دواين جونسون يتحدى نفسه في "آلة التحطيم"

بيني صفدي يتبنى أسلوبا وثائقيا لا يخلو من تحديات

دواين جونسون يتحدى نفسه في "آلة التحطيم"

حظي الفيلم السيري الأمريكي "آلة التحطيم" The Smashing Machine بتصفيق الجمهور في "مهرجان البندقية السينمائي" لدى عرضه قبل بضعة أشهر، كما فاز مخرجه بيني صفدي بجائزة أفضل مخرج، ليضع الفيلم على خارطة جمهور محب لأعمال الأخوين صفدي، ومتحمس لمشاهدة هذا التعاون مع النجم دواين جونسون في أول ابتعاد له عن أدواره المعتادة.

هذا التعاون الفريد يعتبر الثاني من نوعه بعد تعاون الأخوين مع آدم ساندلر في "جواهر غير مصقولة" Uncut Gems (2019) الذي اعتبره الكثيرون ضحية موسم الجوائز بعد تجاهله في حفل الأوسكار.

جرعة تواضع

يعود بيني صفدي وحيدا دون أخيه جوش ليقدم قصة حقيقية عن المصارع المحترف مارك كير، اقتبست عن وثائقي بالعنوان نفسه صدر عام 2002. يرافق جونسون في بطولة الفيلم إيميلي بلنت وراين بايدر بالإضافة إلى ألكسندر أوسيك، والأخيران مصارعان محترفان. يتمحور الفيلم حول صراع مارك كير المتجدد مع إدمانه على المسكنات والأفيون، الصعوبات التي تواجهه في محاولة كسب لقمة العيش في رياضة كانت في ذلك الحين لا تزال جديدة، وعلاقته المتوترة مع حبيبته داون ستيبلز (إيميلي بلنت).

ظل جونسون حبيس سلسلة من الأدوار النمطية التي لا تبتعد كثيرا عن شخصيته الحقيقية، ولم تساعد مسيرته محاولاته في تصدر المشهد ضمن مشروع عالم "دي سي" السينمائي مع فيلم "آدم الأسود" Black Adam (2022)، أو التقارير عن حصوله على بند "عدم خسارة" في عقود أفلامه، الذي ينص على أن شخصيته لا تخسر في المشاهد القتالية.

يأتي "آلة التحطيم"، بقصته الحقيقية وأحداثه المرصودة سابقا في فيلم وثائقي، كجرعة تواضع إجبارية وضرورية لمسيرة جونسون التمثيلية.

لذلك يأتي "آلة التحطيم"، بقصته الحقيقية وأحداثه المرصودة سابقا في فيلم وثائقي، كجرعة تواضع إجبارية وضرورية لمسيرة جونسون التمثيلية، وكفرصة له لتقديم ما قد يكون أفضل أدواره، وإثبات مقدرته على الابتعاد عن منطقة الراحة التي توفرها له أفلام الأكشن. ولا يمكن إغفال تشابه الظروف بين مارك كير ودواين جونسون، فكلاهما يسعى إلى تصدر المشهد ومطاردة الأحلام التي تزداد صعوبة بمرور الزمن. رصيد جونسون من الأفلام التجارية بدأ ينخفض، وسوف يصاب الجمهور بالملل تحديدا مع فشل أفلامه على المستوى الفني.

REUTERS/Yara Nardi

الأسلوب الوثائقي

يواصل بيني صفدي تبني الأسلوب الوثائقي، فصور العديد من المشاهد بكاميرا محمولة وحاول تقديمها بأكبر قدر ممكن من العفوية والواقعية. بصريا، يبدو الفيلم باهرا، لاسيما في المشاهد التي صورت في اليابان، حيث تبدو جلية الجهود الضخمة المبذولة لتكون الأماكن مطابقة للصورة التي كانت عليها في تلك الفترة الزمنية (نهاية التسعينات). أما استخدام المؤثرات البصرية في مشاهد الحلبة والجمهور فيظل غير محسوس، والإضاءة بشكل عام تعطي شعورا بحقبة التسعينات.

A24
مشهد من "آلة التحطيم"

يفشل الفيلم في تطوير الشخصيات والعلاقات بينها، وهو ما ليس بالضرورة أمرا سلبيا، ولكن بالنسبة إلى فيلم يرتكز على شخصية بطله وصراعاته مع الإدمان ومع الآخرين من حوله، فإن ما نراه يظل دون المستوى. تظهر العلاقات جافة غير واقعية، وأسلوب التصوير الوثائقي يسهم في إضعاف الحس الواقعي عوضا عن تعزيزه. علاقة مارك المشحونة والسامة مع حبيبته داون تبدو جوفاء خالية من أي بعد درامي، والصراع الثنائي يبدو غير مبرر. في أكثر لحظات الفيلم درامية واستعطافا لمشاعر المشاهدين، تسهم النبرة الوثائقية في التصوير بامتصاص جميع هذه العواطف وإظهار المشهد بشكل بارد. فالمشاهد التي كان من شأنها صعق مشاهدي الفيلم الوثائقي، حيث تتسرب المشاعر مباشرة عبر الشاشة، تأتي هنا خالية من الأحاسيس.

