أسئلة الأمس واليوم إلى "حماس" وقيادات الفصائل

لماذا لا يوجد أي مراجعة، أو أي نقد ذاتي؟

أسئلة الأمس واليوم إلى "حماس" وقيادات الفصائل

استمع إلى المقال دقيقة

قتلت إسرائيل أكثر من مئتي فلسطيني في غزة، خلال أسبوعين، أي منذ وقف إطلاق النار في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول (2025)، بادعاء أنهم من "حماس"، وكردٍّ على انتهاكاتها وتلكؤها بتسليم بقية جثث الرهائن.

في المقابل فإن هذه الحركة التي فقدت معظم قدراتها العسكرية، ومصادر الإمداد، لا تجد ما تردّ به، كما في السابق، كالحق في المقاومة، وفرض توازن ردع أو رعب، مكتفية، فقط، بتأكيد تمسّكها بوقف إطلاق النار، واستعدادها تسليم نوع معين من السلاح (الهجومي)، مع رفض نزع السلاح بالكامل، والتمسّك بصيغة تتيح لها فرض ما تريده في المعادلات السياسية الداخلية، كما "حزب الله" في لبنان، علما أن الوضع في غزة أكثر تعقيدا وصعوبة، لا سيما بحكم رفض إسرائيل أي وضع سيادي للفلسطينيين في غزة، أو الضفة.

معلوم أن اتفاق وقف إطلاق النار، وفقا لخطة ترمب، اشترط تفكيك البنية العسكرية للحركة، ونزع سلاحها، وتغيير المعادلات السياسية، عبر تشكيل هيئة دولية وإقليمية، لإدارة قطاع غزة، أقله لمرحلة انتقالية، يتاح خلالها فتح المعابر، وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار.

لا شكّ أن خطة ترمب، تتضمن إجحافا بالفلسطينيين، لتجاهلها أن إسرائيل دولة احتلال، وأنها مسؤولة عن حرب الإبادة الوحشية، التي أدانها العالم كله، ولعدم توضيحها ماهية اليوم التالي للحرب

يستنتج من ذلك أن وضع "حماس"، على النحو الذي ذكرناه، لا يتيح لها مجال المناورة، قياسا بـ"حزب الله" في لبنان، بخاصة أنها وافقت على البنود العشرين، المتضمنة في خطة ترمب، بضمانة من دول عربية وإسلامية، ضمنها تركيا وقطر ومصر. بل فإن رئيس وزراء قطر صرح، مؤخرا، مؤكدا بأن "حماس" وكل الفصائل ستسلم سلاحها وستسلم غزة.

الآن، لا شكّ أن خطة ترمب، تتضمن إجحافا بالفلسطينيين، لتجاهلها أن إسرائيل دولة احتلال، وأنها مسؤولة عن حرب الإبادة الوحشية، التي أدانها العالم كله، ولعدم توضيحها ماهية اليوم التالي للحرب، أو للوصاية على غزة، ما يذكر بذات الخلل في اتفاق أوسلو.

مع ذلك فإن "حماس" تتعاطى بشكل مضطرب مع تلك المبادرة، إذ لم يتبق لها ما تفعله، أو لم يعد لديها القدرة على فعل شيء، في واقع تصرّ فيه إسرائيل على استمرار الحرب، وترجمة خطة ترمب بالنار والقصف والتجويع، في ظرف باتت كل الأطراف تنظر إلى "حماس"، بوصفها الطرف الذي يعطي الذريعة لإسرائيل لمعاودة شن الحرب.

ويمكن التدليل على ذلك بتصريح خليل الحية، القيادي في "حماس"، الذي قال فيه إن حركته لن تقدم أية ذريعة لإسرائيل لاستئناف حربها، وهو تصريح لافت، أولا، لأن قيادة "حماس"، منذ عملية "الطوفان"، ظلت تدعي أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع، في محاولة النأي بذاتها عن المسؤولية عن دفعها، عبر "الطوفان"، نحو شنّ حرب إبادة وحشية ضد فلسطينيي غزة. والثاني، أن "حماس"، التي قبلت خطة ترمب، تحاول التملص منها بطريقة أو بأخرى، من خلال التمييز بين أسلحة هجومية وأسلحة دفاعية، مع أنها، مع الصواريخ، لم تفد شيئا في مواجهة إسرائيل، لا في الدفاع ولا في الهجوم. والثالث، عودتها إلى نوع من الاستعراض لقواتها، بين خرائب غزة، وقيامها بارتكاب إعدامات جماعية علنية دون محاكمات ومن خارج القانون، في محاولة تأكيد سطوتها في غزة، حتى ولو لم تكن في السلطة، في تمثل لتجربة "حزب الله" في لبنان منذ عام 2006.

