تلبية لمتطلبات القرار الأممي الأخير حول الصحراء الغربية، شرع المغرب رسميا بداية هذا الأسبوع في تدشين مرحلة "المشاورات رفيعة المستوى" بين القصر الملكي وزعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان. بهدف صياغة مشروع وطني مفصل لخطة الحكم الذاتي في الصحراء، يشمل الجوانب القانونية والمالية والإدارية.
يبين هذا الحراك الداخلي أن المغرب ينظر لتطبيق المبادرة بجدية ومسؤولية، معتبرا الخطة التفصيلية المعدة بإجماع وطني هي الأرضية الوحيدة التي سيتم تقديمها دوليا وترجمتها على أرض الواقع، مؤكدا الانتقال من مرحلة الطرح إلى مرحلة التنفيذ.
لن نعود إلى الوراء، إلى نصف قرن مضى من عمر أزمة الصحراء الغربية، بل سنحاول استكشاف التطور البارز والأعمق خلال السنوات الخمس الأخيرة، من أجل فهم ماذا جري؟
شهدت السنوات الخمس الأخيرة تحولا جذريا في ملف الصحراء، تمثل في القطيعة مع الجمود وتثبيت خيار الحكم الذاتي. إذ بدأت نقطة التحول بأزمة "الكركرات" (نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، التي كسرت وقف إطلاق النار وألغت الإطار الأمني القديم. تبع ذلك تحول دبلوماسي ضخم، بدأ باعتراف أميركي بمغربية الصحراء، وتواصل بتراجع دولي عن الاعتراف بالبوليساريو، وفتح قنصليات عديدة، ليتوّج هذا التحول بقرار مجلس الأمن الذي تبنى الحكم الذاتي كحل وحيد "واقعي وعملي"، مما أقصى خيار الاستفتاء عمليا.
هنا، انتقل المغرب على الفور إلى مرحلة التنفيذ، عبر إطلاق مشاورات رسمية بين القصر والأحزاب لإعداد خطة تنفيذية مفصلة للحكم الذاتي، مع تسريع التنمية في الأقاليم الجنوبية، بهدف تحويل الإجماع الداخلي إلى أرضية المفاوضات الوحيدة في المرحلة القادمة.
تاريخيا، ظل "ملف الصحراء" يدور في فلك سياسي ضيق، محاطا بسياج من التكتم، حيث كان إشراك الأحزاب السياسية والنقابات، مع الهيئات المدنية، محدودا ورمزيا إلى حد كبير.

