السفير الأميركي السابق لدى السعودية لـ "المجلة": دول الخليج تريد ضمانات أمنية أوضح من الولايات المتحدة

الوضوح الأميركي بات أمر ملحا اليوم في خضم حالة عامة من عدم اليقين

Al Majalla
Al Majalla

السفير الأميركي السابق لدى السعودية لـ "المجلة": دول الخليج تريد ضمانات أمنية أوضح من الولايات المتحدة

قال السفير الأميركي السابق لدى السعودية، مايكل راتني، في حديث لـ"المجلة،" إنه من المتوقع أن تواصل دول الخليج سعيها لتعزيز التعاون الأمني الوثيق مع الولايات المتحدة، بل وتطمح إلى الحصول على ضمانات أمنية أميركية أوضح وأقوى، بالنظر إلى التهديدات الكبيرة التي تواجه المنطقة، وذلك بعد الضربة الإسرائيلية في قطر.

وفي منطقة تشهد تغيرات متسارعة في التحالفات وتبدلات لافتة في التوازنات الجيوسياسية، قدّم السفير راتني رؤيته بشأن تداعيات الضربة الإسرائيلية والتحديات التي تفرضها على توازن القوى الدقيق في الشرق الأوسط.

استنادا إلى خبرة دبلوماسية تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، يرى السفير راتني أن دول الخليج ستظل متمسكة بشراكتها الأمنية التاريخية مع الولايات المتحدة، رغم تصاعد التحديات، مشددا على أن هذه الدول تبحث اليوم، أكثر من أي وقت مضى، عن وضوح في خضم حالة عامة من عدم اليقين.

يتناول راتني في حديثه أيضا التجاذبات السياسية المحيطة باتفاقيات الدفاع، والوعود التي أطلقها الرئيس الأميركي ترمب، وما تقابله من وقائع سياسية تفرض مسارات مغايرة، فضلا عن تصاعد الاستياء، حتى في أوساط حلفاء إسرائيل التقليديين، من السياسات التي يُنظر إليها باعتبارها غير منضبطة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويرى السفير راتني، الذي شغل سابقا منصب القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى إسرائيل، أن هذا الاستياء ينعكس في الخطوات الأخيرة التي اتخذتها كندا وأستراليا والمملكة المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين. ورغم رمزية هذه الخطوة، على حد وصفه، فإنها تُعبّر في جوهرها عن رسالة سياسية واضحة تعبّر عن الاستياء من نهج نتنياهو.

دول الخليج، في ظل التهديدات القائمة وفي مقدمتها إيران، تبحث عن قدر أكبر من الوضوح بشأن طبيعة علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

* ما قيمة الضمانات الأمنية الأميركية لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط في ضوء الضربة الصادمة التي وجهتها إسرائيل إلى قطر، وهي حليف مقرب من الولايات المتحدة؟

- بالتأكيد، هذا سؤال محوري، وأتصور أنه يشغل بال قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بل وقادة الشرق الأوسط بأسره في الوقت الراهن. ما حدث يُعد بالفعل تطورا غير مسبوق. ومن المهم، في هذا السياق، التذكير بأن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة، والجيش الأميركي، وجيوش دول مجلس التعاون الخليجي يمتد لعقود طويلة. ويشمل هذا التعاون مبيعات الأسلحة، والمناورات العسكرية، والتدريب، والمشاورات، ويبدو أن مستواه يفوق، في الأغلب، أي تعاون عسكري آخر بين دول الخليج والدول الأخرى، وهذا ما يجعله بالغ الأهمية. وأنا أرى أن هذا التعاون كان، تاريخيا، ومفيدا للطرفين، الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، خاصة في ظل حجم التهديدات المتعددة التي تواجهها المنطقة، سواء من إيران أو من وكلائها، أو من الجماعات الإرهابية وغيرها من مصادر التهديد. هذا فيما يتعلق بالتعاون الأمني، الذي يبدو أن جميع دول مجلس التعاون ترى فيه قيمة بالغة. لكن عندما ينتقل الحديث إلى الخطوة التالية، أي التحول من التعاون الأمني إلى ضمانات أمنية رسمية، فإن الأمر يصبح مختلفا تماما.