لماذا حدثت عملية "الطوفان" من خارج أية استراتيجية سياسية أو كفاحية ممكنة ومستدامة ويمكن استثمارها؟ ثم لماذا لم توافق "حماس" على ما وافقت عليه اليوم، منذ الشهر الأول لحرب الإبادة الوحشية والإجرامية الإسرائيلية؟

أما في شأن قصة الذرائع، فقد جانب الحيّة الصواب في مقولته تلك، فإذا صحّ القول إن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع للقتل والاعتقال وهدم البيوت وانتهاك المقدسات، فإنها تحتاج إلى أكبر من ذريعة، أي إلى حادثة كبيرة، تنتهزها كفرصة سانحة، للاحتلال والتوسع، وخاصة لشن حرب إبادة جماعية وحشية، وهذا ما وجدته في عملية "الطوفان"، التي أتت من خارج مفاهيم المقاومة وحرب الشعب طويلة الأمد، وضمن مفاهيم الحرب  بالضربة القاضية، وكحرب كجيش لجيش، وصاروخ لصاروخ، مع إدراكات قاصرة عن أن إسرائيل آيلة للانهيار، وأنها أوهن من خيوط العنكبوت، وأن صواريخ "حماس" ستدكّ حيفا وتل أبيب، وأن "الملائكة" ستقاتل معها، ومع "محور المقاومة والممانعة"، والمشكلة أن "حماس" ومؤيديها باتوا يقولون اليوم بالموافقة على وقف القتال والخروج من السلطة، في حين كانوا يأبون ذلك، قبل دمار غزة. 

يتضح من ذلك أن مشكلة الفلسطينيين، مع الفصائل، أنها باتت متقادمة ومستهلكة، ولم يعد لديها ما تضيفه، أو ما تعمله، وأنها تعيش على تاريخها، وأن كل المنطلقات التي بررت بها قيامها، قبل ستة عقود، باتت مفوتة، أو لم تعد في حسبانها، والمشكلة أن ذلك يجري دون أي مراجعة نقدية ومسوؤلة لتلك التجربة، من الأردن إلى لبنان إلى الأرض المحتلة، ومن دون أي محاسبة حول أين كنا وأين صرنا؟ ومن دون استنباط الدروس اللازمة منها.

مثلا، اليوم، فقط، باتت الفصائل تتحدث عن ضرورة الوحدة الوطنية، وصوغ إجماعات سياسية، وانتهاج استراتيجية كفاحية متفق عليها، وعن تفعيل "منظمة التحرير"، في حين كان يجب أن يتم ذلك قبل أربعين عاما، أقله منذ إخراجها من لبنان (1982)، أو بعد أوسلو (1993)، أو بعد الانتفاضة الثانية (2000-2004)، أو بعد الانقسام (2007)، لكنها لم تفعل، والمشكلة أنها قبلت بخطة ترمب، المتضمنة نزع السلاح، والتخلي عن السلطة في غزة، مع الإذعان لفكرة "إصلاح المنظمة" والسلطة، وفقا للرؤية الأميركية، مع الرضوخ لقيادة خارجية وصية على غزة، وهيئة من تكنوقراط، بعد الكارثة، وتحت الضغط الدولي والإقليمي والعربي، وليس استجابة للضرورة، أو وعيا للظروف والمعطيات والإمكانيات، أو استجابة لإرادة الشعب الفلسطيني!

السؤال الآن: من المسؤول عن الانقسام، وعن مئات القتلى 2007؟ ولماذا حكمت "حماس" غزة 17 عاما، بشكل أحادي، دون مشاركة أي فصيل من حلفائها؟ ولماذا حدثت عملية "الطوفان" من خارج أية استراتيجية سياسية أو كفاحية ممكنة ومستدامة ويمكن استثمارها؟ ثم لماذا لم توافق "حماس" على ما وافقت عليه اليوم، منذ الشهر الأول لحرب الإبادة الوحشية والإجرامية الإسرائيلية؟ أيضا، لماذا لا يوجد، بعد هذه الكارثة، أو النكبة، أي مراجعة، أو أي نقد ذاتي، أو أي حساب للذات، رغم الانتقال من موقف إلى نقيضه؟ ولماذا تذهب الفصال الفلسطينية للواقعية، بعد الخراب، وبعد أن تنكسر، وبعد أن يدفع الشعب الثمن باهظا وليس قبل ذلك؟

هذه هي الأسئلة التي يجب أن تطرح برسم كل القيادات الفلسطينية، في "حماس" وغيرها.

font change