عبد الرحمن سفر لـ"المجلة": جائزة "القلم الذهبي" حافز مهم لمواصلة الكتابة

"أغلال عرفة" رواية رعب نفسي والفانتازيا تفتح آفاق الكاتب

عبد الرحمن سفر

عبد الرحمن سفر لـ"المجلة": جائزة "القلم الذهبي" حافز مهم لمواصلة الكتابة

فازت رواية الكاتب السعودي عبد الرحمن سفر "أغلال عرفة" في الدورة الأولى من جائزة "القلم الذهبي" وهو ما وضعه على طريق الحضور الأدبي، وفي رصيده كتاب سبق روايته هذه، أصدره عام 2020 بعنوان "لصوص النار – قصة العبقرية".

ورغم ما أثير عن "أغلال عرفة" من أفكار نتيجة للقراءات النقدية خلال مرورها بقوائم الجائزة، مثل فكرة إنها تصنف ضمن "أدب السجون"، أو فكرة تأثرها برواية "الجريمة والعقاب" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، إلا ان من أهم ما يميزها أنها تستند في جوها العام الى رؤية كاتب شاب تتشابه مع رؤية جيله، لذلك ظهر الحضور الأليف لمواقع التواصل الاجتماعي، والانجذاب لمقاطع الفيديو وغير ذلك من أجواء تميز هذا العصر استحضرها سفر بسهولة، فالرواية كما يؤكد في حديثه الى "المجلة" توثق الفترة التي يعايشها.

هل كنت تتوقع فوز روايتك "أغلال عرفة" بجائزة "القلم الذهبي". وكيف تنظر إلى هذا الفوز؟

لم أتوقع البتة الفوز بالجائزة لأسباب عدة، كون رواية "أغلال عرفة" أول عمل روائي لي (ثاني كتاب في مسيرتي الكتابية)، وكون الرواية لم تنشهر ولم تناقش في محافل أو حسابات المؤثرين في الشبكات الاجتماعية، فلم يلتفت إليها الكثيرون، وكوني كذلك غير مشهور. وهذا ما فاجأني وسرني، وطمأنني إلى أن لجنة تحكيم الجائزة كانت تبحث عن أعمال رصينة وأصوات جديدة، مما جعلني أؤمن بمصداقيتها واحترافيتها.

"أغلال عرفة" هي رواية رعب نفسي في المقام الأول، وهي تطوع الموروث الديني والتقاليد لخدمة ذلك الهدف

الفوز بجائزة "القلم الذهبي" يعد أحد أهم إنجازات حياتي وأقربها إلى قلبي، فكوني موظفا يعمل بدوام كامل، يكرس أوقاتا للكتابة بدل مجالسة العائلة والأصدقاء والترفيه عن النفس، ويشكك في مقدرته الكتابية وشغفه بالكتابة، ويتحرج عن ترويج روايته في مختلف المحافل والشبكات الاجتماعية، فكان التتويج بالجائزة مكافأة ومحفزا مهما للاستمرار في الكتابة، كما عزز إيماني بجهود دولتي الحبيبة في تمكين الأدب والساحة الثقافية، وأجزم أن زملائي في رحلة الجائزة يؤمنون بذلك مثلي.

توثيق روائي

صنف بعضهم الرواية ضمن "أدب السجون"، في حين صنفها بعضهم ضمن الرواية النفسية، كيف تصنفها أنت، وما الذي أردت قوله من خلالها؟

رواية "أغلال عرفة" هي رواية رعب نفسي في المقام الأول، وهي تطوع الموروث الديني والتقاليد لخدمة ذلك الهدف. أتفهم رغبة البعض في تصنيفها كأدب سجون، لكنني كتبتها بنية بث الرعب والقلق في قلوب القراء، وكذلك تسليط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة، فكان السجن البيئة المناسبة لخلق الجو الخانق والحوارات الكئيبة لتدعم ذلك الهدف، وآمل أن أكون قد حققته.  

