في روايتها "حسنا إذن"، الصادرة أخيرا عن دار "ألبان ميشال" الفرنسية، تعود أميلي نوتومب إلى حقل خبرتها الذي صنع اسمها في سماء الأدب، عبر تناولها موضوعي الطفولة كجرح، والعائلة كمسرح للانكسار، موظفة اللغة كوسيلة للبقاء. غير أن الجديد في هذا العمل هو أنه يذهب أبعد من مجرد استعادة لطفولة ما أو تذكر قسوة الأم، حين يجعل من عبارة صغيرة جدا "حسنا إذن" أو "لا بأس" مركز عمل سردي متميز.
العبارة السحرية
جملة واحدة تتكرر حتى تتحول إلى ما يشبه سلاحا أو درعا لغوية تعمل على حماية طفلة هشة من الانهيار، كما في اللحظة التي تكتشف فيها أدريان هذه العبارة لأول مرة "حدث انزلاق في عقلها، فقد الكون توازنه تحتها وأصيبت بصاعقة اكتشاف معجزي يتلخص في كلمتين: حسنا إذن... بما أنني الآن مسلمة للجلادة، سأنظر إليها مباشرة في عينيها وسأخفي حسنا إذن الذي ستنقذني".
ابتداء من هنا، تجعلنا الروائية نتأمل هذه الجملة، البسيطة في ظاهرها، كأنها فلسفة حياة كاملة: القدرة على تحويل السقوط إلى فرصة للوقوف، والهزيمة إلى صيغة بقاء، إذ يتعدى نص "حسنا إذن" البراءة الضائعة أو الرسم المتقن لملامح طفولة وردية، ليشكل نصا صادما، مرعبا أحيانا، يتمتع بجمالياته وإيقاعه، فقد جعلت منه الروائية مسرحا لمواجهة مكشوفة بين براءة الطفولة وشراسة الكبار، بين الحاجة إلى الحب وحضور القسوة كقانون أساس في البيت.
تضعنا الكاتبة منذ الصفحات الأولى من العمل أمام صدمة لا تنسى: جدة ترغم حفيدتها على التهام طعام لا تطيقه حتى تتقيأ، ثم تجبرها على ابتلاع قيئها: "أيتها الفتاة القذرة! (صاحت الجدة) لحسن الحظ أنك تقيأت في الطبق! سيكون أسهل لتعيدي أكله... نهضت أدريان ونظرت بهدوء إلى الصحن، ثم التهمت القيء دون أن توسخ وجهها".