السعودية تستقطب الاستثمارات الأجنبية والمقرات الإقليمية للشركات العالمية

675 مقرا ورؤوس الأموال الأجنبية اتجهت الى القطاعات غير النفطية بنسبة 90 في المئة

رويترز
رويترز
حضور الدورة التاسعة من منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" FII، في الرياض 28 أكتوبر 2025

السعودية تستقطب الاستثمارات الأجنبية والمقرات الإقليمية للشركات العالمية

منذ أن اعتمدت القيادة السعودية "رؤية 2030" وانتهجت استراتيجيا تنموية واقعية، بدأت التدفقات الاستثمارية من مختلف الدول تتوجه إلى مشاريع أساسية في المملكة العربية السعودية، وهي تبنت من خلال الرؤية برامج اقتصادية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيدا من الاتكال على الايرادات النفطية. لا شك أن هناك أموالا ضخمة وظفت في القطاع النفطي الذي سيظل أساسيا في الاقتصاد السعودي لعقود مقبلة، ومن هذه المشاريع ما يتعلق بالاستكشاف وإنتاج النفط الخام وكذلك الغاز الطبيعي، ومشاريع التكرير والصناعات البتروكيماوية. لكن هناك مشاريع عملاقة خارج القطاع النفطي حظيت باهتمام واسع من المستثمرين وتشمل ما يتعلق بالطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والمنتجعات السياحية والترفيه ومشروعات الصناعة التحويلية المتنوعة، وعددا من مشاريع الخدمات المتنامية.

ويأتي منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض اليوم، تتويجا للجهود السعودية، وليشكل حدثا محوريا على الخارطة الاقتصادية الإقليمية والدولية، وأبلغ دليل على ذلك ما أعلنه محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، خلال جلسة الافتتاح عن بلوغ حجم الصفقات المبرمة في النسخ السابقة من المؤتمر 250 مليار دولار.

كما انه ليس مجرد استثمارات عابرة، ما أقدمت عليه شركة "هيوماين" منذ تأسست في مايو/أيار 2025، وما تستعد للإعلان عنه من سلسلة منتجات وشراكات. وهي تعمل على بناء قدرات متكاملة في مجال الذكاء الاصطناعي عبر أربعة مجالات أساسية: مراكز البيانات من الجيل التالي، والبنية التحتية ومنصات الحوسبة السحابية عالية الأداء، ونماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة – بما في ذلك "علّام" (ALLAM)، الذي يعدّ أحد أقوى نماذج اللغة الكبيرة العربية ومتعددة الوسائط في العالم والحلول التحويلية للذكاء الاصطناعي، كما تتمثل مهمة الشركة في ترسيخ مكانة السعودية كمركز عالمي للابتكار في الذكاء الاصطناعي وتسريع التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة.

منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" يجمع المسؤولين الحكوميين الكبار وقادة الشركات العالمية، والمستثمرين، لمناقشة فرص الاستثمار الاستراتيجية في السعودية والمنطقة، ويمثل منصة حيوية لتحليل القطاعات الواعدة، وتقييم التحديات الاقتصادية، واستشراف آفاق النمو بعيدا عن الاعتماد التقليدي على النفط، بما يعكس قدرة المملكة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوسيع الشراكات الدولية على الأراضي السعودية.

رويترز

ما تجسده مشاريع الرياض والمدن الرئيسة الأخرى استقطبت الشركات الأجنبية لتأسيس مكاتب وفروع لمواكبة نشاطها المحلي والإقليمي، وأصبحت السعودية ورشة عمل كبيرة في هذه المنطقة من العالم. هذه مظاهر تدل على حيوية العمل الاقتصادي في البلاد وعزيمة الادارة الاقتصادية على تفعيل الطاقات البشرية وتوظيف الأموال من أجل التمكن من بناء اقتصاد وطني مستدام.