غلاف "أغلال عرفة"

من خلال شخصية عرفة المسجون بتهمة ارتكابه جريمة قتل، تغوص في ماضي هذه الشخصية، لا سيما العلاقة السيئة مع والده، وطفولته البائسة نتيجة ذلك، وهو ما دفع البعض إلى القول إنك تأثرت برواية "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي، فهل هذا صحيح؟

الحق أن عرفة هو الشخصية الفريدة التي بنيتها انطلاقا من تجاربي ومشاهداتي الخاصة، واحتكاكي بأبناء جيلي وأقراني ومعرفة هموهم وتحدياتهم. فعرفة يظل شخصا موجودا في حياتنا اليومية، وقد نسيء فهمه ولا نعرف دوافع تصرفاته وسلوكياته، فوجب علي الخوض في تحليله النفسي وإنشاء ملف يفكك شخصيته.

أما مقارنته بشخصية راسكولينكوف في رواية "الجريمة والعقاب" فجاءت في إطار البحث العلمي المذكور في الرواية، وكان بدافع تقريب مفهوم الشخصية للقارئ وفهمها بشكل أفضل.

نرى حضور التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو وما شابه ذلك، ضمن الإطار السردي للرواية، فهل تعتقد أن هذه الأمور باتت جزءا أساسيا من تجربة جيلك؟

 بالتأكيد، فالرواية تحاول توثيق فترة مهمة نمر فيها (أو كنا نمر فيها)، آمل أن تمكن الأجيال المستقبلية من معرفة حال جيلنا وما عاصرناه خلال وباء كوفيد19 وتغلغل الشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا في حياتنا.

الدافع الرئيس كان إظهار أن الشر ليس كائنا فضائيا أو وحشا أسطوريا، بل هو شخص يعيش بيننا، ويؤمن ذلك الشخص أنه يبذل جهده لصالحنا، ولكنه في الحقيقة يصيب ويخطئ

كما أنها كانت أداة سردية لإضافة لمسة واقعية تدمج القارئ أكثر بين صفحات الكتاب. وكان بالنسبة إلي مؤشر نجاح حين يتساءل القراء عن حقيقة القصة، إذ أن بعضهم قد بحث عنها في الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعية.

الحدث الأهم

توقف بعض النقاد عند قسوة العالم العائلي في الرواية، لا سيما من خلال علاقة الابن بأبيه، والتسلط الذي يمارسه الأخير على أفراد الأسرة، ما الذي دفعك إلى الغوص في هذا العالم؟

الدافع الرئيس كان إظهار أن الشر ليس كائنا فضائيا أو وحشا أسطوريا، بل هو شخص يعيش بيننا، ويؤمن ذلك الشخص بأنه يبذل جهده لصالحنا، ولكنه في الحقيقة يصيب ويخطئ، فكان اختيار الوالد كشخصية غائبة حاضرة خيارا منطقيا. إذ يخبرنا عالم النفس سيغموند فرويد أن الفتى لا يصبح رجلا إلا بإذن أبيه، وذلك كان أحد أغلال عرفة التي لم يتمكن من مواجهتها أو التحرر منها رغم محاولته، كما أني أؤمن أن الكثير من أبناء جيلي عانوا من تربية الأب المتدين الصارم، فطوعته ليخدم السردية ولبناء حالة عرفة النفسية. أما الدافع آخر لذلك فهو أهمية بناء الملف النفسي لعرفة، ومحاولة تفسير (وليس تبرير) تصرفاته.

سفر خلال استلام الجائزة

بدأت الكتابة عام 2008 عندما كنت طالبا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فما الذي دفعك حينها الى خوض تجربة بعيدة عن تخصصك الدراسي؟

كنت أعاني وقتها من تجربة دراسية عسيرة متعثرة، تأثرت فيها نظرتي الى نفسي، فحاولت تطويع الكتابة لمنح قيمة لذاتي، خاصة أن الكتابة الإبداعية في منظوري هي نقيض الحياة الأكاديمية (والحياة الوظيفية كذلك) المؤطرة بشروط وأحكام تقيد حياة المرء وطريقة تفكيره، وتجبره على الانصهار في بوتقة تمنعه من تميزه الحقيقي والعمل على شغفه. كما أن انبهاري بالكتاب الجادين الذين تركوا بصمتهم في التاريخ، واحترامي لهم، ألهمني أن أسلك هذا المسار.

