يعد مهرجان "فريز لندن" (Frieze London) الذي يقام سنويا في قلب العاصمة البريطانية وتحديدا في "ريجنت بارك"، واحدا من أهم المعارض الفنية المعاصرة والأكثر تأثيرا في العالم. لا يقتصر دور "فريز" على كونه معرضا ضخما لعرض الفن، بل هو سوق فنية عالمية تحدد اتجاهات الفن والأسعار لعام مقبل. يجمع هذا الحدث السنوي نخبة من الغاليريهات والفنانين والمقتنين، ليصبح بمثابة "قمة" يلتقي فيها الإبداع بالمال والنقد. بذلك، هو ليس مجرد مكان لعرض اللوحات، بل مرآة ثقافية تعكس القضايا الفنية في اللحظة الراهنة، ومنصة أساسية لاستكشاف ما هو جديد وجريء في عالم الفن المعاصر على المساحة الدولية.
عززت دورة "فريز لندن" 2025 الفن الرقمي باعتباره أصبح هو السائد الجديد. وبعيدا من الجدل القديم بين اللوحة والتركيب الفني، كشفت هذه الدورة عن هيمنة واضحة للأعمال المولدة بالخوارزميات والمنحوتات التفاعلية. في هذه المساحة. لم يعد الفنان صانعا وحسب، بل أصبح مهندس تجربة، يطرح سؤالا واحدا على الحاضرين: "ما الخط الفاصل بين الإبداع البشري والذكاء الصناعي؟".
ثم هل أن القيمة في الفن معيار أزلي، أم أنها مجرد تضخم نقدي للحظة الراهنة؟ هذا السؤال الفلسفي يرتفع صداه مجددا. فبينما تكتظ "ريجنت بارك" بالصخب، يقدم "فريز لندن" 2025 فلسفة قائمة بذاتها بوصفه المختبر الذي يغلي فيه السؤال الأبدي: ما الذي يجعل شيئا او عملا ما فنا في عصرنا؟
الأصالة في عصر التكاثر: تحدي بنيامين
تفرض الأعمال القائمة على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) التي تشير إلى أصول رقمية فريدة تمثل شهادات ملكية، سؤالا معرفيا ثقيلا عن مفهوم الأصالة ذاته. فقد كانت القيمة الفنية تقليديا ترتكز على ندرة العمل وفرادته المادية: اللمسة الفريدة للفنان ومدى إبداعه، أو أثر الأدوات على السطح. لكن مع هيمنة فنون الـ NFTs نجد أنفسنا أمام أعمال يمكن تكرارها بلا نهاية، ونقلها بلمح البصر، مما يلغي تماما فرضية الندرة المادية.