تظهر العلاقات جافة غير واقعية، وأسلوب التصوير الوثائقي يسهم في إضعاف الحس الواقعي عوضا عن تعزيزه.

حاول الفيلم أن يجعل من ثلثه الأخير فصلا حماسيا ينهي فيه قصة بطولة المصارعة في اليابان، لكن افتقاده لأي نبرة عاطفية تجاه شخصياته يجعل من هذا الفصل غير فعال. كل محاولات بث روح الحماس والتشويق في فيلم مفرغ من العواطف تبوء بالفشل، دون أن ننسى أن هذا الفصل الأخير يأتي بعد ضياع سردي في منتصف الفيلم شهد بطأ في الحبكة وفي اتجاه القصة.

A24
مشهد من "آلة التحطيم"

تأصيل الرحلة

غير أن ما ينجح فيه الفيلم من الناحية العاطفية هو مشهد المباراة الأخيرة، والتباين بين كون مارك كير مستلقيا على طاولة الطبيب ليعالج جرحا في ذقنه، بينما يقاتل صديقه على لقب البطولة وينجح في تحقيقها. لسبب ما ينجح هذا المشهد كثيرا في تأصيل رحلة مارك كير الذي ذلل العديد من الصعوبات، لكن ذلك لم يكن كافيا لتحقيق البطولة. ولعل هذا المشهد يبدو أنجح حين ننظر إلى الصورة الأكبر ونأخذ مسيرة دواين جونسون التمثيلية في الحسبان، لاسيما مع علمنا بأنه يسلك طريقا مختلفا بعيدا عن أفلامه التجارية السابقة، لكن تأخر هذا القرار يعني أن النتائج قد لا تكون سريعة.

أما الأداء الذي يخطف الأضواء فهو أداء راين بايدر، المقاتل المحترف الذي يقدم دوره الأول ويبدو ممثلا مخضرما يتفوق على أقرانه من ممثلين يمارسون المهنة منذ سنوات. يقدم بايدر أداء صادقا وهادئا يتسلل بهدوء طوال الفيلم دون أن نلحظ أهميته وتأثيره. بينما يحدث أداء دواين جونسون وإيميلي بلنت ضجة وزوبعة وفوضى (تميل إلى الإفراط في التمثيل أحيانا)، يخيم أداء بايدر بهدوئه على الفيلم، وفي عمل يحاول الموازنة بين التصوير الوثائقي والسرد الدرامي، فبايدر هو الوحيد الذي ينجح في تحقيق هذا التوازن.

A24
مشهد من "آلة التحطيم"

في مشاهد نادرة، ينجح الفيلم في تفكيك شخصية مارك كير وتعريتها أمام المشاهدين: مشهد دخول حبيبته غرفة تبديل ملابسه قبل إحدى أهم المباريات في مسيرته مثلا، يوضح الحالة النفسية التي يدخلها كير قبيل مبارياته المهمة وحجم الضغط الهائل الذي يتعرض له. فهو يحتاج إلى طقوس خاصة ودقيقة لتجنب الدخول في دوامات تفكير سلبية، ودخول حبيبته - من يفترض أنها أقرب الناس إليه - يعكر صفو هذه الطقوس. حتى عندما يتحدث مارك عن اللذة الكامنة التي يشعر بها وهو في الحلبة ويشهد هتاف الجماهير له، يبدو ما يقوله هذيانا لحبيبته لكنه كان يعني كل كلمة، ويتضح نسبيا أن أحد الأسباب التي دفعت بمارك إلى دخول هذه الرياضة هو تعويض فراغ عظيم في حياته لا يملؤه سوى حب الجمهور.

يبقى الفيلم محاولة ناجحة لدواين جونسون لكي يثبت لنفسه قبل أي شخص، أنه يستطيع أن يثور على أدواره المعتادة.

قد لا يكون "آلة التحطيم" محاولة ناجحة بالكامل للمخرج بيني صفدي، فهو يحاول اقتباس فيلم وثائقي قصة وتصويرا وتحويله إلى فيلم درامي طويل. أما أسلوبه المحبب من ناحية استخدام كاميرا محمولة في الكثير من المشاهد، فكان يمكن أن يساعد في هذه العملية لكنه لم يؤد سوى إلى تعزيز العنصر التوثيقي بصريا. لكن الفيلم يبقى محاولة ناجحة لدواين جونسون لكي يثبت لنفسه قبل أي شخص، أنه يستطيع أن يثور على أدواره المعتادة.

font change