يعقل أن تذهب إلى معرض فني من أجل رؤية لوحة واحدة. لوحة سبق لك أن أحببتها حين رأيتها أول مرة. ولكن سيقال "ذلك لا يصح مع فنان له مكانة مهمة في التاريخ الفني مثل الفرنسي جان فرنسوا مييه".
في الذكرى 150 على وفاته يُقام معرض استعادي له في "ناشيونال غاليري" بلندن. كل لوحات المعرض استعيرت من مجموعات فنية بريطانية إلا لوحة واحدة تكرم متحف أورسيه الباريسي بإعارتها، وهي اللوحة التي ذهبت إلى المعرض من أجلها، على الرغم من أنني سبق ورأيتها مرات عدة، وذلك بسبب شغفي بها.
مييه (1814 ــ 1875) هو أحد أهم رواد ومؤسسي الاتجاه الواقعي في الرسم الذي هو بمثابة فاصلة مريحة بين الاتجاه الرومانسي الذي وقف على رأسه دولاكروا والاتجاه الإنطباعي الذي كان من أهم رموزه كلود مونيه وإدوار مانيه وتولوز لوتريك وإدغار ديغا وأوغست رونوار، أما فنسنت فان غوغ وبول سيزان فقد بدآ انطباعيين وسرعان ما تحولا، ليشق كل واحد منهما طريقه في مغامرة ألهمت التاريخ الفني الكثير من فصول تحولاته.
رسم مييه الفلاحين والحطابين ورعاة الأغنام كما لم يرسمهم أحد من قبل، وذلك سر شهرته. ومن أجل تلك الموضوعات التي عالجها باسترسال عاطفي، أحبه الجمهور ولا تزال سببا في جذب جمهور جديد إليه. وإذا ما عرفنا أن فنسنت تأثر في بداياته بطريقة معالجة مييه لتلك الموضوعات، يمكننا أن نثق في أن الرسام الذي كان إميل زولا مقابله في الأدب الروائي، كان ملهما لرسامي عصره، على الرغم من أن كل المتأثرين به وفي مقدمتهم فان غوغ فارقوه وذهبوا بعيدا عنه في زمن قصير.