تدفقات استثمارية متزايدة

خلال الربع الأول من 2025، بلغت التدفقات الاستثمارية الصافية 5.9 مليارات دولار، مرتفعة بنسبة 44 في المئة عن قيمتها في الربع الأول من عام 2024. شهد النصف الأول من العام تدفق 9.34 مليارات دولار في المشاريع الخضراء التي تشمل مشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع التي تتوافق مع معايير الأنظمة البيئية العالمية. وبالرغم من التوجس من أداء الاقتصاد العالمي نظرا للعوامل الجيوسياسية، فإن السعودية ظلت جاذبة للاستثمار المباشر، وهناك توقعات بأن تكون حصيلة الاستثمار المباشر خلال هذا العام أكبر مما تم خلال عام 2024 حين بلغت قيمة الاستثمارات المباشرة في البلاد 31.7 مليار دولار.

نعمل على جذب الاستثمارات المباشرة وتحفيز رجال الأعمال. يبلغ عدد الشركات الأجنبية المسجلة حاليا 52 ألف شركة، بعدما كانت 5 آلاف شركة في عام 2016، ووصل عدد المقرات الإقليمية للشركات العالمية في الرياض إلى 675 مقرا

وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح

ساعدت في ذلك، المتغيرات القانونية التي أجريت على قانون الاستثمار والنظم الإدارية ذات الصلة، بما جعل السعودية بيئة اقتصادية منفتحة تعمل على تسهيل أعمال المستثمرين المحليين والأجانب وتعزز حقوق الملكية في المؤسسات والشركات السعودية لغير المواطنين. أصبح في إمكان الأجانب تأسيس الشركات وتملك العقار اللازم لممارسة الاستثمار. كما أن التراخيص لأي نشاط اقتصادي يمكن الحصول عليها من خلال أنظمة الكترونية حديثة ومتاحة من الجهات الحكومية.

توزيع الاستثمارات على قطاعات واعدة

في عام 2025 الحالي توزعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية على عدد من القطاعات الاقتصادية. حظي قطاع الصناعات التحويلية بالنصيب الأكبر، ثم جاء قطاع التشييد والبناء وقطاع التمويل والتأمين والبنوك في المرتبة الثانية. يرى اقتصاديون أن هناك قطاعات أخرى، قد تكون واعدة، ومنها قطاع السياحة والترفيه والتعدين. هناك قطاعات ذات أولوية في السعودية، ولذلك تقدم الحكومة السعودية إعفاءات ضريبية وحوافز متميزة للمستثمرين.

رويترز
احدى جلسات رؤساء الشركات العالمية الكبرى في افتتاح الدورة التاسعة لمنتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، 28 أكتوبر 2025

يأتي قطاع الصناعات التحويلية في مرتبة مهمة، وكذلك قطاع الزراعة.  وقد أكد وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، عشية انطلاق مؤتمر "مبادرة مؤتمر الاستثمار"، أن البلاد ستعمل على جذب الاستثمارات المباشرة وتحفيز رجال الأعمال والشركات. وبين الوزير أن عدد الشركات الأجنبية المسجلة بلغ 52 ألف شركة في الوقت الحاضر بعد أن كان العدد 5 آلاف شركة في عام 2016 عند بدء رؤية 2030. وقال إن عدد  الشركات العالمية المرخص لها لإنشاء مقرات إقليمية في الرياض وصل إلى 675 مقرا، بما يتجاوز المستهدف لعام 2030 البالغ 500 مقرا.

أضاف الوزير أن ما يتراوح بين 10 و 12 ترخيصاً لمقر الشركات يصدر شهريا، تؤكد هذه البيانات جاذبية الاقتصاد السعودي في الأوساط العالمية نظرا للمكانة المتميزة للبلاد، بعد أن عززت السياسات الاقتصادية الجديدة تحفيز القطاعات الحيوية والارتقاء بالأداء والكفاءة، يضاف إلى ذلك، تسهيل الادارة الحكومية شؤون التعامل مع المستثمرين الأجانب وتوفير المعلومات حول مختلف الأنشطة الاقتصادية.

وقال الوزير الفالح خلال المؤتمر أن الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية تضاعف 4 مرات على الرغم من التراجع عالميا، موضحا أن 90 في المئة من هذا الاستثمار غير نفطي.

