطاقة والمياه الحكومية، بالاشتراك مع الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة (بيئة) وهيئة تنظيم الخدمات العامة.

ويهدف المشروع إلى تحويل النفايات الصلبة البلدية إلى كهرباء، ويتوقع أن يبلغ إنتاجه 760 غيغاواط/ساعة في السنة.

ستستخدم المنشأة تكنولوجيا حرق شبكية متقدمة، قادرة على معالجة ما يصل إلى 3000 طن من النفايات يوميا. وهذه الطريقة ملائمة لتكوين النفايات البلدية في عمان، التي تميل إلى ارتفاع محتوى الرطوبة وانخفاض القيمة الحرارية. وستحول الطاقة الحرارية المتولدة إلى كهرباء عبر توربينات بخارية وتدمج في الشبكة الوطنية من طريق محطة فرعية بقدرة 132 كيلوفولت. وسيكمل إنتاج المحطة محفظة عمان المتنامية من أصول الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

يتوافق المشروع مع استراتيجيا عمان لتحقيق الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050 ورؤية 2040، وكلاهما يعطي الأولوية للاستدامة والتنويع الاقتصادي، وسيدعم انتقال البلاد نحو الاقتصاد الدائري

وقد وصف الرئيس التنفيذي لشركة "نماء" لشراء الطاقة والمياه، أحمد بن سالم العربي، المشروع بأنه "قفزة استراتيجية نحو تحقيق رؤية سلطنة عمان في مجال الطاقة المستدامة والإدارة المسؤولة للنفايات". وتعكس تصريحاته تحولا أوسع في المنطقة، حيث يتزايد تأثر سياسات الطاقة بالاعتبارات البيئية والتخطيط على المدى الطويل.

توافق استراتيجي مع الأهداف الوطنية

يتوافق المشروع مع استراتيجيا عمان لتحقيق الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050 ورؤية 2040، وكلاهما يعطي الأولوية للاستدامة والتنويع الاقتصادي. وسيدعم انتقال البلاد نحو اقتصاد دائري بتقليل الاعتماد على مكبّات النفايات واستعادة الطاقة من النفايات. ووفقا لشركة "نماء"، ستقلل المنشأة انبعاثات الكربون بما يصل إلى 50 مليون طن خلال عمرها التشغيلي البالغ 35 عاما، بتجنب إلقاء النفايات في المكبات وما ينجم عنه من انبعاثات الميثان.

Shutterstock
مصنع لإنتاج الطاقة المشتقة من إعادة تدوير النفايات

وعلى الرغم من وضوح الأساس المنطقي البيئي للمشروع، فإن قيمته تكمن في قدرته على تحقيق أهداف متعددة للسياسة العامة في آن واحد. فسيساهم في تعزيز أمن الطاقة، وتقليل العبء البيئي للنفايات، وإدخال قدرة صناعية جديدة.

تحديات التكامل بين الامدادات والانتاج

غير أن دمج تحويل النفايات إلى طاقة في نظام الطاقة بعمان لا يخلو من التحديات. أولا، يتطلب إدماج المحطة في نظام الطاقة بعمان تنسيقا مدروسا مع محطات التوليد القائمة. وسيعتمد دورها في دعم استقرار الشبكة على قدرتها على توفير إنتاج ثابت، وذلك يتوقف على توفير إمدادات موثوق بها من النفايات الصلبة البلدية ذات القيمة الحرارية الكافية. لكن تدفق النفايات في عمان يشكل تحديات في هذا الصدد، منها التقلبات الموسمية ومحدودية الفرز من المصدر. ولضمان كفاءة الاحتراق، يجب أن تخضع النفايات إلى معالجة مسبقة تشمل الفرز والتجانس. ويجب توسيع نطاق هذه العمليات والحفاظ على استدامتها في مختلف البلديات. وقد يؤدي أي خلل في خدمات الجمع اللوجستية، أو تباين في تكوين النفايات، أو عدم توافق مؤسسي بين البلديات وسلطات الطاقة إلى تقويض الأداء التشغيلي للمحطة. ويدخل هذا الاعتماد مزيدا من التعقيد الذي يتطلب تخطيطا وإشرافا قويين.

سيكون التنسيق المؤسسي عاملا حاسما في تحديد نجاح مشروع "بركاء"، إذ لا بد من التوافق الفعال بين مخططي الطاقة، والجهات التنظيمية البيئية، والسلطات البلدية لضمان أن تدعم ممارسات إدارة النفايات الاحتياجات التشغيلية للمنشأة

ثانيا، إن ضمان الامتثال البيئي يتطلب أيضا اهتماما شديدا. وستشمل المنشأة نظاما متعدد المراحل لمعالجة غازات المداخن،  يتضمن الاختزال الانتقائي غير التحفيزي لأكاسيد النيتروجين، وحقن الجير الجاف للغازات الحمضية، ومرشّحات الكربون المنشط للديوكسينات والمعادن الثقيلة. وتراقب الانبعاثات باستمرار لضمان الامتثال لتوجيه الاتحاد الأوروبي المتعلق بالانبعاثات الصناعية، الذي اعتمدته عمان لهذا المشروع. ومع أن هذه الأنظمة متينة تقنيا، فإنها تتطلب صيانة منتظمة وانضباطا تشغيليا.

