إيطاليا... هكذا "حوصرت" ميلوني بين غزة وترمب

أحيلت مع وزيري الخارجية والداخلية إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في إبادة فلسطينيي غزة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
متظاهرون يرفعون لافتة لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني مكتوب عليها "متواطئة في الإبادة الجماعية" خلال مسيرة لدعم الفلسطينيين واحتجاجا على اعتراض أسطول الصمود العالمي، بالقرب من الكولوسيوم في روما في 2 أكتوبر

إيطاليا... هكذا "حوصرت" ميلوني بين غزة وترمب

تمر إيطاليا بمرحلة إرباك وضياع بسبب المأساة الفلسطينية في غزة التي تنتشر كبقعة الزيت وباتت تطال معظم الشرائح والقطاعات والمقاطعات. وقد زاد من حالة الإرباك خبر إعلان احالة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني مع وزيري الخارجية والداخلية من حكومتها إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية ضد فلسطينيي غزة. ولم تكشف هوية الشخص الذي رفع الدعوى، ولكن إذا لم تتم محاكمة بنيامين نتنياهو فهل من المعقول أن تتم محاكمة رئيسة حكومة أوروبية لم تقم بإدانة عملية الإبادة؟ غير أن إعلان ميلوني نفسها الخبر الهدف منه هو شد عصب مؤيديها أمام الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح إيطاليا تضامنا مع الفلسطينيين واستياء من موقف ميلوني المهادن لإسرائيل ولأميركا ترمب. وكانت ميلوني قد أيدت "خطة السلام" في غزة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووافقت عليها حركة "حماس" التي تصنفها الحكومة الإيطالية منظمة إرهابية. من ناحية أخرى، فإن الأزمة السياسية والاقتصادية التي تتخبط فيها إيطاليا لأسباب متعددة ساهمت أيضا في هذا الإرباك، أهمها الحرب الروسية على أوكرانيا وحرب رسوم ترمب الجمركية على أوروبا التي لم يستثن منها إيطاليا رغم موقف رئيسة الحكومة التي لا تخفي إعجابها به وتعاطفها معه. فهل ذلك عن قناعة أم عن مصلحة أم رضوخا للأقوى؟

اليوم هناك "الحزب الديمقراطي" (الشيوعي السابق) مع تنظيمين لا زالا يلتزمان النهج اليساري، وآخر جديد نسبيا هو حزب "الخمس النجوم"، وهذه الأحزاب تلتقي على دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة

هناك أساسا رأي عام إيطالي متعاطف مع القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين لدرجة أن إعلان الإضراب العام الذي نفذ الأسبوع الماضي تضامنا مع غزة لم يصدر لا عن الأحزاب السياسية بالمباشر ولا حتى من النقابات الثلاث الفاعلة والبارعة في التنظيم، وإنما من جمهور واسع تعبر عنه قطاعات تتجاوز الاصطفافات السياسية التقليدية وتطال جميع الشرائح، يمينا ويسارا وغير منتمين. وكانت أول مظاهرة تضامن حاشدة مع الفلسطينيين قبل أكثر من أربعين سنة زمن الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف عام 1982 التي شارك فيها مئات الآلاف ومشى على رأسها لأول مرة إنريكو بيرلينغوير أمين عام الحزب الشيوعي الإيطالي السابق، الذي كان أكبر حزب شيوعي أوروبي في ذلك الزمن الذي تمكن من الحصول على نسبة 34 في المئة من أصوات الإيطاليين في انتخابات 1976 والذي اشتهر بموقفه المتوازن من الصراع في الشرق الأوسط، وقاد بيرلينغوير عملية تغيير أدت إلى أخذ مسافة من الاتحاد السوفياتي السابق عندما أعلن عام 1980 عن "انتهاء القوة الدافعة للاتحاد السوفياتي" وأسس ما عرف يومها بـ"الشيوعية الأوروبية" التي كان قوامها ثلاثي الأحزاب الشيوعية الإيطالي والفرنسي والإسباني، ثم انفتح على الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم استعدادا للمشاركة لأول مرة في الحكومة الإيطالية. ولكن الحظ لم يسعفه وأصيب بجلطة دماغية أودت به فيما كان يخطب في مهرجان انتخابي ربيع عام 1984.