روايتك الأولى التي لم تر النور، كنت قد كتبتها باللغة الإنكليزية، لكنك لم تستكمل هذا المشروع، ثم عدت إلى العربية في كتاب "لصوص النار"، هلا حدثتنا عن ذلك؟

 تسعى هذه الرواية لفهم الأسباب والدوافع التي قادت إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، عام 2001 في مدينة نيويورك، إذ أن هذه الحادثة تعد أحد أهم أحداث القرن الحادي والعشرين، وأثرت على حيواتنا بشكل أو بآخر، ولما بدأت اطلع على تفاصيلها اكتشفت تعقيدها، ولم أجد حتى الآن عملا عالجها بشكل يقنعني.

المناخ العام في السعودية يشجعنا على تكريس جهودنا واحترام شغفنا، فنرى دعما بمختلف الألوان لمختلف الفئات لخلق تجارب جديدة

أعمل حاليا على ترجمة هذه الرواية إلى اللغة العربية، وهي قريبة إلى قلبي، فهي عملي الإبداعي الكتابي الأول، وكنت وقتها أميل إلى قراءة الكتب الإنكليزية سواء في الأدب أو العلم، إذ أني كنت أحاول تطوير مهاراتي البحثية والسردية (خاصة أن معظم المصادر التي كنت أطلع عليها كانت متاحة باللغة الإنكليزية، حتى لو كان أصلها كاتبا لم يكتبها بهذه اللغة، والكثير منها لم يترجم بعد الى اللغة العربية). كما أن حياتي الاحترافية أجبرتني على تبني اللغة الإنكليزية أكثر من العربية، وهذه الحالة تغيرت اليوم جذريا.

غلاف "لصوص النار"

للحرية مساحات

أعلنت في العام الماضي الشروع في كتابة رواية رعب فانتازيا، وعنصر الرعب نجد بعض تجلياته أيضا في "أغلال عرفة"، فما الذي يجذبك إليه في أدب الفانتازيا والرعب؟

الفانتازيا تمنحني مساحة حرية ولا تكبلني بأي أغلال بعكس "أغلال عرفة"، حيث حرصت على بناء ملف بحثي جاد يتبع أسسا صارمة، فالفانتازيا تسمح للكاتب بالتوسع في أفكاره، وإذا أحسن تطويعها فإنها تفتح أبوابا للنقاش والتداول، لكنها تظل مغامرة أحاول خوضها بحرص وتأن، لأنها إذا لم تعالج بحرص، فسيبدو المخرج النهائي كسولا أو هزيلا.

عبد الرحمن سفر

أما الرعب فلطالما أسرني، سواء في الروايات أو الأفلام، إذ أن تجسيد ما يرعبنا يلامس الذات البشرية وحالتها، ويمكننا من فهم مشاعرها واستكشافها، وهذا ما أشار إليه عرفة في محاضرته عن أفلام الرعب في الرواية.

كيف تنظر إلى مستقبل الرواية في المملكة، وهل تتوقع أن يتمكن أبناء جيلك من ترسيخ أنماط سردية، مثل أدب الرعب، تخرج عن الأنماط المكرسة حتى الآن؟

 متفائل جدا بمستقبل الرواية السعودية، إذ أرى كثرا منهم يهتمون بالرواية ويقدرونها، ونحن بالتأكيد جيل محظوظ، فنحن منفتحون على العالم، وفي الوقت نفسه نحترم إرثنا الثقافي، مما يهيئنا للكتابة في شتى الأمور والخوض في ثيمات تجريبية جديدة. كما أن المناخ العام في السعودية يشجعنا على تكريس جهودنا واحترام شغفنا، فنرى دعما بمختلف الألوان لمختلف الفئات لخلق تجارب جديدة، ويشمل ذلك برامج كتابية، ومعتزلات أدبية، وتبادلا ثقافيا وجوائز، وغيرها الكثير.

كل ما آمله أن يكون أقراني جادين في كتابتهم، وأن يقدروا حرفة الكتابة أكثر من بريق لقب "الكاتب".

font change