"كوب 30" في البرازيل... امتحان جديد لإرادة التصدي لتغيّر المناخ

جيني ميللر لـ"المجلة": التمويل الذي يتجاهل الصحة، يتجاهل الهدف النهائي وهو حماية الإنسان

لينا جرادات
لينا جرادات

"كوب 30" في البرازيل... امتحان جديد لإرادة التصدي لتغيّر المناخ

في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعلنت البرازيل تراجعها عن استضافة الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP25)، الذي كان مقررا انعقاده عام 2019. جاء القرار بعد فترة وجيزة من انتخاب جايير بولسونارو رئيسا للبلاد، لينتقل المؤتمر لاحقا إلى مدريد في إسبانيا، مع احتفاظ تشيلي برئاسته.

اليوم، وبعد سبعة أعوام، تعود البرازيل إلى المشهد المناخي العالمي باستضافتها الدورة الثلاثين من المؤتمر (COP30) في مدينة بيليم، بين 10 و21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، برئاسة أندره كوريا دو لاغو.

قبل ذلك، شهدت أميركا اللاتينية استضافة عدد من دورات مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ، إذ استضافت الأرجنتين الدورتين الرابعة والعاشرة (COP4) و(COP10) في بوينس آيريس عامي 1998 و2004، كما استضافت بيرو الدورة العشرين (COP20) في العاصمة ليما عام 2014. وها هي المنطقة اليوم تستعد لاستضافة المؤتمر مجددا عبر الدورة الثلاثين (COP30) في البرازيل، لتكون هذه المرة الرابعة تعقد فيها فاعليات المؤتمر على أراضي أميركا اللاتينية، والخامسة التي تتولى فيها المنطقة رئاسته.

تطلق رئاسة البرازيل "التزام بيليم للوقود المستدام" (Belém 4x)، الذي يهدف إلى مضاعفة إنتاج الوقود المستدام واستخدامه أربع مرات في حلول عام 2035، في خطوة تهدف إلى خفض الانبعاثات الدفيئة الناتجة من احتراق الوقود الأحفوري

تجدر الإشارة إلى أن رئاسات مؤتمرات الأطراف الثلاث (COP28)، الإمارات، و(COP29) أذربيجان، و(COP30) البرازيل، تشكل ما يعرف بـ"الترويكا"، وهي آلية تعاون مشتركة تهدف إلى متابعة مخرجات هذه المؤتمرات وضمان تحقيق التقدم المنشود في تنفيذها. وتتجلى متابعة التطورات في موضوعات ومحاور أجندة (COP29) وكذلك أجندة (COP30).

التمويل على رأس أجندة "كوب 30"

تتضمن أجندة (COP30) نحو ثلاثين موضوعا موزعة على ستة محاور رئيسة، تعكس في مجملها أولويات واهتمامات الدولة المستضيفة، البرازيل، التي تتميز بتنوع بيولوجي هائل وتحتضن مساحات شاسعة من غابات الأمازون. وتركز رئاسة المؤتمر على قطاعات الطاقة والنقل والصناعة، في ضوء التقدم الملحوظ الذي أحرزته البرازيل في مجالات الطاقة المتجددة والوقود المستدام. كما ينتظر أن يتابع المؤتمر التقدم المحقق في تنفيذ التعهد العالمي بمضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات في حلول عام 2030، وهو التعهد الذي أُطلق خلال مؤتمر (COP28) عام 2023.

.أ.ف.ب
حضور قمة " كوب 30" من قادة ورؤساء العالم لمناقشة مخاطر التغير المناخي، في مدينة بيليم البرازيلية، 7 نوفبر 2025

يعد التمويل التحدي الأكبر أمام دعم قطاع الطاقة المتجددة. وفي هذا السياق، توضح مديرة منظمة "ساوث ساوث نورث"، شاهيناز موسى، في حديثها إلى "المجلة"، أن هذا القطاع بحاجة ماسة إلى تمويل كاف لتعزيز المرونة الاقتصادية والتخفيف من آثار تغير المناخ. وتشير موسى إلى التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية في مجال الطاقة، مؤكدة ضرورة دعمها بما يحقق الاستقرار العالمي. وتقول "يمكن أن يحول تقديم المنح والتمويل الميسور التكلفة الالتزامات إلى إجراءات ملموسة للدول النامية".

وتطلق رئاسة البرازيل "التزام بيليم للوقود المستدام (Belém 4x)، الذي يهدف إلى مضاعفة إنتاج الوقود المستدام واستخدامه أربع مرات في حلول عام 2035، في خطوة تهدف إلى خفض الانبعاثات الدفيئة الناتجة من احتراق الوقود الأحفوري، ودعم تحقيق هدف "اتفاق باريس" للمناخ القاضي بعدم تجاوز 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي في حلول عام 2030.

