نادية النجار لـ"المجلة": أدب الطفل هو الأكثر إشراقا في عالم الكتابة

روايتها "ملمس الضوء" رشحت لجائزة "بوكر"

نادية النجار

نادية النجار لـ"المجلة": أدب الطفل هو الأكثر إشراقا في عالم الكتابة

على الرغم من أن الروائية الإماراتية نادية النجار تجد متعة كبيرة في الكتابة للأطفال، لكن هذا لم يمنعها من كتابة القصة القصيرة والرواية للبالغين، حيث أصدرت عددا من الروايات من بينها "منفى الذاكرة" و"مدائن اللهفة" و"ملمس الضوء" التي أهلتها للوصول إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية دورة عام 2025.

وفي مجال أدب الطفل أدرجت قصة "النمر الأرقط" ضمن منهج اللغة العربية في دولة الإمارات، واختيرت قصة "نزهتي العجيبة مع العم سالم" ضمن اللائحة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. بينما أهلتها قصة "أصوات العالم" إلى الحصول على جائزة العويس للإبداع في دورتها السادسة والعشرين.

عن هذه التجربة المتنوعة تحدث النجار لـ"المجلة" في الحوار التالي.

لماذا اتخذت من ثيمة الضوء موضوعا أساسيا في روايتك "ملمس الضوء" التي ترشحت للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025؟

في البدء شغلتني أسئلة كثيرة، منها: ما هو العمى؟ وما أسبابه الطبية؟ وكيف يعيش الكفيف، ويتخيل ما حوله؟ وماذا تعني له الألوان؟ وماذا يشاهد في أحلامه؟ والسؤال المهم، ماذا يعني الضوء للكفيف، وللمبصر كذلك؟ ومن تلك الأسئلة بدأتُ رحلتي في كتابة الرواية واكتشاف ملمس الضوء مع البطلة نورة الكفيفة، راوية الأحداث، من خلال صور فوتوغرافية قديمة تعود إلى جدها، والتي أخذتها إلى الماضي.

في "ملمس الضوء" كنتُ في رحلة اكتشاف ماهية الضوء عبر سرد تتحرك فيه الحواس كلها ما عدا البصر، وتمتزج فيه ذاكرة ما قبل النفط في منطقة الخليج العربي بالحاضر، وفهم ما وراء الصور الفوتوغرافية. هكذا، صار الضوء موضوعا أساسيا في الرواية، ليحفز القارئ على أن يرى ما حوله رؤية أعمق، ويكتشف الضوء الحقيقي بالنسبة إليه.

بين البحث والكتابة

اخترت أن تكون نورة بطلة الرواية كفيفة، فهل اعتمدت في تفاصيل شخصيتها على معايشتك لكفيف ما أم عمدت إلى البحث في هذا الجانب؟

شخصية نورة ولدت بعد بحث دقيق. بحثت عن العمى، وعن أنواعه، وأسبابه الطبية، وقرأت الكثير من الدراسات والمقالات عن الموضوع نفسه، وقابلت أشخاصا مكفوفين، خاصة ممن لا يمتلكون ذاكرة بصرية وفقدوا البصر في عمر مبكر، وحملت تطبيقات خاصة بالمكفوفين في هاتفي. كما قرأت كتب هيلين كيلير، وكتاب "الأيام" لطه حسين، وغيرها من الكتب، وشاهدت أفلاما وثائقية عن العمى.

 في "ملمس الضوء" كنتُ في رحلة اكتشاف ماهية الضوء عبر سرد تتحرك فيه الحواس كلها ما عدا البصر، وتمتزج فيه ذاكرة ما قبل النفط في منطقة الخليج العربي بالحاضر

 تابعت كذلك حسابات مؤثرين كفيفين في وسائل التواصل الاجتماعي. وتعرفت الى طريقة "برايل" التي تمكن المكفوفين من القراءة والكتابة، وجربت استخدام العصا البيضاء.

أردتُ الابتعاد عن الصورة النمطية للكفيف، وألا تتحدث نورة بوصفها ضحية، بل إنسانا يجد وسائل بديلة للرؤية، ويبدع ويحلم. ولم أبدأ بالكتابة إلا بعد أن وجدت نفسي مستعدة لأتمامها.

استغرقت أربع سنوات في كتابة "ملمس الضوء"، ما السبب؟

بدأتُ بكتابة الرواية قبل جائحة كوفيد19، حتى أنجزت قرابة الربع الأول منها، ثم تغير العالم بأسره في أثناء تلك الفترة، وفي طبيعة الحال تأثرت كذلك، ووجدت تلك الفترة الزمنية تدخل في زمن الرواية دون أن أخطط لذلك، فغيرت بعض تفاصيل الرواية وأحداثها ونهايتها تحديدا.