Shutterstock
صورة من الأرشيف لمصنع لإعادة تدوير النفايات واستخدمها للطاقة

ثالثا، إن حجم مشروع "بركاء" وتعقيده ينعكسان في هيكله المالي. لذا يطور بوصفه مشروعا مستقلا للطاقة، يستند إلى اتفاق لشراء الطاقة مع شركة "نماء" لشراء الطاقة والمياه، ويتوقع أن يبلغ عمر المشروع 35 عاما. وتقدر النفقات الرأسمالية بمليار دولار، وهو رقم يبرز المتطلبات التكنولوجية وطبيعة الاستثمار الطويلة الأمد. بيد أن طول المدة واتساع نطاق الالتزام يعرضان المشروع لأخطار ارتفاع التكاليف، والتعديلات التنظيمية، والتغيرات في أنماط إنتاج النفايات. ومع أن المشروع جذب اهتمام المستثمرين الدوليين، فإن جدواه المالية تتوقف على صدقية الإطار التنظيمي في عمان والقدرة على الحفاظ على إمدادات موثوق بها من النفايات بمرور الوقت. وستكون هذه العوامل حاسمة في تحديد إذا كان المشروع قادرا على تحقيق أهدافه المتعلقة بالبيئة والطاقة مع الحفاظ على جدواه المالية.

أخيرا، سيكون التنسيق المؤسسي عاملا حاسما في تحديد نجاح مشروع "بركاء"، إذ لا بد من التوافق الفعال بين مخططي الطاقة، والجهات التنظيمية البيئية، والسلطات البلدية لضمان أن تدعم ممارسات إدارة النفايات الاحتياجات التشغيلية للمنشأة. ويتطلب تكامل أنظمة جمع النفايات مع الجداول الزمنية لتوليد الطاقة مستوى من التعاون بين الجهات لم يختبر بعد تماما في عمان. 

تكتسب تكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة زخما متزايدا في الخليج العربي، إذ تسعى الحكومات إلى تنويع محافظها الاستثمارية في قطاع الطاقة وتقليل الضغوط البيئية

وسيكون إشراك الجمهور مهما أيضا، لا سيما في تشجيع فرز النفايات من المصدر وكسب دعم المجتمع للتشغيل الطويل الأمد للمنشأة. ويجب إدراج تلك العناصر في إطار حوكمة أوسع قادر على دعم الأداء التقني والامتثال البيئي بمرور الوقت.

اتباع خطى الخليج على الطريقة العمانية

تكتسب تكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة زخما متزايدا في الخليج العربي، إذ تسعى الحكومات إلى تنويع محافظها الاستثمارية في قطاع الطاقة وتقليل الضغوط البيئية. فمن المقرر أن يعالج مركز إدارة النفايات في دبي ما يقرب من مليوني طن من النفايات سنويا، في حين التزمت قطر والمملكة العربية السعودية إنشاء بنية تحتية مماثلة. وتدير قطر أول منشأة خليجية واسعة النطاق لتحويل النفايات إلى طاقة في مسيعيد.

Shutterstock
جانب من العاصمة مسقط، 18 أبريل 2025

وتعالج هذه المنشأة ما يصل إلى 2300 طن من النفايات يوميا وتولد نحو 50 ميغاواط من الكهرباء، وثمة خطط لتوسيع سعتها. أما المملكة العربية السعودية، التي تستهدف إنتاج 3 غيغاواط من الكهرباء من تحويل النفايات إلى طاقة بحلول عام 2030، فإنها تطور مشاريع كبرى في جدة والرياض، إلى جانب مبادرات على مستوى البلاد لتحويل 16 في المئة من النفايات إلى طاقة في إطار استراتيجيتها للاقتصاد الدائري.

ويعكس دخول عمان هذا المجال اتجاها إقليميا واسعا، لكن مسارها سيتأثر بالظروف الوطنية الفريدة. ومن المرجح أن يصبح مشروع "بركاء" نموذجا مستقبليا للتخطيط المتكامل للبنية التحتية في سلطنة عمان. ويجب أن يظهر كيف يمكن تحقيق الأهداف المتعلقة بالبيئة والطاقة باستثمار واحد، إذا أديرت الأخطار التقنية والتنظيمية والتشغيلية بفعالية.

font change