تامر محسن لـ"المجلة": ربحت رهان وحيد حامد وهذه مشكلتي مع يوسف شاهين

بدأ في المسرح و"تورط" في الدراما التلفزيونية وعمله المقبل فيلم سينمائي

facebook
facebook
تامر محسن

تامر محسن لـ"المجلة": ربحت رهان وحيد حامد وهذه مشكلتي مع يوسف شاهين

في غرفة طفولته الصغيرة تشكل خيال المخرج المصري تامر محسن وأحس بالسعادة الأولى وكبر عالمه جوار والدته وهي تقرأ له قصص مجلتي "ميكي" و"سمير"، إلى أن شب ووقف على خشبة المسرح ممثلا، ثم خلف الستار مخرجا ومؤلفا وحقق نجاحا بمسرحية "الماريونيت". مرت الأيام وهو يحلم بالسينما لكنه "تورط" في إخراج أعمال درامية أحبها الجمهور، وآخرها "قلبي ومفتاحه". حول مسيرته ومشاريعه المستقبلية أجرت "المجلة" معه هذا الحوار.

كيف تصف طفولتك، وهل كان لها أثر في وعيك الفني لاحقا؟

كلما عدت بالذاكرة إلى لحظات الطفولة، أندهش وأشعر بسعادة غامرة. أحاول استرجاع اللحظات الأولى التي انشغلت فيها بالرسم والعرائس معا، وأعتقد أن الرسم كان أولا. والدتي ساعدتني جدا لأنه كان هوايتها، فهي فنانة لم تتحقق. كانت مشغولة بكل ما هو فني، تحب الرسم وترغب في أن يحبه ابنها ويجيده، وكان شقيقاها زجالين جيدين أيضا، لكنهما عملا أيضا في مهن أخرى.

كانت مجلتاي المفضلتان "ميكي" و"سمير"، أظن أن "سمير" أكثر مصرية، لكنني أحببت "ميكي"، لأن القصص فيها مدهشة، والحدوتة تحكى ببراعة وجاذبية. كانت أمي تقرأ لي بالفصحى وتشرح لي بالعامية، كنت أسألها عن كل رسمة، وعيناي تسبقان الكلام، كنت أحاول أن أتوقع القصة، وأكتشف: هل المكتوب يشبه ما توقعته وتخيلته أم لا؟

بعد ذلك بدأت بصنع العرائس، عشقت أوبريت "الليلة الكبيرة"، لصلاح جاهين وسيد مكاوي. كنت أتساءل، من يحرك العرائس؟ من يشد الحبل بالخيوط؟ أرى انفعالات العرائس والشخصيات وهي تغني "يا ولاد الحلال"، لكن داخلي رغبة في معرفة من يحركها ليشعرنا بتعبيراتها. كل ذلك كان يتشكل من طريق الأستاذ ناجي شاكر، فنان العرائس، وتشرفت بأنه شاهد أول عرض مسرحي أخرجته، كنت محظوظا.

بعدها دخلت السينما للمرة الأولى في حياتي. جلست في أول صف، وفي لحظة من اللحظات شعرت بالسعادة. كان الحضور كثيفا لمشاهدة "الأزمنة الحديثة" لتشارلي شابلن، ورأيت تفاعل الجمهور مع الشاشة، وكان الأمر سحريا. تولدت في داخلي رغبة في دخول هذا العالم السحري.

كيف انتقلت من المسرح إلى السينما؟

كنت أدرس العمارة في كلية الفنون الجميلة، وفي الوقت نفسه عملت في أتيليه المسرح، ممثلا وكاتبا، وأخرجت مسرحيتي الأولى "الماريونيت" التي حصلت على المركز الأول في مهرجان المسرح الحر الرابع. ولنجاحها الكبير لم أخرج مسرحيات أخرى. كنت مشغوفا بالسينما وأعمل بالمسرح، وقتها كنت أفكر بخيال السينما، وكان أستاذي المخرج حسن عبده أول شخص دعمني. عملت معه ممثلا في كلية للفنون الجميلة، كان مثقفا وقليل الكلام، وكان صديقه مهندس الديكور حامد حمدان.

