إيران والانتخابات العراقية... انتصار لاعتدال السوداني

سياسة السوداني تمحورت حول إعادة العراق إلى العالم العربي والحفاظ على علاقات بغداد الاستراتيجية مع الولايات المتحدة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
امرأة إيرانية تمر أمام كشك لبيع الصحف المحلية، وفي 8 ديسمبر 2024.

إيران والانتخابات العراقية... انتصار لاعتدال السوداني

لندن- كانت الانتخابات التشريعية العراقية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني محط اهتمام الصحف الإيرانية. والمشاركة التي تجاوزت نسبتها 56 في المئة من أعداد الناخبين المسجلين بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، أظهرت تصدر قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني النتائج النهائية بحصولها على 46 مقعدا في البرلمان الذي يتألف من 329 مقعدا. وتمكنت الفصائل المسلحة من تعزيز حضورها في البرلمان العراقي.

ونشر موقع "فرارو" الإخباري التحليلي تقريرا بعنوان "سياسة العراق الخارجية بعد الانتخابات... لا إيران ولا أميركا" بقلم محسن صالحي خواه في 19 نوفمبر. وقال التقرير: "إن نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق وحصول الشيعة على الأكثرية حظيت بكثير من الاهتمام والتحليل من الزوايا المتعددة في إيران. واحتفل بعض التيارات في البلاد بالفوز غير أنه ينبغي الإشارة إلى أن الشيعة يشكلون غالبية سكان العراق وأن القوى السياسية الشيعية البارزة تختلف في رؤيتها حول العلاقات بين بغداد وطهران، حيث إن بعضها أقرب إلى الجمهورية الإسلامية تقليديا على غرار التيارات التي يتزعمها نوري المالكي وهادي العامري والسيد عمار الحكيم ومن بعدها تأتي الميليشيات السياسية البارزة على غرار جماعة قيس الخزعلي (الصادقون) وبعض التيارات الشيعية المناهضة لإيران والفئة الرابعة تؤكد على استقلالية العراق وإقامة علاقات خارجية مع كل دول المنطقة والقوى الكبرى. الأمر المهم هو أنه حتى القوى المقربة من إيران هي عراقية تحرص أو يجب أن تحرص على تأمين مصالح العراق. لقد أضرت الحملات الدعائية التي كشفت عن علاقات بعض الجماعات الشيعية بإيران خلال الأعوام الماضية بطهران وبغداد غير أن الشيعة تمكنوا من خلال النظرة الوطنية خاصة بعد انحسار (داعش) في ترسيخ حضورهم في العراق أكثر فأكثر. الأمر الآخر هو أن قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حققت الفوز. فقد نجح محمد شياع السوداني خلال العامين الماضيين في النأي بالعراق عن حروب المنطقة ولم يسمح لـ(الحشد الشعبي) بأن يورط العراق في الحرب مع إسرائيل. لقد توقفت الهجمات الصاروخية وبالمسيرات التي شنتها بعض الفصائل المسلحة العراقية سريعا خلال الأيام الأولى من الحرب. ولم تشارك الجماعات المسلحة العراقية في الحرب إلى جانب إيران خلال المواجهة بين إيران من جهة وإسرائيل وأميركا من جهة أخرى. ويرى المراقبون أن السوداني يركز على تنمية العراق والانسحاب الأميركي وإعادة إعمار المناطق المدمرة منذ فترة احتلال أميركا والحرب على (داعش). ولا يسعى السوداني إلى عراق إيراني الهوى ولا أميركي الهوى غير أنه يحرص كثيرا على ضبط علاقات بغداد مع طهران وواشنطن.

اعتبرت صحيفة "جوان" المحسوبة على "الحرس الثوري" أن "المعسكر الشيعي اکتسح الانتخابات وهذا يحمل تداعيات أمنية وسياسية مهمة للعراق

وأضاف تقرير "فرارو" أن "هندسة الأمن في الشرق الأوسط شهدت تحولا كبيرا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب الإسرائيلية على غزة. لقد مرت هذه الحرب بنقاط تحول أهمها الحرب بين إيران وإسرائيل لمدة 12 يوما. الشيء الأهم الذي يخطر في البال بعد كل هذه التطورات هو أن على طهران أن تعيد النظر في بعض سياساتها التي أمنت المصالح الوطنية الإيرانية في فترة من الزمن ولكن الاستمرار فيها في الظروف الجديدة قد يعطي نتائج عكسية. ينبغي على إيران التركيز على المصالح المشتركة والحوار الإقليمي وحوار عابر للإقليم وخفض التصعيد لاستعادة الهدوء في المنطقة وإذا لم نفعل ذلك فإن الشرق الأوسط سيبقى في دوامة التوتر وعدم الاستقرار خاصة في ظل غياب الحضور والتأثير الإيراني في الكثير من التطورات الخارجية".

أ.ف.ب
أنصار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يلوحون بالأعلام الوطنية أمام شاشة تعرض صورته احتفالا بإعلان النتائج الأولية للانتخابات في بغداد في 12 نوفمبر 2025.

وكتبت صحيفة "کیهان" المقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي في عددها الصادر 15 نوفمبر/تشرين الثاني أن "الناخبين العراقيين رسموا مستقبلا مستقلا لبلادهم في الانتخابات البرلمانية وأفشلوا خطط الولايات المتحدة ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي للتدخل والإخلال بموازنة القوى لصالحهم. لقد ضغطت الإدارة الأميركية كثيرا بهدف إقصاء (الحشد الشعبي) وهو رمز الصمود أمام الاحتلال والاعتداءات الغربية من المشهد السياسي... وزعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي أن لدى إيران نفوذا واسعا في العراق بهدف إضعاف المقاومة وتوفير الأمن لسياساتها الاحتلالية في المنطقة... غير أن نتائج الانتخابات في العراق أبطلت مفعول تلك المحاولات الهادفة للهيمنة".