آفاق النمو الاقتصادي السعودي

ولفت البنك الدولي أخيرا إلى أن الاقتصاد السعودي سيحقق نموا بنسبة 3.2 في المئة خلال العام الجاري، وسيرتفع إلى 4.3 في المئة عام 2026، و 4.4 في المئة عام 2027. هذه المعدلات للنمو تفوق ما تحقق في عام 2024 حيث لم يتجاوز معدل النمو 2 في المئة. هناك توقعات بأن تتزايد أنشطة القطاع النفطي، كما أن القطاعات غير النفطية قد تتوسع بنسبة 4.6 في المئة خلال العام الجاري. بالرغم من التوقعات بأن العجز في الموازنة العامة للدولة قد يصل إلى 4.3 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن الإدارة الاقتصادية تؤكد أن التراجع الراهن في أسعار النفط لن يعطل المشاريع الحيوية الهادفة إلى تنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد.

الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية تضاعف 4 مرات على الرغم من تراجعه عالميا، و90 في المئة من هذا الاستثمار "غير نفطي"

وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح

لا شك في أن التحولات البنيوية في الاقتصاد السعودي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع مساهمة القطاع الخاص المحلي والمستثمرين الأجانب في توليد القيم المضافة للناتج المحلي الإجمالي، وكذلك ترشيد الانفاق الحكومي بما يحد من عجز الموازنة، ناهيك عن أن توسع أعمال القطاع الخاص، المحلي والأجنبي، سيوفر إيرادات ضريبية للخزينة العامة.

استمرار أهمية الاستثمار في  النفط

على الرغم من الحديث عن التطورات في إنتاج الطاقات البديلة للنفط، إلا أن المراقبين والمختصين في قطاع الطاقة يحذرون من حدوث أزمة امدادات نفطية خلال الأعوام المقبلة. عزفت الشركات الكبرى عن توظيف الأموال منذ عام 2014 عندما ارتفع مستوى الانتاج النفطي في الولايات المتحدة بسبب تطورات إنتاج النفط الصخري. تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن استثمارات النفط والغاز هذا العام انخفضت إلى 420 مليار دولار، ويعد هذا أول تراجع منذ أزمة جائحة كوفيد 19، وقدرت جهات مختصة أن يؤدي هذا التراجع في الاستثمار في النفط إلى نقص في الامدادات في حلول عام 2040 قد يصل إلى 10 ملايين برميل يوميا.

أ.ف.ب.
برج شركة أرامكو في مركز الملك عبد الله المالي، 3 مارس 2025

هذه التقديرات والتوقعات لا بد أن تدفع المسؤولين في شركة " أرامكو " إلى التمعن ودراسة امكان زيادة الاستثمار في قطاع النفط والغاز حيث تملك السعودية احتياطيات كبيرة تمكنها من مواجهة الطلب العالمي خلال السنوات والعقود المقبلة. وهكذا يمكن الزعم بأن القطاع النفطي في السعودية يظل جاذبا للاستثمار، ويبقى متوافقا مع رؤية 2030 حيث أن تنويع القاعدة الاقتصادية لا يتعارض مع تطوير القطاع النفطي ورفع مستويات الإنتاج النفطي والغازي.

الاستثمار والتنمية البشرية

تدفق الاستثمارات الأجنبية يجب أن يعني اهتماما أكبر بالتنمية البشرية، حيث لا بد أن يكون محفزا لخلق فرص عمل للمواطنين. فالاستثمار يؤدي إلى تزايد أعداد المؤسسات في مختلف قطاعات الأعمال، ولذلك لا بد من تهيئة أعداد لازمة من العاملين من خلال برامج التدريب والتأهيل المهني. وقد برزت في السنوات الأخيرة أهمية التركيز على التعليم المهني داخل البلاد وخارجها بعد أن كان الاهتمام بتهيئة الشباب للتعليم الجامعي. لا شك أن التطورات التقنية وتزايد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي تعزز أهمية التأهيل المهني. ويعمل قطاع البنوك وشركات الاستثمار في السعودية من أجل تحقيق أهداف التنمية البشرية، ويوظف الأموال اللازمة لذلك. كذلك الحال في القطاع النفطي الذي قاد منذ سنوات التأهيل المهني. هذه البرامج رفعت مستوى التقييم للتنمية البشرية في السعودية في المؤشرات الأممية خلال السنوات الماضية. تظل السعودية ذات أهمية اقتصادية على المستوى العالمي، ولذلك هي تجذب الاستثمار المباشر وتعزز امكانات العمالة الوطنية، وبذلك تعزز امكانات نضوج اقتصاد المعرفة.

font change