المرأة السعودية... من التمثيل في "الشورى" إلى القيادة والفضاء

محطات فارقة

واس/رويترز
واس/رويترز
رائدة ورائد الفضاء السعوديان ريانة برناوي وعلي القرني، إلى جانب زميليهما في الطاقم بيغي ويتسون وجون شوفنر، يلتقطون صورة قبل انطلاق مهمتهم إلى محطة الفضاء الدولية من فلوريدا، 20 مايو 2023

المرأة السعودية... من التمثيل في "الشورى" إلى القيادة والفضاء

تشق المرأة السعودية طريقها نحو المشاركة الفاعلة في بناء الوطن، محققة قفزات تجعلها ركيزة أساسية في تحقيق "رؤية السعودية 2030".

لم تكن رحلة التمكين وليدة لحظة عادية، بل جاءت نتيجة استراتيجية متدرجة ومتوازنة تهدف لإشراك الكفاءات النسائية في دفع عجلة التنمية والتحول الوطني الشامل، وتجلت هذه الرحلة في محطات فارقة، بدءا من تمثيل المرأة في مجلس الشورى عام 2013، وصولا إلى تعيينها في مناصب دبلوماسية رفيعة، كسفيرات في أبرز العواصم العالمية مثل الأميرة ريما بنت بندر.

برزت نماذج نسائية لامعة كان لها أثر واضح في تشكيل ملامح هذه الرحلة، منهن الدكتورة حنان الأحمدي، التي أصبحت أول امرأة تُعيّن مساعدا لرئيس مجلس الشورى، والدكتورة ثريا عبيد، التي حملت معها خبرات أممية واسعة. كما لم تكن رائدة الفضاء ريانة برناوي مجرد اسم في قائمة إنجازات المملكة، بل كانت رمزا يختزل طموحا أكبر يضع المرأة في صدارة المشاريع الوطنية الكبرى، مثل برنامج الفضاء السعودي.

إصلاحات لتمهيد طريق المشاركة

كانت الإصلاحات التشريعية حجر الزاوية في تمكين المرأة، حيث شملت إلغاء قيود نظام الولاية، وتعديلات جوهرية في قوانين العمل والجنسية والسفر، مما يمنح المرأة دورا أوسع ويمهد الطريق لمشاركتها الاقتصادية. كما فتحت قطاعات كانت حكرا على الرجال، مثل القوات المسلحة، أبوابها للكفاءات النسائية، في خطوة تهدف إلى إدماج المرأة في كل مجالات التنمية، وصولا إلى تطبيق قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة في 24 يونيو/حزيران 2018.

لا تنفصل هذه التحولات عن الضرورة الاقتصادية التي تُعد دافعا رئيسا لـ"رؤية 2030"، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. وتجاوزت مشاركة المرأة في سوق العمل النسبة المستهدفة لها بشكل مبكر، حيث قفزت إلى 35.9 في المئة عام 2022، مما يعكس نجاح السياسات المتبعة في تعبئة طاقات نصف المجتمع.

في يناير/كانون الثاني 2013، صدر أمر ملكي سعودي بتعديل المادة الثالثة من نظام مجلس الشورى، لينص على أن لا يقل تمثيل المرأة عن 20 في المئة من إجمالي أعضاء المجلس البالغ عددهم 150 عضوا، نتج عن هذا القرار تعيين 30 سيدة في المجلس لأول مرة في تاريخ المملكة.

كانت الإصلاحات التشريعية حجر الزاوية في تمكين المرأة، حيث شملت إلغاء قيود نظام الولاية، وتعديلات جوهرية في قوانين العمل والجنسية والسفر

كانت هذه الخطوة أول إدماج كبير ورفيع المستوى للمرأة في هيئة سياسية وطنية، لها دورها في مناقشة التشريعات والمعاهدات الدولية والتقارير الحكومية السنوية. إن تعيين 30 سيدة من ذوات المؤهلات العالية، والكثيرات منهن يحملن شهادات عليا من جامعات دولية، كان بمثابة رسالة واضحة تعكس نية التغيير. لاحقا، أصبح المجلس منبرا رئيسا للدفاع عن حقوق المرأة من داخل مؤسسات النظام، حيث أصدر أكثر من 23 قرارا يخص المرأة بشكل مباشر، مثل المطالبة بتوفير فرص عمل متكافئة، وبيئة عمل آمنة في القطاع الخاص، بل وحتى تعيين قاضيات.

