هل مستقبل الصناعة السورية في دائرة الخطر؟

الصناعيون السوريون يطالبون بدعم الكهرباء والحماية من المنافسة التركية والأجنبية

إدوارد رامون
إدوارد رامون

هل مستقبل الصناعة السورية في دائرة الخطر؟

يعد القطاع الصناعي الخاص في سوريا من أكثر القطاعات تضررا بفعل الحرب. فإلى جانب ابتعاده الكبير عن استعادة مستويات الإنتاج التي كان يحققها قبل عام 2011، لا يزال يعاني من تحديات شتى.

لاقى قرار الحكومة في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، القاضي برفع أسعار الكهرباء، اعتراضا واسعا من المواطنين. ويتوقع أن يؤدي هذا الإجراء إلى زيادة ملموسة في تكاليف المعيشة الشهرية، المرتفعة أصلا، في ظل استمرار تدني مستويات الأجور والرواتب. كما عبر الصناعيون عن استيائهم من القرار، لما سيتسبب به من ارتفاع إضافي في تكاليف الإنتاج، وهو ما يزيد من أعباء الصناعة التحويلية المحلية. وقد شكل القرار مفاجأة غير سارة للقطاع الصناعي، خصوصا أن السلطات كانت قد اتخذت خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المنصرمين خطوات محدودة لخفض أسعار الكهرباء.

صرح رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، المهندس محمد أيمن مولوي، بأنه لم يستشر في قرار رفع سعر الكهرباء مجددا من 1500 إلى 1700 ليرة سورية للكيلوواط/الساعة (نحو 0,15 سنت أميركي). وأكد أن تكلفة الكهرباء في سوريا لا تزال الأعلى مقارنة بالدول المجاورة، إذ يتراوح سعر الكيلوواط/الساعة في مصر بين 2,5 و5 سنتات تقريبا، وفي الأردن نحو 9,5 سنتات، وفي تركيا بين 9 و10 سنتات، بينما يبلغ في العراق نحو 4 سنتات.

تتزايد الانتقادات من الصناعيين في حلب، نتيجة للتحديات التي يواجهها القطاع، وتشمل تراجع القدرة التنافسية أمام الارتفاع الملحوظ في حجم السلع المستوردة، وانخفاض القوة الشرائية للمستهلكين، وارتفاع أسعار الطاقة

وأشار مولوي إلى أن الغرفة ستعد خطابا رسميا للاعتراض على هذه الزيادة، آملا أن يعاد النظر في القرار والتراجع عنه. في الوقت نفسه، أكد نائب رئيس قطاع الكيماويات في غرفة التجارة محمود المفتي، أن هذا القرار يمثل عبئا جديدا على الصناعة التحويلية، مشددا على ضرورة التشاور بين الحكومة والقطاع الخاص.

الصناعيون يطالبون بحماية الصناعة الوطنية

ونفذ عدد من الصناعيين اعتصاما أمام مقر اتحاد غرف الصناعة السورية في دمشق، طالبوا خلاله باتخاذ إجراءات فاعلة لدعم الصناعات التحويلية الوطنية وتشديد الرقابة على الواردات التي شهدت ارتفاعا ملحوظا منذ بداية العام. ووجه المشاركون رسالة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، عرضوا فيها أمثلة لسياسات اتخذتها حكومات عربية وأجنبية لدعم صناعاتها المحلية، داعين إلى تبني خطوات مماثلة في سوريا.

أ.ف.ب.
عامل سوري في مصنع للمخبوزات، في دمشق 19 يونيو 2016

وقبل هذه التظاهرة في دمشق، أعلن نصف أعضاء مجلس إدارة غرفة صناعة حلب، في 21 سبتمبر/أيلول، استقالتهم احتجاجا على ما وصفوه بالتهميش وعدم استجابة الوزارة لمطالبهم. غير أن وزير الاقتصاد والصناعة محمد نضال الشعار، رفض قبول الاستقالة ودعا إلى مواصلة الحوار. وبعد أيام قليلة، في 27 سبتمبر/أيلول، زار الرئيس الشرع مدينة حلب والتقى بعدد من الصناعيين فيها وناقش معهم التحديات التي تواجه الصناعة التحويلية والبحث في الحلول الممكنة.

كما يعاني الصناعيون من تقلبات في إمدادات الطاقة، وفرض تعريفات جمركية جديدة، ونقص السيولة في السوق بسبب القيود المصرفية، فضلا عن النقص في الأيدي العاملة الماهرة وغيرها من المشكلات الهيكلية.