فالعلاقات بين الجيش الأميركي وكل دولة خليجية تختلف من حالة لأخرى. إذ لا توجد معاهدة رسمية تربط الولايات المتحدة بأي من هذه الدول. وقد جرت مناقشات في هذا الشأن، كما هو معلوم، بين واشنطن والرياض خلال العامين الماضيين، ضمن سياق أوسع شمل محادثات حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع أن هذا الخيار لا يبدو مطروحا بشكل جدي في المرحلة الراهنة، فإنه يكشف عن واقع واضح: دول الخليج، في ظل التهديدات القائمة وفي مقدمتها إيران، تبحث عن قدر أكبر من الوضوح بشأن طبيعة علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة.

أتفهم تساؤلات دول الخليج حول قيمة هذا التعاون تماما، خاصة في ظل هجوم نفّذه طرف يُعد شريكا مهماً للولايات المتحدة ضد شريك خليجي يُعد هو الآخر من أبرز حلفائها. ومع ذلك، لا أعتقد أن مثل هذا الحدث سيدفع دول الخليج إلى التراجع عن تعاونها الأمني العميق والقديم مع واشنطن. بل على العكس، أعتقد أنهم يطمحون إلى قدر أكبر من الوضوح من جانبنا، سواء فيما يتعلق بتوقعاتهم أو بنوعية الضمانات التي يمكن أن نكون مستعدين لتقديمها لهم في حال تعرضهم لهجوم من أي جهة في المستقبل.

السبب وراء التعاون الدفاعي الحيوي مع الولايات المتحدة هو أنها من بين الدول القليلة المستعدة لتقديم قدر من الحماية في مواجهة العدو الرئيس لدول الخليج، أي إيران ووكلاءها

* قبل الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، كانت بعض دول المنطقة مترددة في حسم موقفها بشأن التحالف الذي يجب أن تختاره، هل هو التحالف مع الولايات المتحدة، أم مع دول أخرى ذات ثقل مثل الصين وروسيا؟ هل تعتقد أنه بعد هذا الهجوم على حليف أميركي رئيس في المنطقة، ستحسم تلك الدول ترددها؟

- حسنا، أعتقد أن جميع دول الخليج تحتفظ بعلاقات دولية مهمة. فعندما تفكر بالأمر، تجد أنها تتمتع بموقع جغرافي يجعلها، من الناحية الفعلية، في قلب العالم، إذ تحيط بها أوروبا والولايات المتحدة من جهة، وآسيا بما في ذلك الصين والهند من الجهة الأخرى. وهذه الدول مضطرة للتعايش في هذا الموقع الجغرافي الحيوي، وستواصل الحفاظ على علاقات وثيقة، خاصة في الجوانب الاقتصادية.

لكنني أرى أن الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة تختلف لعدة أسباب. أولا، لأنها تمتد لسنوات طويلة. لقد تعاونت دول الخليج مع الجيش الأميركي في مجالات التدريب، وشراء المعدات الدفاعية على اختلاف أنواعها، لعقود من الزمن. وبالتالي، فإن مستوى التكامل بين الجانبين العسكريين غير مسبوق. ومن الصعب ببساطة تفكيك هذا التعاون والانتقال إلى شريك آخر. هذا هو السبب الأول.

أما السبب الثاني، فيكمن في أن التكنولوجيا والأسلحة الأميركية تتفوق من حيث الجودة. قد يُقال إن لدي انحيازا في هذا الجانب، وهذا صحيح إلى حد ما، لكنني أعتقد أن هذا التقييم دقيق مقارنة بالأسلحة الروسية أو الصينية أو غيرها. فالمعدات التي يمكن لدول الخليج الحصول عليها من الولايات المتحدة، في رأيي، ذات جودة أعلى.

أما السبب الثالث، فليس عمليا بقدر ما هو استراتيجي، ومع ذلك، فهو برأيي لا يقل أهمية. فالسبب الكامن وراء هذا التعاون الدفاعي الحيوي مع الولايات المتحدة هو أنها من بين الدول القليلة المستعدة لتقديم قدر من الحماية في مواجهة العدو الرئيس لدول الخليج، أي إيران ووكلاءها في المنطقة. يمكنني أن أتصور سعي دول الخليج إلى توسيع تعاونها مع الصين أو روسيا، وقد شهدنا مؤخرا بعض أوجه التعاون بين السعودية وباكستان. لكنني لا أعتقد أن أيا من تلك الدول ستبادر إلى تقديم ضمانات أمنية إذا ما تعرضت دول الخليج لهجوم من جانب إيران.