لم تكن الإصلاحات مفاجئة، بل اتبعت مسارا متدرجا يوازن بين متطلبات التغيير والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. بدأ الأمر بإدخال المرأة في هيئات معينة مثل مجلس الشورى، مما سمح للمجتمع والمؤسسات بالاعتياد على وجودها في مواقع صنع القرار على المستوى الوطني.

وجه الدبلوماسية والحوكمة الحديثة

في فبراير/شباط 2019، عُينت الأميرة ريما بنت بندر آل سعود سفيرة للمملكة لدى الولايات المتحدة، لتصبح أول امرأة تشغل منصب سفير في تاريخ المملكة. تلى ذلك تعيين آمال المعلمي سفيرة لدى النرويج في أكتوبر/تشرين الأول 2020 (ثم لدى كندا في 2023)، وإيناس الشهوان سفيرة لدى السويد وأيسلندا في أبريل/نيسان 2021.

رويترز
الأعضاء السعوديات في مجلس الشورى يحضرن إحدى الجلسات، في 23 ديسمبر 2015

وُصف اختيار الأميرة ريما بالاستراتيجي، فبصفتها ابنة السفير السابق ذي العلاقات الواسعة في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، كانت تتمتع بمعرفة عميقة بالدوائر السياسية الأميركية. خلفيتها لم تكن في الدبلوماسية التقليدية، بل في قطاع الأعمال والمبادرات الاجتماعية (مؤسسة "ألف خير") والرياضة. هذا المزيج يتوافق تماما مع صورة السعودية الحديثة التي تركز على الاقتصاد.

هذه الخلفية التعليمية لا تزودهن بالمهارات التقنية فحسب، بل تمنحهن أيضا طلاقة للتفاعل بفعالية مع نظرائهن والمؤسسات الإقليمية والدولية

أما تعيينات المعلمي والشهوان، فقد أثبتت أن خطوة تعيين الأميرة ريما لم تكن مجرد لفتة رمزية، تنحدر المعلمي من عائلة ذات روابط دبلوماسية ولها خلفية في حقوق الإنسان وحوار الأديان. والأهم من ذلك، كانت إيناس الشهوان أول سفيرة تتدرج في مناصبها من داخل وزارة الخارجية، حيث التحقت بالوزارة عام 2007. وهذا يدل على تحول هيكلي، ويشير إلى أن المسار الوظيفي الدبلوماسي حتى أعلى مستوياته أصبح مفتوحا أمام النساء.

في عام 2022، حدث تعيينان تاريخيان، عُينت الشيهانة بنت صالح العزاز في منصب نائب الأمين العام لمجلس الوزراء، كما عُينت الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري رئيسة لهيئة حقوق الإنسان بمرتبة وزير.

يُعد مجلس الوزراء السلطة التنفيذية المركزية في المملكة، ووجود امرأة في أمانته العامة خطوة مهمة نحو دمج المرأة في صميم عملية صنع القرار الحكومي.

تكشف السير الذاتية للنساء المعينات عن امتلاكهن خلفيات مهنية في مجالات تكنوقراطية (مثل الأعمال والصحة والعلوم) بدلا من المجالات السياسية التقليدية. هذه الخلفية التعليمية لا تزودهن بالمهارات التقنية فحسب، بل تمنحهن أيضا طلاقة للتفاعل بفعالية مع نظرائهن والمؤسسات الإقليمية والدولية.

