يمر العراق اليوم بمرحلة انتقالية دقيقة، ينتقل فيها من مواجهة الإرهاب إلى التركيز على التنمية والإصلاح، ومن معالجة آثار الحروب إلى بناء مؤسسات الدولة الحديثة. وفي قلب هذا التحول، تبرز التكنولوجيا كعامل حاسم لتعزيز الاستقرار ودفع عجلة النمو المستدام.
شهدت بغداد اخيرا سلسلة من اللقاءات الرسمية والنقاشات الرفيعة المستوى حول مستقبل البلاد، دعت إليها رئاسة الوزراء وشارك فيها مسؤولون وباحثون وصحافيون من داخل العراق وخارجه. وقد تمحورت الجلسات حول سؤال جوهري، كيف يمكن العراق أن يوظف موارده وإمكاناته لتحقيق النهوض الاقتصادي والاستقرار السياسي في آن واحد؟
فتح هذا التساؤل الباب أمام نقاش معمق حول الاستراتيجيا الوطنية للذكاء الاصطناعي وموقعها ضمن رؤية العراق لمرحلة ما بعد النفط، حيث لم يعد التحول الرقمي اليوم خيارا إضافيا بل ضرورة وجودية لضمان مكانة البلاد في اقتصاد المعرفة العالمي.
على مدار يومين من الحوار المكثف، في الثامن عشر والتاسع عشر من أكتوبر/تشرين الاول، نوقشت ملفات الأمن والتنمية والحوكمة الرقمية بمشاركة ممثلين عن وزارات عدة، من بينها وزارة الدفاع. وفي الجلسة الرئيسة التي جمعت الوفود برئيس الوزراء، بدا واضحا أن العراق يعيد ترتيب أولوياته في ضوء متغيرات الواقع المحلي والإقليمي، جامعا بين شعارين متكاملين، العراق أولا والتكنولوجيا أولا.
مرحلة ما بعد الإرهاب
التحولات الجارية في بغداد تعكس هذا المزاج الجديد بوضوح. فالمشهد العمراني يشهد حراكا ملحوظا، والمشروعات الإنشائية تتوسع في مختلف أنحاء المدينة، فيما تتهيأ البلاد لانتخابات برلمانية جديدة وسط أجواء من الحيوية السياسية. لم يعد الحديث عن "مرحلة ما بعد الإرهاب" مجرد شعار حكومي، بل واقع يمكن تلمسه في جهود إعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية.
وفي اجتماعات وزارة الدفاع، تبين أن الخطط لا تقتصر على مكافحة الإرهاب أو تأمين الحدود، بل تمتد إلى إعادة هيكلة الجيش وتحديث تجهيزاته ورفع كفاءة المقاتلين. تسعى المؤسسة العسكرية إلى الاندماج في بيئة تكنولوجية حديثة تعتمد على الأسلحة الذكية والطائرات المسيرة، بما يجعل الجيش العراقي قادرا على مجاراة التطورات في جيوش المنطقة.
كما ظهر بوضوح اهتمام الوزارة بالبعد الإعلامي والمعلوماتي للأمن الوطني. ففي مركز المعلومات ومكافحة الشائعات التابع لها، يجري العمل على رصد المحتوى المضلل على وسائل التواصل الاجتماعي ومواجهته، إلى جانب تطوير آليات للتواصل الفعال مع المواطنين عبر خطاب إعلامي حديث يربط المؤسسة العسكرية بالمجتمع ويعزز الثقة المتبادلة.
بهذه الخطوات، يضع العراق أسس مرحلة جديدة قوامها التنمية المستدامة والأمن الذكي، ويستبدل منطق رد الفعل العسكري بمنهجية التخطيط التقني والإداري لمستقبل يليق بإمكاناته وتاريخه.

في اليوم الثاني من الزيارة، الذي مثل ذروتها وأهم محطاتها، عقد اللقاء المرتقب مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اجتمع وفد من الباحثين والصحافيين في قاعة وبدأ النقاش المفتوح الذي تناول قضايا متعددة تتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية، والسياسات الاقتصادية والتكنولوجية للبلاد.