* كانت الضربة الإسرائيلية، بلا شك، صادمة لكثيرين في المنطقة، وقد فاجأت عددا من الحكومات والدول. برأيك، هل تمثّل هذه الضربة فشلا كبيرا في السياسة الخارجية الأميركية، أم فشلا على المستوى العملياتي؟

- هذا سؤال وجيه. أرى أن تلك الضربة كانت جزءا من جهد أوسع تبذله إسرائيل في محاولة لمواجهة أعدائها بشكل مباشر. ويبدو أن إسرائيل، في الفترة الأخيرة، شعرت بأنها لا تواجه قيودا تُذكر في تنفيذ هذا النوع من العمليات. في المقابل، عبّر الرئيس ترمب بوضوح شديد عن رغبته في إنهاء الحرب، وطالب علنا بوقف الحرب في غزة، كما أعرب علنا عن استيائه من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة.

أعتقد أن رد الفعل السائد حاليا بين شركاء إسرائيل التقليديين، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها، هو حالة من الإحباط الشديد وغير المألوف

لذا، لا أعلم إن كان من الدقيق وصف ما حدث بالفشل، لكن ما أنا واثق منه هو أن القيادة الأميركية تشعر بإحباط بالغ، بل شديد للغاية، إزاء هذه المسألة. وكما ذكرت، كانت الضربة صادمة، ومن واقع خبرتي، فإن ما جرى يُعد سابقة غير معهودة. أما الرئيس ترمب، فقد عبّر بوضوح تام عن قناعته بأن هذا الأمر لا ينبغي أن يتكرر. فهو يرى في قطر شريكا مهماً، تماما كما يعتبر إسرائيل شريكا أساسيا، وقد صرّح بوضوح أن ما حدث لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ولا يصب في مصلحة إسرائيل، ويحرص على ضمان عدم تكراره مستقبلا.

* لقد أصبحت سياسات نتنياهو وحكومته خارجة عن السيطرة خلال العامين الماضيين، سواء في غزة أو في هجماته وحروبه مع أطراف متعددة في المنطقة. ما هي أفضل طريقة للتعامل مع نتنياهو في ظل الصورة السلبية التي باتت تلاحق إسرائيل اليوم، ليس فقط في العالم العربي، بل على المستوى الدولي أيضا، بسبب أفعالها في غزة؟

- في الواقع، أعتقد أن رد الفعل السائد حاليا بين شركاء إسرائيل التقليديين، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها، هو حالة من الإحباط الشديد وغير المألوف. ويمكن تلمّس هذا الإحباط في بعض التصريحات الصادرة عن الرئيس ترمب، كما يتجلى بوضوح في الخطوات التي اتخذتها كندا وأستراليا والمملكة المتحدة، بإعلانها اليوم الاعتراف بدولة فلسطين. وأرى أن هذه الخطوات، رغم أنها قد لا تحمل قيمة عملية كبيرة، تعكس بوضوح حجم الاستياء العميق من نتنياهو، والذي يعكس بدوره شعورا بالعجز عن التأثير في قراراته وقرارات حكومته، لا سيما خلال العامين الماضيين. هل سيؤثر ذلك في حسابات نتنياهو؟ لا أعلم. لكن من الواضح أن قراراته مدفوعة باعتبارات سياسية داخلية، وبحاجته إلى الحفاظ على تماسك حكومته، إلى جانب اقتناعه بأنه يمر بلحظة تاريخية في ما يخص التعامل مع حركة "حماس". ومن الواضح أيضا أنه يشعر، في هذه المرحلة، بأنه يتحرك دون قيود. وأعتقد أن ما سنشهده هو تصاعد في مشاعر الإحباط لدى الدول، الدول الأوروبية، وشركائها التقليديين وحلفائها، وسعيا متزايدا منهم للبحث عن سبل للتأثير في سلوك الحكومة الإسرائيلية. لا أعلم ما إذا كان ذلك سيُحدث فرقا، فحصيلة العامين الماضيين كانت محدودة.