يوسف شاهين صنع إنجازا كبيرا لمصر، ومن يحقق ذلك يستحق المكانة العالية التي يصل إليها، لكنه في الوقت نفسه تسبب في أن يربط الجمهور الفن بعدم الفهم


 وفي أحد الأيام أخبرني عبده أن حمدان يحتاج إلى من يساعده في بناء ورسم معابد فرعونية، وهكذا واتتني الفرصة مع يوسف شاهين وشركة "أفلام مصر العالمية". عملت في فيلمي "المهاجر" و"المصير". التقيت يوسف شاهين وتحدثت إليه، كما تعاملت في ذلك الوقت مع محسن نصر ورمسيس مرزوق وعباس صابر، ويسرا وخالد النبوي الوجه الجديد آنذاك.

ذكرت سابقا أنك تقدر يوسف شاهين ودوره في صناعة السينما، لكنك لا تحب أفلامه، لماذا؟ ما الاختلاف الجوهري بين شاهين ومخرجيك المفضلين أمثال خيري بشارة وعاطف الطيب ومحمد خان؟
لم أقل البتة إني لا أحب يوسف شاهين، أسيء فهم ما قلته في تصريحات صحافية سابقة. بالعكس، لا أستطيع أن أقول ذلك، لكن ما عنيته أن يوسف شاهين ليس من المفضلين عندي، مثل محمد خان وعاطف الطيب وكمال الشيخ وفطين عبد الوهاب.

AFP
يوسف شاهين

يوسف شاهين لم يكن يتقصد تعقيد الأفلام، أرى أنه تعقيد أفلام الطفل الموهوب الذي يبدو منتجه سورياليا ومعقدا. التعقيد في أفلامه شيء عفوي جدا وجميل، لكنه لم يتعمده، لكن لم تكن لديه ملكة أن يكون قريبا من الناس.

يوسف شاهين كان جزءا من النخبة الثقافية، نشأ في محافظة الإسكندرية نشأة مختلفة وسط عائلة مثقفة، لم يكن لديه حس شعبي، وعندما بدأ بكتابة أفلامه بنفسه زادت الغربة مع المشاهدين، باستثناء فيلم "باب الحديد" وعدد من أفلامه المبكرة. بالنسبة إليّ، يوسف شاهين صنع إنجازا كبيرا لمصر، مثل محمد صلاح وعمر الشريف، ومن يحقق ذلك يستحق المكانة العالية التي يصل إليها، لكنه في الوقت نفسه تسبب في أن يربط الجمهور الفن بعدم الفهم، لأنه لم يفهم أفلامه، وارتبطت لديه بالتعقيد، وهذه نتيجة حزينة للغاية بالنسبة إليّ. أحزن عندما يصنع فنان فيلم "آرت هاوس" معقدا أو غريبا أو غير مفهوم، رغم أنه كانت هناك فرصة للارتقاء بذائقة الجمهور الذي قال جزء كبير منه بعد مشاهدة أفلام شاهين: هذا يهين ذكائي ويشعرني أنني غبي، وقرر الانسحاب من مشاهدة هذا النوع من الأفلام.

 أشعر أن هذا الفن أفقدنا جزءا من الجمهور، وأنا أنحاز إلى كسب المشاهدين. الفكرة إذن ليست أنني أحب يوسف شاهين أو لا أحبه، يكفيني فخرا أنه كلمني، وأعتبر أنه من أعظم المواهب وأغار منه، لكن ما أقوله إنه لم يحاول إيجاد آلية للوصول للجمهور، فنه أوصله إلى فرنسا وليس إلى الناس. يوسف شاهين بالنسبة إّلي، المادة الخام للموهبة، رجل سينمائي فريد، فيلم "الأرض" من أعظم أفلامه، وأنا أحب فيلمه "انت حبيبي"، فيلم رشيق ومبهج.