ينذر هذا المسار بتعريض الإنتاج الوطني السوري لمزيد من الأخطار، خصوصا في قطاعي الصناعة والزراعة، اللذين يواجهان صعوبة متزايدة في منافسة الواردات التركية

في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، خفضت وزارة الطاقة أسعار المشتقات النفطية بشكل طفيف، سعيا منها لتخفيف وطأة ارتفاع تكلفة المعيشة على السكان ودعم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد. إلا أن تثبيت الأسعار بالدولار الأميركي سيؤدي إلى تداعيات سلبية على قيمة الليرة السورية وسعر الصرف، بما في ذلك ارتفاع أسعار السلع والنقل.

تداعيات سلبية لتحرير التجارة

من المهم الاشارة الى أن القطاع الصناعي السوري يتألف في معظمه من شركات متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة، مما يجعل قدرتها على منافسة المنتجات الأجنبية محدودة للغاية. ولا يزال هذا القطاع في حاجة ماسة إلى التحديث وتحسين الإنتاجية وإعادة الإعمار، بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما من الحرب والدمار. كما يعاني الصناعيون من ضعف الدعم المالي، سواء من الدولة ومؤسساتها أو من النظام المصرفي المحلي. وفي الوقت نفسه، لا تلوح في الأفق مؤشرات الى عودة كبار الصناعيين السوريين المقيمين في الخارج، ولا سيما في مصر، في المدى القريب.

أ.ف.ب.
عامل سوري في ورشة نجارة، في منطقة دوما، 19 ديسمبر 2016

في هذا السياق، تؤثر سياسة الحكومة الرامية الى تسريع تحرير التجارة سلبا على القطاعات الإنتاجية، لا سيما الصناعة التحويلية. فقد اتسع العجز التجاري بشكل ملحوظ، إذ أصبحت الواردات السورية تفوق الصادرات بما يتراوح من سبعة إلى عشرة أضعاف. وكان من بين أبرز المستفيدين من هذا التوجه المنتجات التركية المستوردة. وكانت دمشق خفضت في أواخر يناير/كانون الثاني 2025، الرسوم الجمركية على أكثر من 260 منتجا تركيا، الأمر الذي ساهم في زيادة تدفق البضائع التركية إلى السوق المحلية. ووفقا لرئيس لجنة سوريا في جمعية المصدرين الأتراك جلال كادو أوغلو، بلغت صادرات تركيا إلى سوريا أكثر من 1,2 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، بزيادة قدرها نحو 49,3 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

كما اتفق المسؤولون السوريون والأتراك على استئناف المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2005، والمعلقة منذ عام 2011، في إطار خطط لإقامة شراكة اقتصادية أوسع. غير أن هذا المسار ينذر بتعريض الإنتاج الوطني السوري لمزيد من الأخطار، خصوصا في قطاعي الصناعة والزراعة، اللذين يواجهان صعوبة متزايدة في منافسة الواردات التركية.

في دمشق، من أصل 3888 شركة صناعية مسجلة، لم تستأنف سوى 1112 شركة أعمالها، بينما لا تزال 1215 شركة أخرى قيد التأهيل، في حين تبقى آلاف الشركات مغلقة أو خارج الخدمة

وكانت اتفاقية التجارة الحرة الأصلية لعام 2005 قد تركت آثارا سلبية على الصناعات المحلية، وأدت إلى إغلاق عدد كبير من المصانع، ولا سيما في ضواحي المدن الكبرى مثل حلب ودمشق.

عودة مربكة للشركات الصناعية

يؤثر هذا الواقع على نحو مباشر في القطاع الصناعي السوري. ففي العاصمة دمشق، من أصل 3888 شركة صناعية مسجلة، لم تستأنف نشاطها سوى 1112 شركة، بينما لا تزال 1215 شركة أخرى قيد التأهيل، في حين تبقى آلاف الشركات مغلقة أو خارج الخدمة. أما في مدينة عدرا الصناعية وحدها، فقد سُجلت 3757 رخصة صناعية، لكن نحو 1068 منشأة فقط منها تعمل فعليا. وخلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، بدأت 562 منشأة صناعية وحرفية جديدة الإنتاج، برأس مال إجمالي يقدر بـ13 مليار ليرة سورية (نحو 1,2 مليون دولار أميركي)، الأمر الذي وفر نحو 2776 فرصة عمل جديدة.