حماية الغابات الاستوائية والمحيطات

تضم البرازيل نحو 60 في المئة من مساحة غابات الأمازون، وهي غابات استوائية مطيرة مشهورة بتنوعها البيولوجي الهائل. وقد أعلنت رئاسة البرازيل دعمها الواضح لحماية الغابات من خلال إطلاق "مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد" (TFFF)، وهو صندوق استثماري يهدف إلى تعبئة التمويل المخصص للغابات الاستوائية، وجمع نحو 125 مليار دولار لدعم الدول النامية التي تحافظ على غاباتها.

الحد من هدر الطعام يساعد الناس والمجتمعات. وهذا أمر بالغ الأهمية في عالم يعاني فيه أكثر من 670 مليون شخص - أي ما يعادل 1 من كل 11 شخصا حول العالم - من الجوع

ليزا مون، الرئيسة والمديرة التنفيذية لشبكة بنوك الطعام العالمية

كما تطل البرازيل على المحيط الأطلسي بساحل يقترب طوله من 7400 كيلومتر، مما يجعل الغابات والمحيطات عنصرين أساسيين في الاقتصاد البرازيلي ومجالات التنمية البيئية. ويأتي مؤتمر (COP30) داعما لمخرجات "مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2025" الذي عقد في مدينة نيس الفرنسية في يونيو/حزيران 2025.

تعزيز الأمن الغذائي والزراعة

يعمل في قطاع الزراعة أكثر من 1,2 مليار شخص حول العالم، ويعتمد معظم سكان الأرض على هذا القطاع في تأمين غذائهم. إلا أن الزراعة تعد من أكثر القطاعات تأثرا بالتغيرات المناخية، مما ينعكس بدوره على الأمن الغذائي العالمي. ولهذا يحتل ملفا الزراعة والغذاء موقعا محوريا في أجندة مؤتمر (COP30)، خصوصا أن تحويل هذا القطاع نحو الاستدامة يتطلب تمويلا ضخما.

.أ.ف.ب
قطيع من الماشية على طريق في ساو فيليكس دو زينغو، ولاية بارا، البرازيل، 20 يونيو 2025. اجتاحت في عام 2024، حرائق الغابات نحو 18 مليون هكتار من غابات الأمازون البرازيلية نتيجة جفاف غير مسبوق مرتبط بتغير المناخ.

وفي حديثها إلى "المجلة"، ترى الرئيسة والمديرة التنفيذية لشبكة بنوك الطعام العالمية، ليزا مون، أن "الترابط بين النظام الغذائي وتغيّر المناخ واضح وقوي". وتشير إلى أن "من أهم الفرص هو الحد من هدر الطعام"، إذ يسهم في خفض الانبعاثات الضارة، ولا سيما غاز الميثان. وتضيف مون أن "الحد من هدر الطعام يساعد الناس والمجتمعات. وهذا أمر بالغ الأهمية في عالم يعاني فيه أكثر من 670 مليون شخص - أي ما يعادل 1 من كل 11 شخصا حول العالم - من الجوع".

مستقبل المدن والذكاء الاصطناعي

تحظى قضايا المدن والبنية التحتية والمياه باهتمام خاص ضمن أجندة مؤتمر (COP30)، ولا سيما ما يتعلق بالتبريد المستدام للمباني. ففي مؤتمر (COP28)، تم إطلاق "تعهد التبريد العالمي" الهادف إلى خفض الانبعاثات المرتبطة بأنظمة التبريد بنسبة 68 في المئة في حلول عام 2050، وهو تعهّد واصل (COP29) دعم التزامه وتطويره.

وفي هذا الإطار، تعلن رئاسة البرازيل دعمها لمبادرة "التغلب على الحرارة في المدن" (Beat the Heat in Cities)، التي تسعى إلى تعزيز حلول التبريد المستدام والتكيف مع ارتفاع درجات الحرارة في البيئات الحضرية.

المدن مسؤولة عن أكثر من 70 في المئة من الانبعاثات العالمية، ومعرضة بشدة لأخطار المناخ، ومع ذلك، فإنها لا تتلقى سوى جزء ضئيل من التمويل اللازم للتحرك

أليستير مايس، مساعد البرامج الأول في مركز أبحاث المناخ

يقول مساعد البرامج الأول في مركز أبحاث المناخ  (CPI)، أليستير مايس، في حديثه إلى "المجلة"، إن المدن "مسؤولة عن أكثر من 70 في المئة من الانبعاثات العالمية، ومعرضة بشدة لأخطار المناخ، ومع ذلك، فإنها لا تتلقى سوى جزء ضئيل من التمويل اللازم للتحرك".