أحب جيل عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة لأنهم صالحوا الجمهور على السينما، اجتمعوا وتكاتفوا كجيل، وتشاركوا همومهم وأحلامهم، وهذا يصنع فارقا


أما بالنسبة إلى عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة وغيرهم، فأحبهم لأنهم صالحوا الجمهور على السينما، اجتمعوا وتكاتفوا كجيل، وتشاركوا همومهم وأحلامهم، وهذا يصنع فارقا في الصناعة والحركة الفنية. أن يتنافس أبناء الجيل الواحد ويجتمعوا ويغاروا ويشكلوا زخما، ولأنهم تأثروا بالواقعية الجديدة في فرنسا وشكلت وعيهم ودفعتهم إلى القرب من الحقيقة والواقع أكثر.

AMRO MARAGHI / AFP
المخرج المصري محمد خان بعد فوزه بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه "شقة في مصر الجديدة" في مهرجان الإسكندرية السينمائي، ٢٠٠٧

هذا الجيل قدم لنا فنا حقيقيا للغاية، كما قدم تفسيرا ومفهوما مختلفا للجمال، الجمال الذي يتكون من تأثيره، قد ترى الكاميرا مهتزة، قد لا تكون الصورة هي الأفضل، لكنها مؤثرة وحقيقية جدا، وهذا سر جمالها، وهذا كان مستوى جديدا في السينما المصرية، ومن حسن الحظ أن جيلي تشكل على أيدي هؤلاء المخرجين، نحن نتاج فنهم، طورونا ودفعونا إلى هذه المنطقة من الفن. 

في أي لحظة تؤمن بأن هناك قصة صالحة لتصبح عملا دراميا وتندفع إلى تنظيم ورشة لكتابتها؟

هي اللحظة التي أوقن فيها تماما أن المشروع صالح لإخراجه، عندما أشعر أنه يفرض نفسه ويلح عليّ. بعدها أبحث عن الكتاب وأبدأ بتشكيل ورشة الكتابة. الورشة شيء ممتع للغاية، أجمل من لحظات التصوير. ولا بد أن يكون الكتاب المشاركون في الورشة قادرين على العمل وفقا لهذه الكيفية من العصف الذهني  القائم على الهدم والبناء، وأن تكون لديهم ثقة في أنفسهم، وأن يدركوا جيدا آليات اللعبة.

 المشكلة أن معاهدنا لا تدرب على هذه النوع من العمل، لأننا فرديون. كما أهتم أن يشبه الكاتب المشروع الفني، أن يراه كما آراه، عندما أشرح يفهمني، ونتناقش ونتشاكس إلى أن نصل إلى شيء حقيقي.

"بدون ذكر أسماء"

دوما، تعيد تعريف الأمور وفق منطقك الخاص، بداية من تطوير النص حتى كلمة "أكشن"، كيف تفكر في ذلك؟

نبهني الفنان أحمد الفيشاوي إلى كلمة "أكشن" أثناء تصوير مسلسل "بدون ذكر أسماء". خلال تصوير المشاهد الشاعرية، لا تليق كلمة "أكشن" لأنها تعني الفعل والحركة بينما أطلب من الممثل شيئا آخر، فقال لي الفيشاوي: حين تريدنا أن نبدأ، أعطني إشارة بيدك، هو من نبهني إلى الفكرة، لكن أحيانا في الشارع أقول "أكشن"، الفكرة عندي لا تنحصر في أننا نقولها أم لا؟ المهم ما نصوره ونلتقطه، وهو ما ينطبق على فكرة الكلاكيت، سنصور أي مشهد؟ وسنصوره بأي عدسة؟ لا بد أن نسأل أنفسنا دوما ماذا نفعل، كي لا نفعله لمجرد أننا تربينا على أنه بهذه الطريقة. لا بد من التفكير والتأمل كي يكون ما نصنعه أصيلا وحقيقيا.