أ.ف.ب.
عاملان في مصنع للصلب في منطقة القامشلي، 22 فبراير 2024

وبالمثل، في محافظة حلب، هناك نحو 20 ألف منشأة صناعية وحرفية مسجلة، وأكثر من 1900 مصنع في مدينة الشيخ نجار الصناعية، مع أن العديد منها لا يعمل بكامل طاقته. ومنذ سقوط النظام السابق، أُنشئ نحو 500 مصنع ومؤسسة حرفية جديدة في الشيخ نجار، وهو ما وفر أكثر من 5800 فرصة عمل، بالإضافة إلى أكثر من 1000 فرصة عمل على مستوى محافظة حلب.

على الصعيد الوطني، أفادت مديرية الاستثمار الصناعي والحرفي بوزارة الاقتصاد والصناعة بأن عدد المشاريع الصناعية المرخص لها بلغ 2225 مشروعا بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2025، نفذ 218 منها فعليا. ومع ذلك، لم تقدم أي بيانات حول رأس المال المستثمر أو فرص العمل الناتجة من هذه المشاريع، وهو ما كان من شأنه أن يوفر فهما أوضح لطبيعة ونطاق الاستثمارات في القطاع.

تعكس هذه السياسات التوجه الاقتصادي والسياسي للحكومة التي تميل إلى نموذج اقتصادي تجاري يركز على تحقيق الربح على المدى القصير، على حساب القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد، بما في ذلك الصناعة التحويلية

لا يزال قطاع التصنيع السوري بعيدا تماما عن مستويات ما قبل عام 2011 وعن الانتعاش الكبير الذي شهده في تلك الفترة. على الصعيد الوطني، انخفض عدد المنشآت الصناعية إلى نحو 80 ألف منشأة، مقارنة بنحو 130 ألف منشأة قبل عام 2011، فيما تراجعت القيمة الإجمالية للصادرات من 12,3 مليار دولار إلى نحو مليار دولار. كما كانت مدينتا عدرا والشيخ نجار الصناعيتان تضمان في عام 2010 نحو 3000 و2700 منشأة عاملة على التوالي، توظف نحو 36 ألفا و30 ألف عامل.

نحو نظام استثماري جديد

روجت الحكومة السورية في منتصف يونيو/حزيران لنظام استثماري جديد للمدن الصناعية في سوريا يهدف إلى تعزيز بيئة الاستثمار الصناعي وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية. ويقر مشروع قانون ضريبة الدخل، المقرر تطبيقه في عام 2026، فرض ضريبة دخل ثابتة منخفضة نسبيا على الشركات بنسبة 10 في المئة، إلى جانب تقديم إعفاءات ضريبية على رأس المال. كما يخطط لتخصيص ربع الإيرادات الضريبة الإجمالية من المبيعات لصندوق خاص لدعم قطاعي الصناعة والتصدير، بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والصناعة والجهات العامة ذات الصلة. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات لا تعالج التحديات الهيكلية التي تواجه الغالبية العظمى من قطاع الصناعات التحويلية، ولا سيما الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.

أ.ف.ب.
ميناء اللاذقية شرق سوريا، 18 ديسمبر 2024

 تعكس السياسات الراهنة التوجه الاقتصادي والسياسي للحكومة التي تميل إلى نموذج اقتصادي تجاري يركز على تحقيق الربح على المدى القصير، على حساب القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد، بما في ذلك الصناعة التحويلية. ويتجلى ذلك بشكل واضح أيضا في طبيعة وعود الاستثمار في سوريا، إذ تركز السلطات في دمشق على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات مثل السياحة والعقارات والخدمات المالية، التي غالبا ما توفر عوائد قصيرة الأجل. وفي الواقع، أعلن عدد محدود من الاستثمارات في قطاع التصنيع، باستثناء إعلان شركة المهيدب السعودية في الصيف استثمارا بقيمة 200 مليون دولار في مجال الصناعات الثقيلة.

وخلافا لرؤية بعض الاقتصاديين الذين يعارضون دعم القطاعات الإنتاجية ويتجاهلون أن الاقتصادات المتقدمة عادة ما تدعم إنتاجها الوطني، ينتظر القطاع الصناعي تعزيز السياسات التي تحمي المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ويشمل ذلك دعم الكهرباء ومشتقات النفط، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية وغيرها من البدائل البيئية لمواجهة نقص الكهرباء، وتسهيل الخدمات المالية لتحسين وصول المصانع إلى التمويل، وتوسيع فرص التجارة لمعالجة محدودية الوصول إلى الأسواق، وتسهيل استيراد مواد خام معينة لخفض تكلفة الإنتاج.

font change

مقالات ذات صلة