منذ أن اعتمدت القيادة السعودية "رؤية 2030" وانتهجت استراتيجيا تنموية واقعية، بدأت التدفقات الاستثمارية من مختلف الدول تتوجه إلى مشاريع أساسية في المملكة العربية السعودية، وهي تبنت من خلال الرؤية برامج اقتصادية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيدا من الاتكال على الايرادات النفطية. لا شك أن هناك أموالا ضخمة وظفت في القطاع النفطي الذي سيظل أساسيا في الاقتصاد السعودي لعقود مقبلة، ومن هذه المشاريع ما يتعلق بالاستكشاف وإنتاج النفط الخام وكذلك الغاز الطبيعي، ومشاريع التكرير والصناعات البتروكيماوية. لكن هناك مشاريع عملاقة خارج القطاع النفطي حظيت باهتمام واسع من المستثمرين وتشمل ما يتعلق بالطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والمنتجعات السياحية والترفيه ومشروعات الصناعة التحويلية المتنوعة، وعددا من مشاريع الخدمات المتنامية.
ويأتي منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض اليوم، تتويجا للجهود السعودية، وليشكل حدثا محوريا على الخارطة الاقتصادية الإقليمية والدولية، وأبلغ دليل على ذلك ما أعلنه محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، خلال جلسة الافتتاح عن بلوغ حجم الصفقات المبرمة في النسخ السابقة من المؤتمر 250 مليار دولار.
كما انه ليس مجرد استثمارات عابرة، ما أقدمت عليه شركة "هيوماين" منذ تأسست في مايو/أيار 2025، وما تستعد للإعلان عنه من سلسلة منتجات وشراكات. وهي تعمل على بناء قدرات متكاملة في مجال الذكاء الاصطناعي عبر أربعة مجالات أساسية: مراكز البيانات من الجيل التالي، والبنية التحتية ومنصات الحوسبة السحابية عالية الأداء، ونماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة – بما في ذلك "علّام" (ALLAM)، الذي يعدّ أحد أقوى نماذج اللغة الكبيرة العربية ومتعددة الوسائط في العالم والحلول التحويلية للذكاء الاصطناعي، كما تتمثل مهمة الشركة في ترسيخ مكانة السعودية كمركز عالمي للابتكار في الذكاء الاصطناعي وتسريع التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة.
منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" يجمع المسؤولين الحكوميين الكبار وقادة الشركات العالمية، والمستثمرين، لمناقشة فرص الاستثمار الاستراتيجية في السعودية والمنطقة، ويمثل منصة حيوية لتحليل القطاعات الواعدة، وتقييم التحديات الاقتصادية، واستشراف آفاق النمو بعيدا عن الاعتماد التقليدي على النفط، بما يعكس قدرة المملكة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوسيع الشراكات الدولية على الأراضي السعودية.

ما تجسده مشاريع الرياض والمدن الرئيسة الأخرى استقطبت الشركات الأجنبية لتأسيس مكاتب وفروع لمواكبة نشاطها المحلي والإقليمي، وأصبحت السعودية ورشة عمل كبيرة في هذه المنطقة من العالم. هذه مظاهر تدل على حيوية العمل الاقتصادي في البلاد وعزيمة الادارة الاقتصادية على تفعيل الطاقات البشرية وتوظيف الأموال من أجل التمكن من بناء اقتصاد وطني مستدام.
تدفقات استثمارية متزايدة
خلال الربع الأول من 2025، بلغت التدفقات الاستثمارية الصافية 5.9 مليارات دولار، مرتفعة بنسبة 44 في المئة عن قيمتها في الربع الأول من عام 2024. شهد النصف الأول من العام تدفق 9.34 مليارات دولار في المشاريع الخضراء التي تشمل مشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع التي تتوافق مع معايير الأنظمة البيئية العالمية. وبالرغم من التوجس من أداء الاقتصاد العالمي نظرا للعوامل الجيوسياسية، فإن السعودية ظلت جاذبة للاستثمار المباشر، وهناك توقعات بأن تكون حصيلة الاستثمار المباشر خلال هذا العام أكبر مما تم خلال عام 2024 حين بلغت قيمة الاستثمارات المباشرة في البلاد 31.7 مليار دولار.

