سمر المزغني لـ"المجلة": لا كتابة خارج الشرط الإنساني

تستعد لإصدار عمل جديد

المزغني

سمر المزغني لـ"المجلة": لا كتابة خارج الشرط الإنساني

بدأت الكاتبة التونسية سمر سمير المزغني رحلتها مع الكتابة في سن السابعة، وتركت بصمة حين سُجلت عام 2000 في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بوصفها أصغر كاتبة قصة قصيرة في العالم، وفي 2002 سجلت في الموسوعة نفسها الكاتبة الغزيرة الإنتاج الأصغر في العالم لتجاوز إنتاجها المائة قصة قصيرة وهي لا تزال طفلة.

لم يخف وهج شغفها بالكتابة لكنها ابتعدت عن عالم الصغار، لتنسج قصصا برؤية وأدوات مختلفة، حيث أصدرت 14 كتابا معظمها قصص قصيرة، وروايتين هما "أشياء" و"عشاء لثمانية أشخاص".

حصلت المزغني على درجة الدكتوراه عن أطروحتها "في تحليل الخطاب النقدي" من جامعة كمبريدح البريطانية، وأدرجتها "بي بي سي" ضمن قائمة 100 امرأة ملهمة في العالم. حول تجربتها كان لقاء "المجلة" معها.

بين بداياتك طفلة في عالم الكتابة، واليوم، هلا حدثتنا عن هذه الرحلة؟ كيف تطورت تجربتك خلال هذه السنوات؟

بدأت الرحلة في سن السابعة، عندما كتبت أولى قصصي قبل أن يصدر كتابي الأول في العاشرة من عمري. وواصلت كتابة القصص القصيرة للأطفال طوال طفولتي، إذ كنت ولا أزال أؤمن بأن الطفل أجدر بالكتابة للطفل من الكتاب البالغين، لأنه يشترك معه في الفكر واللغة والتجربة. وهكذا اصطبغت رحلتي الأدبية بالتحولات التي طرأت على تجاربي في الحياة في ما بعد.

الطفل أجدر بالكتابة للطفل من الكتاب البالغين، لأنه يشترك معه في الفكر واللغة والتجربة

اختلفت القصص التي كتبتُها في العشرينات من عمري عن تلك التي كتبتُها في طفولتي، إذ صارت مكثفة أكثر، وموجهة الى قراء أكبر عمرا. والآن أكتب الرواية، ولا أزال أتلمس طريقي مع جمهور جديد، وإن كان جزء منهم هم الأطفال الأوفياء أنفسهم الذين قرأوا قصصي أثناء طفولتنا، ثم كبروا معي.

الكاتبة سمر المزغني

الأدب مزايا وحدود

تكتبين الرواية والقصة القصيرة، كيف تجدين الانتقال بين هذين النوعين؟

للوهلة الأولى يبدو انتقالا مؤلما وعسيرا. وأحسب أحيانا أنني كلما انصرفت عن القصص القصيرة إلى الرواية، كتابة وقراءة، أخون الحبيب الأول. وفي ذلك توهم، لأن التنقل بينهما لم يكن يوما قاطعا، وإنما رحلة مراوحة وغوص مستمر في كليهما. لذلك تأسرني الرواية القصيرة، والقصة الطويلة، والروايات المكتوبة على شكل قصص متسلسلة، والقصص القصيرة ذات النفس الروائي.

بالتأكيد، لكل منهما مزايا وحدود خاصة، ولكنهما لا تتصارعان في داخلي، وإنما تحدد الحكاية المتشكلة في ذهني جنسها المناسب. وبشكل عام، فإن الرواية تستوجب نفسا أطول، في حين تتطلب القصة القصيرة نفسا أعمق. والمهم بالنسبة إلي ألا أتوقف عن التنفس.

تكتبين أيضا قصص الأطفال، هلا حدثتنا عن هذه التجربة؟

لم أكتب قصص الأطفال منذ أكثر من عشرين سنة. فكما ذكرت، توقفت عن ذلك منذ مغادرتي سن الطفولة. وما أذكره أن القصص كانت بالنسبة إلي، كقارئة وكاتبة طفلة، لعبة أخرى من لعب الأطفال، ولكنها الأكثر إمتاعا وإدهاشا وإثارة. لهذا فإنني شديدة الامتنان لهذه التجربة، لأنها جعلت طفولتي وافرة السخاء والسعادة، وأضفت عليها معنى راسخا يحدد غايتي في الوجود.

كيف يمكن مخاطبة الأطفال والناشئة اليوم وفهم عالمهم، وسط كل هذه التطورات التكنولوجية، وهل تعتقدين أن القراءة يمكن أن تساعدهم في خوض تحديات هذه المرحلة؟

ما زلت أرى أن أصدق من يخاطب الأطفال هم الأطفال أنفسهم، وأننا نحن الذين نكابد الذاكرة لنتـعلق بثوب طفولة ماضية، لا نفهم شيئا من عالم الأطفال اليوم. ومع ذلك، بغض النظر عن المراحل العمرية والأزمنة المتغيرة، فإن القراءة هي عدة أدوات لا غنى عنها لفك الواقع المعطوب وفهمه.