الأحوال المدنية

في أغسطس/آب 2019، أدخلت سلسلة من المراسيم الملكية تغييرات شاملة على أنظمة الأحوال المدنية ووثائق السفر والعمل، شملت التغييرات الرئيسة للنساء فوق سن 21 عاما الحق في التقدم بطلب للحصول على جواز سفر بشكل مستقل، الحق في السفر إلى الخارج دون الحاجة إلى إذن ولي الأمر، الحق في تسجيل المواليد والزواج والطلاق، والحق في أن تكون ربا للأسرة، مناصفة مع الزوج.

كان هذا الإصلاح هو الأهم على الإطلاق خلال العقد الماضي. تمنح هذه التغييرات المرأة مستوى جديدا من الاستقلالية القانونية وحرية التنقل، وربطت هذه الإصلاحات بشكل صريح بهدف "رؤية 2030" المتمثل في زيادة المشاركة الاقتصادية للمرأة، حيث كان عدم القدرة على السفر أو إجراء المعاملات الرسمية دون ولي أمر عائقا رئيسا أمام التوظيف وريادة الأعمال.

في عام 2021، زادت التغييرات القانونية، بما في ذلك إزالة مادة تلزم المرأة بالعيش مع ولي أمر، على أنها تأكيد لحق المرأة غير المتزوجة أو المطلقة أو الأرملة في العيش بشكل مستقل دون إذن ولي الأمر.

إلغاء شرط المَحرَم: سمحت وزارة الحج والعمرة للنساء بالتسجيل لأداء فريضة الحج دون مَحرَم لأول مرة في عام 2021، وتم توسيع هذا الإجراء ليشمل العمرة في عام 2022.

كما حظرت التعديلات على نظام العمل صراحة التمييز على أساس الجنس في التوظيف والأجور، ومنعت أصحاب العمل من فصل المرأة أثناء الحمل أو إجازة الأمومة.

كان هذا الإصلاح هو الأهم على الإطلاق خلال العقد الماضي. تمنح هذه التغييرات المرأة مستوى جديدا من الاستقلالية القانونية وحرية التنقل

إن هذه الإصلاحات التشريعية لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، بل تشكل إطارا قانونيا مترابطا، فتفكيك نظام الولاية يتيح للمرأة المشاركة في سوق العمل، وهذه المشاركة بدورها تحميها قوانين جديدة لمكافحة التمييز. يكشف هذا عن نهج شامل ومنهجي للإصلاح، على سبيل المثال، قبل عام 2019، كانت المرأة بحاجة إلى إذن ولي أمرها للحصول على وظيفة أو فتح حساب بنكي أو السفر للعمل. جاءت إصلاحات 2019 لتزيل هذه الحواجز اللوجستية مباشرة. ومع ذلك، لم يكن تيسير الإجراءات كافيا وحده، فقد جاءت الحماية التي يوفرها نظام العمل الجديد ضد التمييز في الأجور والفصل أثناء الحمل لتجعل العمل أكثر أمانا وإنصافا، علاوة على ذلك، منحها الحق في السكن المستقل حرية التنقل الجغرافي للانتقال من أجل وظيفة، دون التقيد بمكان إقامة أسرتها. وبالتالي، فإن هذه الإصلاحات ليست مجرد مجموعة قوانين متفرقة، بل هي منظومة قانونية متكاملة مصممة لتوجيه النساء نحو القوى العاملة، تماشيا مع متطلبات "رؤية 2030".

أ.ف.ب
موظفة سعودية في مركز الهجرة والجوازات في مقر المركز بالعاصمة الرياض، في 29 أغسطس 2019

في عام 2018، بدأت الحكومة بالسماح للنساء بالالتحاق بوظائف غير قتالية في الجيش والأجهزة الأمنية، وبحلول عام 2020، أنشئ أول جناح عسكري نسائي في القوات المسلحة. ومنذ ذلك الحين، فتحت وزارة الدفاع باب القبول والتجنيد الموحد للنساء في مختلف أفرع القوات المسلحة، بما في ذلك القوات البرية والجوية والبحرية، لرتب تتراوح من جندي إلى رقيب.