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، يشاركون في اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين في البيت الأبيض بواشنطن العاصمة، في 18 أغسطس

غير أن إسرائيل لم تترك تظاهرة التضامن في المهرجان تمر بسلام فقامت باغتيال مسؤولين فلسطينيين اثنين، الأول من حركة "فتح"، والثاني مسؤول في مكتب منظمة التحرير في روما. وكانت قد لجأت إلى هذا الأسلوب قبل ذلك بكثير باغتيالها سياسيين ومثقفين، الأول عام 1972 وهو وائل زعيتر أول مندوب لمنظمة التحرير في روما، وألحقته عام 1981 بالقيادي ماجد أبو شرار. ولكن ذلك لم يمنع ياسر عرفات من القيام بزيارة رسمية إلى إيطاليا والفاتيكان في زمن البابا يوحنا بولس الثاني. إلا أن عمليات الاغتيال هذه أدت إلى حصول تحول في التعاطف الإيطالي أدى إلى ترسيخ الرأي العام الداعم للقضية الفلسطينية التي كانت قوى اليسار الإيطالي رغم خلافاتها تلتقي حولها، من "الحزب الاشتراكي" إلى "الحزب الشيوعي" إلى مجموعة من التنظيمات اليسارية التي كانت تعتبر نفسها على يسار "الحزب الشيوعي". غير أنه مع مرور الزمن تغير هذا الواقع بطبيعة الحال نظرا للظروف والتحولات على الصعيد الدولي، وانعكاساتها على القضية الفلسطينية، ونظرا أيضا للمخاض الذي عاشه اليسار الإيطالي الذي أصبح اليوم يتيما، إذ لم يعد هناك من أحزاب شيوعية أو اشتراكية وإنما تحول بعضها إلى أحزاب ديمقراطية وسطية والبعض الآخر لم يعد موجودا، فيما انخرط بعض اليسار الراديكالي في الأحزاب الناشئة والبعض الآخر غادر العمل السياسي. ولكن الانقسام السياسي سواء الداخلي أو تجاه المسائل الخارجية والدولية بقي قائما تبعا لرؤية كل حزب وقراءته السياسية للأحداث. واليوم هناك "الحزب الديمقراطي" (الشيوعي السابق) مع تنظيمين لا زالا يلتزمان النهج اليساري، وآخر جديد نسبيا هو حزب  "الخمس النجوم" الذي أسسه فنان فكاهي واستعراضي إيطالي يدعى بيبي غريللو منذ أكثر من خمس عشرة سنة (2009)، وهذه الأحزاب تلتقي على دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة، ويقومون اليوم بتحريك الشارع عبر مظاهرات واعتصامات ضخمة في مختلف المدن الإيطالية، من ميلانو إلى روما إلى جنوه.

الحليف الثاني هو حزب "إيطاليا إلى الأمام" الذي أسسه وتزعمه رجل الأعمال سلفيو بيرلسكوني الذي دفعه خوفه على مشاريعه من حملة مكافحة الفساد المسماة "الأيادي النظيفة" عام 1992 إلى الحقل السياسي