ويوضح مايس حجم فجوة التمويل التي تواجهها المدن، قائلا: "تحتاج المدن إلى نحو 4,3 تريليونات دولار سنويا حتى عام 2030 للتخفيف من آثار تغير المناخ وحده، وهو رقم بعيد كل البعد عن 831 مليار دولار فقط المخصصة حاليا".

.أ.ف.ب
شعار "كوب 30" كما ظهر في مطار بيليم بولاية بارا، البرازيل، 25 أكتوبر 2025

ويضيف أنه "مع خريطة طريق باكو-بيليم التي ترسم مسارا لتعبئة 1,3 تريليون دولار سنويا، سيكون تمكين الحكومات المحلية أمرا أساسيا لتحويل الالتزامات إلى أثر حقيقي". كذلك، يولي مؤتمر (COP30) اهتماما خاصا بتوفير الموارد والأدوات التي تساهم في تسريع وتيرة العمل المناخي، وفي مقدمتها التمويل ونقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات، ومشاركة التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، إلى جانب دعم سلامة وأمن المعلومات في التعامل مع قضايا المناخ، وغيرها من الوسائل الداعمة المسرعة للعمل المناخي.

الصحة والتنمية البشرية والفقر

تولي أجندة مؤتمر (COP30) اهتماما خاصا بقضايا التنمية البشرية والاجتماعية، إذ تتضمن مناقشة تعزيز مرونة قطاع الصحة، وسبل مكافحة الجوع والفقر، والحد من تأثيرات التغير المناخي عليهما. كما تشمل الأجندة دعم التعليم وبناء القدرات، إلى جانب حماية الثقافة والموروثات من الأخطار البيئية الناجمة عن التغير المناخي.

تتلقى الصحة أقل من 1 في المئة من تمويل المناخ العالمي، والتمويل المناخي الذي يتجاهل الصحة، يتجاهل هدفه النهائي وهو حماية الإنسان

جيني ميللر، المديرة التنفيذية لـ"التحالف العالمي للمناخ والصحة" (GCHA)

وقالت المديرة التنفيذية لـ"التحالف العالمي للمناخ والصحة" (GCHA)، جيني ميللر، في حديث إلى "المجلة" إن "أزمة المناخ هي في جوهرها أزمة صحية، فالآثار الصحية السلبية تمثل الدليل الأكثر وضوحا وملموسا على تغير المناخ".

وأوضحت أن انهيار الأنظمة الصحية يترك آثارا عميقة على الاقتصاد والمجتمع، مضيفة أنه "ومع ذلك، تتلقى الصحة أقل من 1 في المئة من تمويل المناخ العالمي". وخلصت الى التأكيد على: "إن تمويل المناخ الذي يتجاهل الصحة، يتجاهل هدفه النهائي وهو حماية الإنسان".

خريطة القوى للمفاوضات... أين البرازيل؟ 

تقع البرازيل في تكتلات عدة على خريطة التفاوض المناخية، ولكل تكتل توجه يعكس الاهتمامات المشتركة، مثل: 

- "G77 + الصين" : تقع البرازيل ضمن "G77+الصين"، وهو أكبر تحالف للدول النامية، يضم أكثر من 130 دولة، مما يعطي هذا التحالف قوة واضحة في المفاوضات، وموقفه العام يؤكد تحمل الدول المتقدمة مسؤولية تقديم الدعم المالي ونقل التكنولوجيا الى الدول النامية. وقد أعلن التحالف مطالبه قبل انطلاق (COP30) المتمثلة بتعزيز التمويل المناخي وجمع 1,3 تريليون دولار.

.أ.ف.ب

 - مجموعة بازيك (BASIC): تضم 4 اقتصادات رئيسة هي: البرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين، وتأسست عام 2009 بهدف تقريب وجهات النظر بين الدول النامية والمتقدمة. 

- تحالفات مع أميركا اللاتينية: تتحالف البرازيل أيضا في المفاوضات مع دول أميركا اللاتينية من أجل تنسيق وتوحيد المطالب التي تخص القارة لمكافحة آثار التغيرات المناخية، خصوصا أن هناك موارد مشتركة بين تلك الدول أبرزها غابات الأمازون. 