أعتقد أن هناك شعورا متزايدا في العالم العربي، حتى في دول الخليج، بأن طبيعة الأفعال الإسرائيلية تغيّرت

* قد يتساءل البعض: كيف تجرؤ إسرائيل على ضرب حليف رئيس للولايات المتحدة في المنطقة؟ ما هو تحليلك لذلك؟

- في الحقيقة، ليست لدي معلومات داخلية عمّا يدور في ذهن نتنياهو أو داخل القيادة الإسرائيلية. والواقع أن ما حدث يُعد سابقة فريدة، وبالتالي لا يمكنني الإشارة إلى واقعة مماثلة يمكن القياس عليها. صحيح أن إسرائيل نفذت في السابق ضربات داخل إيران، حتى خلال الأشهر الماضية، وسبق لها أن شنت هجمات داخل العراق قبل عقود، كما أنها أظهرت مرارا استعدادها للتصدي للتهديدات بشكل مباشر متى رأت أن الفرصة مواتية، غير أن تنفيذ ضربة ضد دولة شريكة للولايات المتحدة، وسط عاصمتها، يُعد أمرا غير مسبوق تماما. ويبدو أن القيادة الإسرائيلية رأت في هذه اللحظة فرصة سانحة، وأنها، وبكل صراحة، لن تتقيد لا بموقف الولايات المتحدة ولا بأي جهة أخرى. كما يبدو أنها قدّرت أن العواقب، مهما كانت، والتي لا نزال نجهل أبعادها الحقيقية حتى الآن، ستكون ضمن الحدود التي يمكن تحملها. هل كان هذا التقدير دقيقا؟ لا أستطيع الجزم بذلك.

* بما أنك ذكرت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، سؤالي هو: هل تعتقد أن:

أ) لديه "شيكا على بياض" من الرئيس ترمب ليفعل ما يشاء في المنطقة؟
ب) أم أنه كان يختبر الخطوط الحمراء لترمب؟

- نعم، سؤال جيد. أعتقد أن العلاقة بين نتنياهو وترمب معقدة للغاية، إن صح التعبير. من جهة، يحرص الرئيس ترمب كثيرا على أن يُنظر إليه باعتباره أكبر داعم لإسرائيل. كرر أكثر من مرة أن لا أحد قدّم لإسرائيل ما قدّمه هو، أكثر من أي رئيس أميركي آخر. لا أعلم إن كان ذلك دقيقا أم لا، لكن ما أعلمه هو أن هذه هي الصورة التي يسعى لترسيخها. في الوقت ذاته، هو لا يتفق دائما مع كل ما يقوله أو يفعله نتنياهو، وأحيانا يعبّر عن إحباطه من ذلك علنا، بما في ذلك اقتباس نُسب إليه اليوم استخدم فيه كلمة نابية عن نتنياهو.

رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض

لذلك أعتقد أن العلاقة بينهما معقدة. هو يريد أن يظهر بمظهر الداعم، ولا يريد أن يُنتقد على أنه يقيّد إسرائيل بأي شكل، لكنه في المقابل يشعر أحيانا بإحباط شديد من بعض تصرفات نتنياهو. ومع أنه عبّر عن انتقاداته علنا في بعض الأحيان.

* هل أصبح نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تهديدا للأمن القومي في المنطقة؟

- هذا سؤال مثير للاهتمام. أعتقد أن هناك شعورا متزايدا في العالم العربي، حتى في دول الخليج، بأن طبيعة الأفعال الإسرائيلية تغيّرت. إسرائيل لم تعد تُرى كجهة عملية قد تكون مفيدة، بل باتت تُعد أحيانا جهة غير متوقعة، وربما حتى جهة فاعلة خطِرة في المنطقة.

لا أعلم إن كان من الممكن تصنيفها كتهديد للأمن القومي. بالتأكيد، إذا كنت قطريا في الوقت الراهن، فقد تشعر بذلك. وإذا كنت من دولة أخرى في مجلس التعاون الخليجي، فقد يقلقك احتمال أن الإسرائيليين، إذا كانوا مستعدين لتوجيه ضربة إلى قطر، فما الذي قد يكونون مستعدين لفعله بعد ذلك؟ لكن في الوقت ذاته، أعتقد أن الإسرائيليين يدركون خطورة ما قاموا به. لا أملك معلومات داخلية عن تفكيرهم، لكنني قرأت بعض الشائعات التي تشير إلى أنهم يدركون أنهم ربما تجاوزوا الحدود في هذه الحالة، وأنهم لم يهددوا فقط أمرا ذا قيمة كبيرة بالنسبة لهم، وهو توسيع علاقاتهم مع الدول العربية، بل هددوا أيضا أمرا مهماً للرأي العام لديهم وله أهمية لدى الولايات المتحدة كذلك، وهو إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن، وهو ما لعب فيه القطريون دورا كبيرا. لذا أعتقد أن سؤالك معقد، ولا أظن أن لدينا في هذه المرحلة إجابة واضحة عليه.