غلاف رواية "ملمس الضوء"

اضطررت إلى التوقف مرارا لإجراء بحث إضافي في تاريخ المنطقة، أو بعض التفاصيل التي احتجت إليها عن طبيعة المناطق الجغرافية المختلفة في الرواية وتاريخها، وأرشيفات الجرائد القديمة، وأعدت كتابة فصول بعد أن جربت تطبيقات مخصصة للمكفوفين لكي أتأكد من واقعية التجربة. بين البحث والتنقيح انقضت أربع سنوات حتى شعرت بأن النص بلغ المستوى الذي أريده. 

عوالم الدهشة

كنت ممن واصلوا الكتابة بعد الفوز بجائزة "الإمارات للرواية" عام 2015، فما الذي دفعك الى الاستمرار، وكيف تفسرين أن هناك أسماء تغيب تماما بعد الحصول على الجوائز؟

الفوز بجائزة الإمارات للرواية عن روايتي "مدائن اللهفة" كان بالنسبة إلي بمثابة ضوء أخضر لأستمر في الكتابة. الجوائز قد تحتفي بكتاب واحد، لكن الكاتب الحقيقي يظل في بحث مستمر وكتابة لا تتوقف.

Three Lions/Getty Images
مبنى سكني في جدة قبل الطفرة النفطية

تكتبين كل يوم كما قلت أكثر من مرة، ماذا تمنحك الكتابة اليومية، وهل تنشرين كل ما تكتبين أم هناك بعض الكتابات لا تزال زالت معلقة؟

ألتزم الكتابة اليومية إن استطعت، وتكون عادة في النهار. ليس من المهم أن أنشر كل ما أكتب، إنما المهم أن أكتب.

تنقلت بين كتابة الرواية والقصة القصيرة وقصص الأطفال، لماذا هذا التنوع، وكيف تمنحين كل مجال أدواته الخاصة في السرد والأفكار وما إلى ذلك؟

كل عمل جديد هو تجربة فريدة، وهو الذي يقرر شكله ونوعه. أحيانا تأتيني فكرة مكتملة ومكثفة فتصلح لقصة قصيرة، وأحيانا تستدعي شخصيةٌ أو فكرة ما حيوات متشابكة فتمتد إلى رواية. أما أدب الطفل فله مكانة خاصة في قلبي، فهو يمنحني متعة وسعادة مضاعفة، خاصة عندما أرى نصوصي تتحول إلى كتب تحوي رسومات جميلة في أيدي الأطفال.

أكثر إصداراتك جاءت في مجال الكتابة للأطفال، ما الذي تريدين إيصاله الى الطفل عبر أكثر من تسعة إصدارات؟

أكتب للأطفال لأن الكتابة لهم تفتح لي عوالم مدهشة مما يتيح لي فرصة الإبداع والتخيل، ولأحاول أن أقدم نماذج كتب عربية قادرة على أن تقدم الى الطفل العربي الخيال والمتعة والمعرفة والدهشة، وتفتح له أبواب الأسئلة.

أحاول أن أقدم نماذج كتب عربية قادرة على أن تقدم الى الطفل العربي الخيال والمتعة والمعرفة والدهشة، وتفتح له أبواب الأسئلة

 أدب الطفل بالنسبة إلي هو الجانب الأكثر بهجة وإشراقا في عالم الكتابة. أحبُ مقابلة القراء الصغار والاستماع إليهم. وإضافة لإصداراتي التي ذكرتها في هذا المجال، أستعد حاليا لإصدار عمل جديد.

مساحات آمنة

هل تواجهك تحديات معينة كونك كاتبة أنثى، سواء في طرحك لبعض القضايا أو في نظرة المجتمع لك، وكيف تتغلبين على هذه التحديات؟

مُنحت المرأة فرصا واسعة في دولة الإمارات، لكن التحدي الحقيقي يكمن في أن أكتب ما يلامس أفراد المجتمع وقضاياهم وهمومهم، فحين أكتب لا أفكر بسوى الإنسان، بغض النظر عن الأمور الأخرى.

GIUSEPPE CACACE / AFP
نساء محجبات على شاطئ دبي يشاهدن رياضيي الكايت سيرف

يلاحظ أن عدد الروائيات الإماراتيات يكاد يكون ضعف عدد الروائيين، فلماذا تتجه النساء الى الكتابة أكثر من الرجال؟

أظن أن المرأة وجدت في الكتابة مساحة آمنة للتعبير، خاصة مع ازدهار مبادرات القراءة، وبرامج دعم الكاتبات في الإمارات، وورش الكتابة التي تقدمها المؤسسات الثقافية. كما أن المرأة قارئة نهِمة، وساردة بارعة في طبيعتها. الأمر في النهاية ليس سباقا بين الجنسين، بل احتفاء بتنوع الأصوات.

 

font change

مقالات ذات صلة