الفن يعبر عن حقيقة اللحظة، ويعبر عنا وعن مشاعرنا في تلك اللحظة، ودوري هو تحفيز الجمهور ودفعه لتأمل تلك اللحظة


الفن يقتات من الفن، ولا بأس بأن يقتبس مخرج من مخرج آخر، ولا بد أيضا من مراجعة ذواتنا والتفكير بما فعله من سبقونا.

رفضت العديد من عروض إخراج أفلام راوئية، ودخلت مجال الأفلام الوثائقية وأخرجت 6 أفلام منها "اغتيال السادات" عام 2005.. كيف امتد أثر الوثائقي على أعمالك الدرامية، خاصة أننا شاهدنا منها ملمحا في عملك الدرامي الأول، "بدون ذكر أسماء"؟

الفن وثيقة، وبالتالي لا بد أن يتمتع ببعض درجات الأمانة. لا يصح أن نكون مزورين أو خادعين للأجيال المقبلة. لا يستقيم أن نحكي روايات خادعة وكاذبة، فالفن يعبر عن حقيقة اللحظة، ويعبر عنا وعن مشاعرنا في تلك اللحظة، ودوري هو تحفيز الجمهور ودفعه لتأمل تلك اللحظة. لا بد أن أكون مرآة الناس، أحكي لهم، فيرون طريقهم... ربما تكون في داخلهم طاقة غضب وقسوة وتنافسية رهيبة وكره للآخر، وهم لا يشعرون بهذه الطاقة بل يرونها عادية، لكنني من ناحيتي، أقول للجمهور إن كل هذا قاس وإنه يأكل من روحك، وإنني أتفهم وأعرف الأسباب.

أهم هدف في الحياة هو بناء الإنسان، ولا بد لنا من الاهتمام بالأجيال الأصغر، لا بد من أن نسائل أنفسنا: ماذا نفعل معهم؟ لا بد أيضا أن نعي قيمة الطبقة المتوسطة التنويرية والفنية والعلمية، لا بد من الخوف عليها، ومن محبتها أكثر، لا يصح أن نعلي القيم المادية، لأننا سندفع ثمنها جميعا في نهاية المطاف.

كواليس تصوير "بدون ذكر أسماء"

كان مسلسل "بدون ذكر أسماء" محاولة لتوثيق فترة عشتها في طفولتي، وهذا ما أضفى عليها السحر عندي. لو لم أعشها لما كان لها سحرها داخلي. لذلك أعرف طعم الفترة الزمنية التي عشتها، وهي فترة الثمانينات. كان صعبا للغاية أن نعيد أماكن التصوير بالقاهرة لتلك الفترة، لذا لعبت اللقطات الوثائقية دورا في إكمال العناصر الناقصة في العمل.

كيف كانت تجربتك مع السيناريست الراحل وحيد حامد في هذا المسلسل؟

وحيد حامد كان أعطاني الثقة في نفسي كفنان من أول جلسة جمعتنا، فكان لا بد من أن أثبت نفسي، ومن أن أتمسك بكل ما هو في صالح العمل، وإن كان يبدو ضد رغبة الكاتب، لأن وحيد حامد أعطاني المسؤولية والحرية والثقة وألغى المسافة الكبيرة بيننا وأذابها، كان يسألني، ما رأيك؟ أرد، فيعجبه ما قلت، فيغير ويعدل، ثم يسألني عن الشخصيات ومن سيجسدها؟ وهكذا كانت العلاقة بيننا، حتى أنساني أنه هو الأستاذ الكبير وحيد حامد.

 الأستاذ وحيد عبقرية فنية، وذكاؤه وثقته في نفسه كانا يدفعانه إلى أن يطلق يد المخرج في المشروع ويعتبر نفسه رقم اثنين ويجعل المخرج هو القائد. باختصار، يعتبره حصان رهانه ويمنحه حرية وصلاحيات كاملة، وأنا كنت أتقرب من عبقريته الكبيرة على مهل، دون تسرع.