وقد اتسعت هذه الحملة لتشمل مختلف المرافق، وقد نظم الجمعة في 3 أكتوبر/تشرين الأول إضراب عام تضامنا مع غزة شمل مختلف وسائل النقل وشل بشكل كبير التنقل والتواصل بين المدن الإيطالية، كما جرى اعتصام في ساحة الكولوسيو في روما وكذلك في نابولي في وسط المدينة مساء، ثم في مدينة فلورنسا. أما في تورينو في الشمال فقد قام المتظاهرون باحتلال المدارس واشتبكوا مع الشرطة وسط المدينة، وأيضا في مدن بولونيا وفيرونا وغيرهما. كذلك كانت إيطاليا في صلب مشهد حملة التضامن البحرية الأوروبية لكسر الحصار عن غزة من خلال إبحار مئات المراكب من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية للتضامن مع الفلسطينيين وإيصال مساعدات وتموين غذائي لأهالي غزة المحاصرين، ولكن إسرائيل لم تسمح بوصول "أسطول الصمود" البحري الإنساني، واعتقلت المشاركين فيه قبل البدء بترحيلهم كل إلى بلده. وقد قررت الحكومة الإيطالية السماح فقط لمركب واحد بالإبحار "خوفا من أن يتم اعتقال الجميع". وقد خلقت هذه الحملة إحراجا للحكومة التي تتزعمها رئيسة الحزب اليميني "إخوة إيطاليا" جورجيا ميلوني التي تشغل موقع السلطة منذ ثلاثة أعوام (2022) وتقود تحالفا يمينيا مع حزبين آخرين، الأول عنصري هو "حزب الرابطة" الذي نشأ في شمال إيطاليا ويوجد أساسا هناك، ويرأسه ماتيو سالفيني الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الحكومة ووزير البنى التحتية والمواصلات، والذي يعلن موقفا منسجما مع رئيسة الحكومة مؤكدا أنه "قبل الاعتراف بدولة فلسطينية يجب محو تنظيم (حماس) وإرهابييها الذين يخطفون إسرائيليين"، أي تماما كموقف ميلوني، وأعلن معارضته لاحتلال المحطات والمرافئ الذي يقوم به المتظاهرون مشترطا تدفيعهم ثمن بطاقات المسافرين. وفي ما يخص أوكرانيا يعلن أنه مع تسليح الجيش الأوكراني وتجهيزه ولكن من دون أن يذهب للقتال في أوكرانيا أو مع روسيا.

أما الحليف الثاني فهو حزب "إيطاليا إلى الأمام" الذي أسسه وتزعمه رجل الأعمال سلفيو بيرلسكوني الذي دفعه خوفه على مشاريعه من حملة مكافحة الفساد المسماة "الأيادي النظيفة" عام 1992 إلى الحقل السياسي، خصوصا أن القضاة قادة الحملة لم يوفروا أي حزب أو شخصية متورطة بقضايا فساد إلا ولاحقوها ما أدى إلى انهيار أحزاب رئيسة وشخصيات تمت محاكمتها أو غادرت العمل السياسي، ومنها من انتحر. عندها قرر بيرلسكوني أن يخوض المعترك السياسي، وهو الذي يملك محلات وأسواقا تجارية ونوادي رياضية ومحطات تلفزيونية خاصة. وقرر "النزول إلى الساحة" كما كان يحب أن يردد وخاض أول انتخابات نيابية عام 1994 لملء الفراغ الذي خلفه انهيار "الحزب الاشتراكي" و"الحزب الديمقراطي المسيحي" اللذين كانا يسيطران على السلطة منذ عشرات السنين ويؤمنان التغطية له ولغيره من رجال أعمال وأصحاب مشاريع وصفقات وقضايا فساد...

أ.ف.ب
احتجاج لدعم الشعب الفلسطيني وضد اعتراض إسرائيل لأسطول الصمود العالمي، في روما في 4 أكتوبر 2025