كواليس التمويل وأسواق الكربون

تتصدر قضية التمويل قائمة الموضوعات الجدلية في كواليس المفاوضات المناخية، إذ إن "الهدف الجماعي الكمي الجديد" (NCQG)  الذي يتطلع إلى تعبئة نحو 300 مليار دولار سنويا في حلول عام 2035 ليس كافيا ولم يحظ بقبول واسع خلال مؤتمر (COP29). وقد ترك ذلك ملف التمويل مفتوحا للنقاش في (COP30)، نظرا لكونه محورا أساسيا يؤثر في باقي الملفات الرئيسة، مثل التكيف المناخي.

تواجه رئاسة "كوب 30" جملة من التحديات، إذ تعد البرازيل من أكثر الدول إسهاما في الانبعاثات خلال السنوات المنصرمة، كما أن سياساتها المتعلقة بإزالة غابات الأمازون تثير تساؤلات في شأن صدقية "مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد" الذي تعتزم إطلاقه

وفي هذا السياق، أشار "تقرير فجوة التكيف لعام 2025" إلى وجود فجوة تمويلية ضخمة تتراوح بين 284 و339 مليار دولار سنويا في حلول عام 2035. وأوضح المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التغير المناخي (UNFCCC)، السيد هشام عيسى، لـ"المجلة" إشكالية التمويل، قائلا إن الدول المتقدمة تطالب الدول النامية الغنية الأخرى بتقديم تمويل مناخي، مما قد يتسبب في كثير من الأحيان في تعطيل المفاوضات والقرارات الخاصة بالتمويل. وأضاف عيسى أن "التمويل المناخي قد يوزع طبقا للتحالفات السياسية". لذلك، يجب أن "تكون هناك معايير موحدة للتمويل المناخي، بغض النظر عن هذه التحالفات".

من جانب آخر، تبرز المادة السادسة من اتفاق باريس المعنية بأسواق الكربون، كأحد أكثر الملفات إثارة للجدل في مؤتمر (COP30). ويشرح مدير عام التخفيف وتسويق شهادات الكربون في وزارة البيئة المصرية، أيمن الرفاعي، لـ"المجلة"، التطورات التي شهدتها المادة منذ مؤتمر (COP26) في غلاسكو، حيث تم الاتفاق آنذاك على إنهاء العمل بآلية التنمية النظيفة  (CDM)، والبدء في تفعيل آليات السوق الجديدة وفقا لاتفاق باريس.

.أ.ف.ب
صورة جوية تظهرحريقا في الحقول في ساو فيليكس دو زينغو، ولاية بارا، البرازيل، 20 يونيو 2025. في عام 2024، اجتاحت حرائق الغابات ما يقرب من 18 مليون هكتار من غابات الأمازون البرازيلية، نتيجة جفاف غير مسبوق مرتبط بتغير المناخ.

وفي مؤتمر (COP27)، بدأت تتبلور ملامح نظام سوق الكربون الجديد، وبحسب الرفاعي، "خلال (COP 28) شهدت مفاوضات المادة السادسة تشددا واضحا من الدول المتقدمة تمثل فى عدم الرغبة في التزام أي تعهدات واضحة لطرق نقل التكنولوجيا وتمويلها". أما في (COP29)، فقد تحقق توافق أولي بين الأطراف، ويضيف الرفاعي أنه "من المتوقع في (COP30) أن تستمر المفاوضات غير المباشرة وغير الرسمية من خلال ورش العمل الخاصة ببناء القدرات للمفاوضين".  

حروب عالمية و تحديات جيوسياسية

تواجه رئاسة البرازيل لمؤتمر (COP30) جملة من التحديات المعقدة، في مقدمتها الصراعات والتوترات الجيوسياسية، خصوصا في ظل الحروب التي لم تضع أوزارها بشكل نهائي في غزة وأوكرانيا، فيما تتصاعد التوترات السياسية في بعض دول آسيا.

من جانب آخر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مطلع عام 2025  انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، وقبل انطلاق (COP30) بأيام قليلة، أعلنت الولايات المتحدة عدم إرسال ممثلين عنها في المؤتمر.

غير ذلك، تواجه رئاسة COP30 جملة من التحديات الأخرى، إذ تعد البرازيل من أكثر الدول إسهاما في الانبعاثات خلال السنوات المنصرمة، كما أن سياساتها المتعلقة بإزالة غابات الأمازون تثير تساؤلات في شأن صدقية "مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد" الذي تعتزم إطلاقه. ومن بين التحديات الأخرى، التكلفة المرتفعة للإقامة في بيليم خلال فترة انعقاد المؤتمر، مما يخفض تمثيل العديد من الدول الأقل نموا.

font change

مقالات ذات صلة