أبطال "قلبي ومفتاحه"

صورت "قلبي ومفتاحه" في منطقة "اللبيني" بالهرم وهي منطقة شعبية، كيف تختار أماكن تصوير أعمالك الفنية؟

منطقة اللبيني مكان "خليط" نسبيا، حاليا لا يوجد شيء اسمه الحارة، لم تعد بطلا، وإن ظلت موجودة نسبيا، لكنها أصبحت "كومبارس". نتج في مجتمعنا شارع جديد أصبح بطلا له خصائص ومواصفات معينة، وهو مزيج من ثقافة مصر بمحالها وزحامها وعمارتها الطويلة التي لا تدخلها الشمس، والشوارع الملتصقة، كل البيوت بنيت وفقا لضوابط آخر 20 و 30 سنة، بناء على ثقافة استهلاكية، كل هذا ترجم في الحزام الذي تكون خلال الثلاثين سنة الأخيرة حول القاهرة. هذا هجين، لا يشبه القرية أو صعيد مصر، الفرد هناك لا هو ريفي ولا هو ابن بلد ولا من الطبقة العاملة، هو شيء في الوسط، تكون وسط مكونات كثيرة، فتراه يتاجر في الأجهزة الكهربائية والعملة، ويعمل في مهن عدة لا تربطها علاقة، وتراه مع كل ذلك متدينا ويصلي، لذا خلق هوية خاصة به، وكان هذا هو النتاج.

وحيد حامد عبقرية فنية، وذكاؤه وثقته في نفسه كانا يدفعانه إلى أن يطلق يد المخرج في المشروع ويعتبر نفسه رقم اثنين ويجعل المخرج هو القائد


اختيار المكان يكون نابعا من وجهة النظر، في "قلبي ومفتاحه"، اللحظة كانت آنية جدا، كنا نحاول تأمل اللحظة ومراقبتها، لكي نقول هذا نحن في 2025.

 

كيف تختار الممثلين، وهل تستغرق هذه العملية وقتا؟

لدي استعداد للعمل مع أي ممثل في الدنيا. عندما قابلت مي عز الدين، قلت لها: "أنا لم أشاهد مسلسلاتك، وسأخمن، أنك لم تشاهدي أي عمل من أعمالي، انت لا تعرفينني لأنني لست من عالمك، والطريقة التي سنعمل بها ليست طريقتك، دعينا نتفق على ذلك، لكن أقول لك بوضوح، أنت ممثلة موهوبة".

الممثل الجيد تظهر موهبته في ثوان، لا أحتاج غالبا إلى مشاهدة عمل كامل لأحدد موهبته، ومي عز الدين موهوبة، قلت لها: "سنلعب وفقا لبعض القواعد الخاصة بي"، هي ممثلة ملتزمة ومخلصة، وكانت في "قلبي ومفتاحه" مشغوفة كأنها تمثل للمرة الأولى.

لاحظت أنك تربط الفنون غالبا بالسحر، ما هي اللحظة التي تشعر فيها بذلك أثناء تصوير العمل الفني؟

أثناء تصوير "قلبي ومفتاحه"، أخبرت الفريق أن هناك لحظة أتمنى حدوثها بعد الانتهاء من تصوير نصف الحلقات، وهي أروع لحظة في عملي عندما لا يعود الممثل يشير إلى الشخصية التي يؤديها باسمها بل يقول "أنا". هذه اللحظة التي أحبها، عندما يصبح الممثل عالما بالشخصية أكثر مني. في طبيعة الحال، الممثل يعيش مع الشخصية فترة كبيرة، يمضي معها كل لحظة، وهو بذلك يختلف عني كمخرج أو كمؤلف، فأنا لا أتوحد مع الشخصية، بل أساعد الممثل حتى يكون أعلم مني بالشخصية.