وفاز بيرلسكوني في تلك الانتخابات فكلف بتشكيل حكومة ترأسها، وأصبح طرفا أـساسيا في المعادلة السياسية الإيطالية منذ ذلك العام. ثم ترأس بعدها أكثر من حكومة من خلال قيادته الحياة السياسية كونه كان يرأس أقوى حزب، بعد أن تمكن من جمع قوى اليمين الإيطالي وتزعمهم بانضمام معظمهم إلى حزبه بعد أن أصبحوا أيتاما بانهيار أحزابهم. وتمكن بيرلسكوني من السيطرة على الواقع السياسي الإيطالي لفترة دامت اكثر من عقد، بعدها بدأ "الحزب الشيوعي" عملية التحول ليصبح حزبا ديمقراطيا ويبدأ باستقطاب شرائح جديدة من الوسط ومن الكاثوليك الديمقراطيين الذين كان لديهم "الحزب الديمقراطي المسيحي"، ناهيك عن نشوء أحزاب أخرى جديدة بدأت بسحب البساط من تحت أقدام بيرلسكوني. وتمكن "الحزب الديمقراطي اليساري" (الشيوعي السابق) من كسب الانتخابات عام 2000 وترأس زعيمه يومها ماسيمو داليما رياسة الحكومة، ثم بعدها نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا للخارجيّة عام 2006. كل هذا أدى إلى تآكل شعبية بيرلسكوني إلى جانب انهيار بقايا اليمين الفاشي الذي تحول إلى الحزب الذي تتزعمه حاليا ميلوني، وهي الآتية من قيادة صفوف شبيبة "الحزب الفاشي".

الواقع وضحالة تجربة ميلوني كشفاها في الداخل، بالأخص على المستوى الاقتصادي، وفي السياسة الخارجية حيال الأزمتين اللتين يواجههما العالم أي أوكرانيا وغزة

وفي الانتخابات الأخيرة عام 2022 كانت المفاجأة الصادمة بفوز حزب ميلوني "إخوة إيطاليا" بالانتخابات في سابقة تاريخية تحصل لأول مرة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بقفزها من موقع حزب صغير هامشي لا يتعدى نسبة 4 في المئة من الأصوات إلى نسبة 24 في المئة، وذلك نتيجة الفراغ السياسي الذي حصل وللغضب الذي اجتاح الناس ضد فساد الطبقة السياسية يمينا ويسارا. ولم تجد ميلوني أي إحراج في اعتبار أن الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني كان سياسيا ناجحا، فيما هبط حزب  بيرلسكوني إلى نسبة 9 في المئة وأصبح أضعف حزب يميني على الساحة السياسية، ما اضطرّه إلى الرضوخ والتسليم بزعامة ميلوني. ولدى الحزب اليوم موقع نائب رئيس الحكومة الثاني ووزارة الخارجية التي يشغلها حاليا أنطونيو تاياني الذي أصبح أمين عام حزب "إيطاليا إلى الأمام" بعد وفاة  بيرلسكوني في يونيو/حزيران 2023. وهكذا أصبحت ميلوني (عمرها 48 سنة) التي لا ثقافة ولا خبرة سياسية لديها سيدة الموقف وتمسك بزمام الأمور  من خلال حليفين يمينيين ضعيفين محكومين بالتحالف معها، ويؤمنان لها أكثرية حكومية لا تتجاوز 42 في المئة مقابل  36 في المئة حصلت عليها المعارضة المتمثلة في "الحزب الديمقراطي" وحزب "الخمس نجوم" بناء على نتائج الانتخابات الأخيرة.

أ.ف.ب
قادة أوروبا والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في محادثات مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 18 أغسطس في محاولتهم إيجاد طريقة لإنهاء الهجوم الروسي