المزغني توقع روايتها

توأمة المتناقضات

في روايتك "عشاء لثمانية أشخاص"، تميلين إلى الكوميديا السوداء. كيف ساعدك ذلك في طرح الأفكار والقضايا التي تريدين طرحها؟

هي رواية عن فساد السلطة والتغير المناخي والذكورية الهشة، وكلها أزمات راهنة ولكنها مستنزَفة في الأخبار ومستنزِفة للنفوس والعقول. فهي شائكة وثقيلة. لهذا أتاحت لي السخرية والكوميديا السوداء أن أطرحها بشكل مغاير، من زاوية مختلفة، وبِوقع يستثير القارئ للتفكير في موقعه من هذه القضايا والضحك عليه في الوقت نفسه.

الأدب يغور في الكهوف المظلمة ويسلط نور الفكر عليها أملا في محاربة الظلال

 وهكذا يسحب النص القارئ جاعلا منه الشخص التاسع في العشاء، ليتورط في أحداث وشخصيات ومفارقات عجيبة تترافق فيها الكوميديا والتراجيديا كتوأمين متلاصقين.

غلاف رواية "أشياء"

في روايتك "أشياء"، تبرزين بأسلوب رمزي بأن الشيء ليس ملكا لصاحبه بل الشيء هو المالك، وكل هذا في رحلة البحث عن الخلاص، ما هو الخلاص الذي تجاهدين لتحقيقه عبر هذه الرواية؟

ككل الأعمال الأدبية، تطرح الرواية السؤال دون فرض إجابة نهائية. فالأدب يغور في الكهوف المظلمة، ويسلط نور الفكر عليها، أملا في محاربة الظلال. وهذه بالذات عملية تشاركية، للقارئة والناقدة الدور الأكبر فيها. "أشياء" تحاكي الواقع المادي الذي يسلبنا إنسانيتنا، حيث نتوحد مع الشيء حتى يفوقنا الشيء قيمة وحضورا، كما فعلت الأشياء في النص حين استولت عليه لتصبح بطلة القصة. لربما يبدأ الخلاص بالتفكير في السؤال.

سمر المزغني

ثراء مربك

نعيش مرحلة عاصفة وحافلة بالتحولات والأحداث، هل تؤثر هذه الأحداث في عملك الأدبي؟

لا كتابة خارج الشرط الإنساني. كل ما يحدث خارج الكاتبة وداخله، ينعكس على أعمالها. قد تتجلى هذه التأثيرات في حينها، أو تترسب لزمن أطول قبل أن تُبث على الورق. الحق أن جزءا كبيرا من هذه الانفعالات يحدث في اللاوعي، ولا توجد معرفة دقيقة لكيفية عبورها إلى النص.

خضت التجربة الأكاديمية، حيث حصلت على الدكتوراه في جامعة كمبريدج، هل يشكل العالم الأكاديمي دافعا إلى الأمام في مسيرتك الأدبية، أم أنه يشكل عائقا؟

في البدء كان عائقا، لأن دراسة الدكتوراه استنفدت، طوال السنوات الخمس التي انتـزعَتها، جهودي الفكرية وطاقتي النفسية وقواي الجسدية. والتفكير المنهجي الصارم شوّش ملكة الإبداع وتعسف على المخيلة، إلى حد ما.

ثمة ثراء وتنوع لافت في الأعمال الروائية التونسية والعربية يبشر بنقلة نوعية في هذا الجنس باللغة العربية

 ولكن تلك التجربة بالذات هي التي ثبتت قدمي على طريق الكتابة، لأننا لا ندرك حقا قيمة التجربة إلا حين نفتقدها. كما أن المعارف والتجارب في سبيل أطروحة الدكتوراه زودتني أدوات وقدرات فكرية جديدة أَثْرت في ما بعد أعمالي الإبداعية وجهزتني للخوض في مستنقعات الرواية.

كيف تنظرين إلى الرواية التونسية خصوصا والعربية عموما في وقتنا هذا؟

ثمة ثراء وتنوع لافت في الأعمال الروائية التونسية والعربية يبشر بنقلة نوعية في هذا الجنس باللغة العربية. الرواية تحتل موقعا ذهبيا في الأدب العالمي والعربي، رغم أنها تحولت إلى سوق تنافسية تفرض تراكمية ذات حدين، مما يمكنه أن يربك القراء والكتاب والنقاد. ولكني أميل إلى رؤية الجانب الأكثر إشراقا.

ما الذي تعملين عليه حاليا؟

أعمل على مخطوطة كتاب جديد، لم يحن بعد أوان الكشف عنه. وأتعلم بشكل يومي من قراءاتي وتمارين الكتابة التي أثابر عليها.

font change