إن صورة المرأة السعودية بالزي العسكري هي واحدة من أقوى التمثيلات البصرية للتحول الاجتماعي الجاري، فهي لا تقتصر على خلق مسارات وظيفية جديدة فحسب، بل تهدف أيضا إلى دمج المرأة في نسيج الجهاز الأمني للدولة.

الفضاء والعلوم والأوساط الأكاديمية

في سبتمبر/أيلول 2022، أطلقت المملكة برنامج رواد الفضاء السعودي، بهدف معلن وهو إرسال أول امرأة سعودية إلى الفضاء، وفي مايو/أيار 2023، تحقق هذا الهدف عندما انطلقت ريانة برناوي، وهي عالمة في أبحاث الطب الحيوي، في رحلة إلى محطة الفضاء الدولية. خلال مهمتها، أجرت 14 تجربة علمية، بما في ذلك أبحاث حول استجابة الخلايا المناعية في بيئة الجاذبية الصغرى بالتعاون مع مستشفى الملك فيصل التخصصي.

تُعد مهمة الفضاء مشروعا عالي التكلفة والرؤية، كان وضع امرأة في قلب هذه الرواية خيارا مقصودا، يربط تمكين المرأة بالفخر الوطني والإنجاز العلمي. ويتكامل هذا مع التقدم المحرز في الأوساط الأكاديمية، مثل تعيين الدكتورة ليلاك الصفدي في عام 2020 رئيسة للجامعة السعودية الإلكترونية، لتكون أول امرأة تقود جامعة مختلطة في المملكة.

سياسة إشراك المرأة في السعودية هي بالفعل نهج استراتيجي متكامل يجمع بين الانفتاح المدروس، والضرورة الاقتصادية، وهي تمثل حجر الزاوية في رؤية مستقبل البلاد

إن دخول المرأة إلى الجيش وبرنامج الفضاء يتجاوز مجرد توفير فرص عمل، إنه شكل من أشكال "بناء السرد الوطني"، فهذه المبادرات مصممة لخلق قصص وصور قوية وذات صدى داخلي وعالمي تعيد تعريف مفهوم المملكة ودور المرأة فيها. ترتبط هذه المجالات- الفضاء والدفاع- عالميا بالقوة الوطنية والسيادة والبراعة التكنولوجية. من خلال جعل المرأة شخصية محورية في هذه المجالات، لا تقوم الدولة بتمكين الأفراد فحسب، بل تستخدم أيضا سردية حقوق المرأة لتعزيز علامتها الوطنية. وهذا يخدم غرضا مزدوجا: فهو يلهم جيلا جديدا من الفتيات محليا من خلال خلق نماذج يحتذى بها، ويقدم في الوقت نفسه رواية مضادة قوية للنقد الدولي، مستخدما إنجازات المرأة كأداة للقوة الناعمة.

تعكس سياسة تمكين المرأة تحولا أعمق في الفلسفة الوطنية، من خلال التأكيد على أن بناء مستقبل البلاد هو مسؤولية مشتركة تتطلب مساهمة كل فرد، بغض النظر عن جنسه. إن فتح قطاعات كانت محصورة بالرجال، مثل القوات المسلحة، وقيادة مشاريع وطنية كبرى مثل برنامج الفضاء، يجسد هذا التوجه نحو المواطنة الكاملة والفاعلة التي تقدر دور كل إنسان في مسيرة البناء الوطني.

باختصار، إن سياسة إشراك المرأة في السعودية هي بالفعل نهج استراتيجي متكامل يجمع بين الانفتاح المدروس، والضرورة الاقتصادية، وهي تمثل حجر الزاوية في رؤية مستقبل البلاد، حيث لا يُنظر إلى تمكين المرأة كهدف ثانوي، بل كشرط أساسي لنجاح التحول الوطني الشامل.

font change

مقالات ذات صلة