"لعبة نيوتن"

ظهرت في "قلبي ومفتاحه" وقبله أيضا في "لعبة نيوتن"... ما سبب هذا الظهور، هل هو محاكاة لمخرجيك المفضلين، عاطف الطيب ومحمد خا، أم مصادفة؟

أسأل نفسي: "لماذا أظهر في أعمالي؟ هل لأن في داخلي ممثلا خنقته؟ علما أنني حصلت على المركز الثاني في التمثيل في جامعة حلون سنة 1994، كنت ممثلا جيدا، لكنني قضيت على هذا الممثل. اسأل نفسي ما إذا كان هذا السبب أم أنه جاء تيمنا بأساتذتنا؟ ما أعرفه أنني في كل مرة أفيد إفادة عظيمة من الممثل الكامن في داخلي وأتعلم شيئا جديدا. فكلما تعرضت إلى ورطة وتعلمت منها تكتشف مهارات جديدة في التعامل مع الممثلين.

أنت من المخرجين الذين يعرفهم الجمهور ويحبهم ويحتفي بظهورهم في أعمالهم... كيف ترى ذلك وهل تعرفه أصلا؟

أعرف أن الجمهور يحبني لكنني أخاف منه بقدر ما أحبه، فمن الممكن أن يتسبب هذا الحب بأن أصنع للجمهور ما ينتظره مني وهذا خطر، لأنه من المفترض أن أفرح بنجاحي، لكن لا بد أن أحافظ على حريتي، وألا أكرر نفسي، كي لا أكون مثل "مهرج القصر"، هذا أمر مهم بالنسبة إليّ، لأن من المحبة ما يقيد.

في نهاية الموسم الدرامي الرمضاني الماضي، ثار جدل واسع حول تدني الأعمال الدارمية وأعيد تشكيل لجنة الدراما برئاسة الناقدة ماجدة موريس لمتابعة ورصد الأعمال الدرامية وفحص المخالفات، كيف ترى فكرة الرقابة على العمل الفني؟

من ناحية الرقابة، أعمل حسابها جدا ويبدو أنني أبالغ في ذلك. في مسلسل "قلبي ومفتاحه"، كنت قلقا وأخبرت المنتج بأننا يجب أن نضع تحذير "فوق 18 عاما"، لكن الرقابة وافقت عليه دون تدخل، ولم يطلب مني حذف حرف أو لقطة.

أروع لحظة في عملي عندما لا يعود الممثل يشير إلى الشخصية التي يؤديها باسمها بل يقول "أنا"


أضع الرقابة في الاعتبار، وأتفهم خوفها ومراجعتها للأعمال، وفي خصوص الجدل الذي أثير وقتها عن أعمال المخرج محمد سامي، أرى أنه ليس سببا في شيء، لا بد أن نعي جيدا ونتأمل في إجابة السؤال: لماذا يقبل الجمهور على هذه النوعية من الأعمال الفنية؟ هل هي سحر؟ الأزمة ليست أزمة لجنة درامية، الموضوع يكمن في ما آلت إليه الشخصية المصرية باختياراتها، وهو مسؤوليتنا جميعا. أخشى أن يكون الجمهور يبحث عن صوت، وإن كان فجا وغاضبا، لذا يلتف حول العمل الدرامي ذي الصوت العالي والفج، وأؤكد أن المناخ الثقافي الديناميكي يجمع داخله كل الاتجاهات، ولا بد أن ننتبه أكثر.

أخيرا؛ تفضل إخراج الفيلم السينمائي على المسلسلات، لكن الواقع عكس ذلك من ناحية إنتاجك حتى الآن، حيث لم تنجز سوى فيلم سينمائي وحيد هو "قط وفار"... ما الذي يعطل مشاريعك السينمائية؟

 تعرض عليّ باستمرار أعمال تلفزيونية، لكن أظن أني أحتاج إلى وقفة حاسمة، حتى لا أقع في هذا الفخ. عندما نحب شيئا ما أكثر من اللازم، يتحول ذلك إلى خوف وامتناع... في مسلسل "قلبي ومفتاحه" حاولت التعبير في داخلي من أفكار اجتماعية وسياسية ومفاهيم. أحيانا أقول لنفسي "كثير من الحب يمكن أن يضر"، فهو يدفعك للدوران حول الحبيب ويخيفك من مواجهته، لكن أؤكد في هذه المناسبة أن عملي المقبل سيكون سينمائيا.

font change

مقالات ذات صلة