أ.ف.ب
فرز الأصوات في مركز اقتراع بعد إغلاق الصناديق خلال الانتخابات البرلمانية العراقية في منطقة المهندسين شرق بغداد، 11 نوفمبر 2025.

واعتبرت صحيفة "جوان" المحسوبة على "الحرس الثوري" في عددها الصادر يوم 15 نوفمبر أن "المعسكر الشيعي اکتسح الانتخابات وهذا يحمل تداعيات أمنية وسياسية مهمة للعراق. في الجانب السياسي، هذا النجاح يعزز حضور التيارات الشيعية في الحكومة وفي اختيار رئيس الوزراء والأركان الرئيسين في الحكومة ويمهد الأرضية للشيعة للتأثير المباشر على السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية للعراق. أما أمنيا فإن الوجود القوي للتيارات الداعمة للمقاومة في البرلمان سيعزز قوة هذه التيارات للحفاظ على الاستقرار في البلاد ولمواجهة التهديدات العابرة للإقليم. لقد حمل هذا الانتصار الشيعي في الانتخابات العراقية رسالة واضحة للولايات المتحدة وحلفائها مفادها أن محاولاتهم لإقصاء تيارات المقاومة من السلطة باءت بالفشل وأن الشعب العراقي لن يسمح للقوى الأجنبية بتقرير مصيره. لقد صعدت واشنطن والكيان الصهيوني خلال الأسابيع الأخيرة تهديداتهما بشن هجمات على أهداف لفصائل المقاومة العراقية بهدف بث الرعب في الداخل العراقي وعدم السماح للشيعة بالحصول على الأغلبية في البرلمان. لقد أدرك الشعب العراقي هذا المخطط وأفشله لأنه شعب يعي الوقائع الإقليمية. كانت الولايات المتحدة تتوقع فشل الشيعة في الانتخابات ومن ثم إقصاء "الحشد الشعبي" للأبد لأن التيارات الشيعية تعتبر حجر عثرة في طريق الخطط الاستراتيجية الأميركية غير أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل وبالتالي فإن الفوز الكبير للتيارات الشيعية بدعم شعبي واسع سيجبر واشنطن وتل أبيب على إعادة النظر في استراتيجيتهم وسياساتهم حول العراق".

سياسة السوداني تمحورت حول إعادة العراق إلى العالم العربي والحفاظ على علاقات بغداد الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وخلق ظروف مواتية لانسحاب قوى الائتلاف الدولي من العراق ونزع سلاح الفصائل المسلحة غير الرسمية

وقال المدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية قاسم محبعلي حول نتائج الانتخابات العراقية لصحيفة "هم ميهن": "لقد أثبت رئيس الوزراء السوداني أنه سياسي يتمتع بالذكاء. ويحظى السوداني بدعم عربي من جهة ومن جهة أخرى تمكن السوداني من خلق التوازن في علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وإيران. لم يسمح السوداني بأن يتورط العراق في الحرب مع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وذلك خلافا للبنان وسوريا واليمن. لقد أدار السوداني الأزمة بنجاح عندما كانت المواجهة في ذروتها خلال الحرب الإسرائيلية-الأميركية ضد إيران حيث لم يسمح بتورط العراق في الصراع بين أميركا وإيران".

وتابع محبعلي أن سياسة السوداني تمحورت حول إعادة العراق إلى العالم العربي والحفاظ على علاقات بغداد الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وخلق ظروف مواتية لانسحاب قوى الائتلاف الدولي من العراق ونزع سلاح الفصائل المسلحة غير الرسمية. هذه السياسات تحظى بدعم عربي وأميركي وأوروبي.

رويترز
أفراد من قوات الأمن العراقية خارج مركز اقتراع في انتظار الإدلاء بأصواتهم، قبل يومين من فتح صناديق الاقتراع أمام الجمهور في الانتخابات البرلمانية، في البصرة، العراق، 9 نوفمبر 2025.

وقد اعتبر المحلل والحائز على الدكتوراه في اقتصاديات الطاقة بوريا زر شناس في مقال نشر يوم 14 نوفمبر في موقع "آسيا نيوز الإخباري" بعنوان "نظرة تحليلية إلى نتائج الانتخابات العراقية والفوز التاريخي لائتلاف السوداني" أن "الانتخابات البرلمانية العراقية كانت حاسمة. جرت هذه الانتخابات في وقت تمر فيه المنطقة بتطورات هامة وبالتالي فإن الناخبين العراقيين أرسلوا رسالة واضحة إلى العالم من خلال صناديق الاقتراع. لقد جدد الناخبون ثقتهم بالسوداني. أما في الجهة المقابلة فإن القوى السياسية التابعة لقوى أجنبية أو الجماعات التي تدعو لتطبيع العلاقات مع إسرائيل منيت بهزيمة نكراء... لن تكون هناك أية موانع لتشكيل حكومة قوية بفضل هذه الأغلبية الساحقة. ويرى المحللون السياسيون أن نتيجة الانتخابات انتصار كبير لمعسكر المقاومة وهزيمة نكراء لمخططات الأعداء في العراق. إن النسبة العالية لمشاركة الناخبين في المناطق السنية تدل على أن مشاريع الأعداء لبث الفرقة بين الشيعة والسنة في العراق لم تنجح... إن هزيمة الشخصيات الموالية لحزب (البعث) والتطبيع مع إسرائيل واستمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق تشير إلى رغبة أغلبية ساحقة من الشعب العراقي بانسحاب كامل للقوات الأجنبية من البلاد".

font change