لو كنت من أي دولة خليجية، ونظرت إلى التهديدات المحيطة بي في المنطقة، خصوصا من إيران، فسأرغب بأعلى قدر ممكن من الوضوح من الولايات المتحدة

* سؤالي الأخير يتعلق بطبيعة الوعود الدفاعية. أُسميها "وعودا دفاعية" لأنها لا ترقى إلى مستوى المعاهدات أو الاتفاقات الصلبة، كما شهدنا، على سبيل المثال، قبل أيام قليلة من هذه المقابلة، اتفاقا واضحا بين السعودية وباكستان. ما قراءتك لوعود السيد ترمب بشأن التحالفات الدفاعية والاتفاقات الأمنية؟ لم نرَ بعد جدولا زمنيا منذ زيارته الأخيرة إلى الخليج. هل تعتقد أنه سيترجم وعوده إلى أفعال، أم إنها مجرد كلام؟

- تعلم، هو شخصية مثيرة للاهتمام من هذه الناحية، لأنه من جهة، زار الخليج، زار السعودية والإمارات وقطر، وقدم تعهدات بالتعاون والتجارة والاستثمار. وكان واضحا جدا، في الواقع، عندما كان في الدوحة بشأن تعهده بحماية القطريين لأنهم شركاء مهمون جدا. من جهة أخرى، سياسيا، هو ليس من أنصار التحالفات. كان ناقدا لحلف "الناتو"، وناقدا لتحالفات أخرى دخلت فيها الولايات المتحدة، لأنه يرى أن الولايات المتحدة تتحمل العبء بينما الدول الأخرى لا تتحمل مسؤولياتها. كما أن لديه شعورا بأن المزاج السياسي في الولايات المتحدة حاليا لا يميل إلى توسيع التحالفات أو تحمل مسؤوليات إضافية تجاه دول أخرى.

أعتقد أن هناك نوعين من الدوافع يتجاذبانه. من جهة، يرى أن دول الخليج، سواء السعودية أو الإمارات أو قطر، شركاء مهمون وتشكل فرصا اقتصادية وأمنية كبرى للولايات المتحدة والمنطقة. ومن جهة أخرى، هناك تردد لديه في توسيع نطاق المسؤوليات الأميركية تجاه دول أخرى.

في حالة السعودية، والتي أعرفها أكثر في الفترة الأخيرة، أعتقد أنه إذا توفرت فرصة لعقد صفقة كبرى، وهي الصفقة التي جرى الحديث عنها فعلا خلال السنوات القليلة الماضية، تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تعزيز التعاون ومعاهدة دفاع مشترك، فسيكون ذلك جذابا جدا له. لكن بالنظر إلى الوضع الراهن في غزة، والسياسة الإسرائيلية الداخلية، يبدو أن هذا الأمر بعيد المنال حاليا.

ومع ذلك، أعتقد أن جميع تلك الدول لن تتراجع عن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة. بل على العكس، أعتقد- وقد قال القطريون ذلك علنا- أنهم يرغبون في الحصول على ضمانات أمنية أميركية أقوى. لو كنت سعوديا أو من الإمارات أو قطريا أو من أي دولة خليجية، ونظرت إلى التهديدات المحيطة بي في المنطقة، وهي تهديدات كبيرة، خصوصا من إيران، فسأرغب بأعلى قدر ممكن من الوضوح من الولايات المتحدة. وأعتقد أن هذا ما سيسعون إليه. وسيبقى هذا النقاش مستمرا، وأجزم أنه سيكون جزءا من النقاشات في نيويورك خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. أعلم أن بعض مسؤولينا الكبار سيلتقون بمسؤولين كبار من دول الخليج، ومن المؤكد أنهم سيعبّرون عن إحباطهم وقلقهم الشديد مما حدث، لكنني أعتقد أنهم أيضا سيكونون مهتمين بكيفية الحصول على مزيد من الوضوح بشأن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وتلك الدول الشريكة.

font change