غير أن الواقع وضحالة تجربة ميلوني كشفاها في الداخل، بالأخص على المستوى  الاقتصادي، وفي السياسة الخارجية حيال الأزمتين اللتين يواجههما العالم أي أوكرانيا وغزة، وضعاها في موقف لا تحسد عليه، فهي تحمست جدا في البداية في دعمها لأوكرانيا وكانت أول من قام بزيارة الرئيس زيلينسكي وقدمت كل الدعم الممكن، غير أن ترمب الذي انجذبت له انفتح على فلاديمير بوتين فيما ارتبك التحالف الحكومي إذ أصبح الحزبان "الرابطة" و"إيطاليا إلى الأمام" في حيرة من أمرهما لأن  بيرلسكوني كان صديقا شخصيا للرئيس الروسي وزعيم "الرابطة" معجب بقوة روسيا وعظمتها. وعند ظهور الخلافات والتباينات مع الدول الأوروبية لم تتردد ميلوني في الانحياز إلى الرئيس الأميركي، وبالأخص في الاجتماع الأخير الذي عقد في البيت الأبيض مع رؤساء دول أوروبا في محاولة لإيجاد تسوية في أوكرانيا، إذ إنها كانت تجلس بقربه وتحدق به وتوافق على ما يقول. ولم تحاول نفي أو إبداء أي تعليق على ما أطلقه حليفها سالفيني ضد الرئيس الفرنسي متهما إياه بالرغبة في التوجه للقتال في أوكرانيا إلى جانب زيلينسكي وغيرها من المواقف والتصريحات المنحازة إلى جانب واشنطن. أما الإحراج الأشد فهو صمت  مليوني وحكومتها تجاه المجازر الإسرائيلية وتجويع الأطفال الفلسطينيين ووفاتهم التي يرتكبها نتنياهو، إذ عم الغضب الشارع الإيطالي وسارت المظاهرات في كل أنحاء إيطاليا ما اضطرها إلى التعبير عن إدانة خجولة لما يحصل في حين حاول حليفها زعيم "إيطاليا إلى الأمام"  تحسين الموقف محاولا كما يقول المثل الشعبي "أن يكحلها فعماها" معلنا أنه مع الاعتراف بدولة فلسطينية ولكن حين تنشأ…

انعكس الواقع الدولي على الوضع الداخلي وفاقم الوضع الاقتصادي للمواطن الإيطالي والمستوى المعيشي للطبقات الوسطى وما دون

وقد انعكس هذا الواقع الدولي على الوضع الداخلي وفاقم الوضع الاقتصادي للمواطن الإيطالي والمستوى المعيشي للطبقات الوسطى وما دون، فقد بلغ مستوى التضخم هذا العام بحدود 6 في المئة، كما أن أكثر ما يثقل كاهل المواطن الإيطالي في السنوات الأخيرة هو كلفة الطاقة المستهلكة على أنواعها من نفط وغاز سواء للتدفئة أو للتنقل أو تلك التي تستخدم للحاجات المنزلية. ويعود ذلك إلى الغلاء الذي أصاب الطاقة والمحروقات نتيجة الحرب على أوكرانيا، ويمارس الآن الرئيس الأميركي ضغطا على أوروبا، وبالتالي أيضا على إيطاليا، لكي توقف استيراد النفط والغاز من روسيا. وقد أصاب الغلاء أسعار المواد الاستهلاكية التي تكبد المواطن المتوسط الدخل أكثر من 500 يورو في السنة (الغاز والنفط)، وهذا في أوروبا يعتبر كلفة باهظة. وكل هذا الغلاء من الممكن أن يتفاقم مع الرسوم التي يقوم ترمب بفرضها مما يزيد في كلفة الإنتاج الصناعي، في قطاع صناعة السيارات على سبيل المثال، وعلى مستوى الإنتاج المحلي، وبالتالي على أسعار المواد الاستهلاكية.

وقد ساهمت هذه السياسة في عزل إيطاليا أوروبياً رغم علاقتها الجيدة أساسا مع فرنسا ومع إسبانيا التي تفردت باتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو  وطالبت بمقاطعة إسرائيل دولياً. فيما تنسق فرنسا مع ألمانيا وإنكلترا خاصة تجاه الولايات المتحدة في ما بات يعرف بالترويكا الأوروبية، علما أن إنكلترا قد خرجت من الاتحاد الأوروبي منذ تسع سنوات، وهذا من شأنه على الأرجح أن يدفّع رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني الثمن في الانتخابات القادمة المفترضة في خريف 2027، فهي في وضع لا تحسد عليه بين إعجابها بشخصية ترمب وسياسته والمعارضة القوية والوضع الداخلي المعقد والمعرض لانتكاسة في أي لحظة. هذا إذا لم يستجد أي طارئ ويفرض الدعوة إلى انتخابات مبكرة إذ إن البرلمان الإيطالي في كثير من الحالات تم حله ولم يتمكن من إكمال ولايته التي بقي منها حاليا سنتان.

font change