يجدر التأكيد بداية على أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وطيدة وقوية وعميقة من مختلف النواحي، رغم ما يظهر من خلافات أو تعارض في الأولويات والرؤى والمصالح بينهما بين فترة وأخرى، وهذا ينطبق على التجاذبات الحاصلة الآن، ما يفترض عدم المراهنة أو التعويل عليها، وفقا للظروف والمعطيات الدولية والإقليمية الراهنة والمنظورة.
ما يجب إدراكه، أيضا، أن الولايات المتحدة هي الطرف الأقوى، بما لا يقاس، وهي المقرر من كل النواحي، ما يفترض تجنّب تفسير تلك العلاقة بالمؤامرة الكونية، أو بقدرات قدرية للوبي اليهودي في الولايات المتحدة، مثلما يفترض تجنّب الحديث عن أن إسرائيل مجرد دولة تابعة للولايات المتحدة أو بمثابة حاملة طائرات برّية لها.
في هذه المرحلة، تواجه إسرائيل كثيرا من المشكلات أو الأزمات الداخلية والخارجية، رغم قوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، ورغم ما ظهر من جبروتها في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها على الصعيد الخارجي، أولا، انحسار مكانتها، وانكشاف صورتها كدولة استعمارية وعنصرية وكدولة إبادة جماعية، وتاليا تموضعها في مسارات النبذ، ونزع الشرعية، في الرأي العام الدولي، وعلى صعيد المجتمعات والحكومات، على غرار ما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقا. ثانيا، تصدع علاقتها بيهود العالم، إذ تلاشت صورتها كملاذ آمن لليهود، كما انحسرت وكالتها كممثلة لضحايا "الهولوكوست" من اليهود، وهو ما ينعكس على تصدع الإجماعات الداخلية فيها أيضا. ثالثا، تموضعها كدولة تابعة للولايات المتحدة، أكثر من أي مرحلة مضت، فهذه باتت تقرر مسارات الحرب أو وقفها، وطبيعة اليوم التالي في غزة، وهي التي تقرر في شكل الكيان السياسي الفلسطيني، وفي مسألة الدولة الفلسطينية، وفوق كل ذلك فهي التي تتحكم بشكل هندسة المشرق العربي، وشكل العلاقات العربية-الإسرائيلية مستقبلا.
يهمنا هنا التركيز على التغيرات في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، التي باتت تأخذ الأمور بيدها، في شأن غزة، ومستقبل الفلسطينيين، وفي شأن الهندسة الإقليمية في المشرق العربي، ما قد ينجم عنه وضع إسرائيل عند حجمها، السياسي والاقتصادي والعسكري، والذي من شأنه كشف محدودية قواها، وإمكانياتها، في الشرق الأوسط.
ويلخص الصحافي الإسرائيلي اليساري جدعون ليفي ذلك في الآتي: "الإسرائيليون والفلسطينيون يمرّون بعملية متسارعة من تدويل الصراع، مجلس الأمن يتخذ قرارا يحدد اتجاها صحيحا، إسرائيل تعود بسرعة إلى حجمها الحقيقي، ومصير الفلسطينيين يُنتزع، شيئا فشيئا، من سيطرتها الحصرية... القوة العظمى عادت إلى كونها قوة عظمى، والدولة التابعة لها عادت إلى مكانها الطبيعي... لقد انتهى جنون العظمة، وتوقّف جنون الكبرياء لدى الدولة التي كانت تعتبر نفسها قادرة على كل شيء... هذا انتهى". ("هآرتس"، 20/11/2025).


