يبدو أن الهروب من أخبار الدمار والحرب أمر جائز، بل وممكن، لا سيما في عالم الأدب والخيال، حيث يمكن الكاتب أن يحلّق بقلمه وأفكاره بعيدا من آلام الواقع وجراحه التي تطارده ليل نهار، بل لعل هذه هي الطريقة المثلى أحيانا للعيش في هذا الواقع المؤلم، عبر اللجوء إلى الخيال، والانتقال بين الماضي والمستقبل، والرحيل في الزمان والمكان، وهو ما نجد أن روائيين فلسطينيين حاولوا فعله من خلال أعمالهم، وإن تباينت عوالمهم وأساليبهم الفنية.
"السفر إلى كعكة القمر " لزياد خداش
في أولى تجاربه الروائية بعد عدد من المجموعات القصصية، ينتقل بنا الروائي والقاص الفلسطيني زياد خدّاش بالزمن إلى الماضي، حيث يفترض أن بطل الرواية حصل على مركبة زمنية تجعله يعود إلى قريته الفلسطينية بيت نبالا، وتحديدا قبل عامٍ واحد من النكبة عام 1947، وتبدو تلك العودة محاولة إنقاذ لتراث القرية واستحضار قوي لذكريات ذلك العالم الذي كان.
يستحضر خداش في هذه الرواية الصادرة عن "مرفأ" (2025) بحساسية شديدة تفاصيل الحياة الفلسطينية في تلك الفترة، بدءا من طريقة تعامل الناس وحركتهم ومشاكلهم البسيطة وحياتهم اليومية وطريقة تجمعهم ومأكلهم وملبسهم، وصولا إلى علاقتهم الحميمة وقصص الحب والهجران، كيف يحتفلون في أفراحهم وكيف يتجمعون في أحزانهم، حكاياتهم في الأمسيات الطويلة والأساطير التي ينسجونها. الطريف في الرواية أن الراوي (وهو الكاتب) يعود إلى الماضي ولكن يبقى كما هو بعمره الحالي، فيجد أباه صغيرا ويلعب معه، ويحكي عن علاقة أبيه بأمه كيف بدأت وإلى أي شيء انتهت، يقابل أحد كبار المثقفين والمناضلين هناك، الذي أسس في ما بعد تنظيما سماه "الزوبعة" من أجل مقاومة العصابات الصهيونية التي بدأت بالانتشار في فلسطين في ذلك الوقت مدعومة بحماية الاستعمار البريطاني.
يخبر زياد ذلك البطل بحقيقته، ويسميه هايل، وبأنه قادم من المستقبل، لكي يكون ذلك الرجل دليله هناك، ويبدأ في التعرف الى تفاصيل عالم الماضي وشخصياته، ويتورط ذلك القادم من المستقبل في حياته بين الناس بل ويتعرض للاعتقال، لكنه سرعان ما يخرج ليعيش أياما مع أسرته في مخيمات اللاجئين، حتى نصل إلى النكسة في عام 1967 التي يختار الراوي فيها أن تكون هي النهاية، ويتوقف السرد.




