بعد سنوات من العزلة المالية والعقوبات الغربية، سجّلت سوريا الأسبوع المنصرم أول اختراق مصرفي دولي منذ اندلاع الحرب عام 2011 وبدء رفع العقوبات عنها الشهر الماضي، عبر تنفيذ أول تحويل من خلال نظام "سويفت"، من بنك سوري إلى بنك إيطالي. الإعلان الذي جاء على لسان حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، شكّل تطورا لافتا في مساعي البلاد الى إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي، في وقت تشهد سوريا بداية تحولات داخلية وخارجية كبرى.
هذا التطور لا يعكس فقط الانفتاح الدولي تجاه سوريا، بل يشكل أيضا تحديا نوعيا، سياسيا واقتصاديا بامتياز، أمام الحاكم الجديد الذي تسلّم مهامه في لحظة مفصلية، وسط مطالب بتحقيق استقلالية حقيقية للمصرف المركزي، وتحييده عن التدخلات السياسية، وترقّب مستقبل القطاع المالي والمصرفي السوري. ولا يحسد الحاكم حصرية الذي يجد نفسه في قلب معركة لإعادة بناء الدولة والإعمار، وتعريف دور المصرف المركزي في بلدٍ أنهكته الحرب والعقوبات.
وعلى الرغم من الرمزية القوية للتحويل عبر نظام الـ"سويفت"، فإن الطريق لا يزال طويلا. فاستعادة ثقة الأسواق، وجذب الاستثمارات، والحصول على التمويل، وإنعاش النظام المصرفي وإعادة الاعتبار إليه وتعزيز الثقة به، لا تتطلب انفراجة ديبلوماسية فحسب، بل إرادة إصلاحية حقيقية، وحوكمة رشيدة، ومواجهة مباشرة مع موروثات تسييس الاقتصاد ومركزيته. وهي كلها تحديات باتت اليوم على طاولة الحاكم الجديد.
ما الدور المنتظر من البنك المركزي السوري؟
تنتظر الحاكم عبد القادر حصرية، المتخصص في السياسات العامة والمالية، والحائز ماجستير في إدارة الأعمال، والدكتوراه في مجال التمويل بالمملكة المتحدة، العديد من التحديات الإصلاحية، المالية والنقدية، التي يفترض أن تضمن في أولوياتها استقلالية المصرف المركزي عن التدخلات السياسية، والارتقاء بمبادئ الحوكمة والشفافية، بما يساهم في تحديث الخدمات المصرفية وتطويرها، وتعزيز قدرته على النهوض بالقطاع المالي والمصرفي واستعادة الثقة، نظرا لما يمثله هذا القطاع من أهمية أساسية في دعم عملية إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات وتحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي في البلاد.
يمنح قانون النقد السوري لعام 2002 مجلس النقد والتسليف صلاحية "وضع السياسة النقدية وإدارتها وفقا للاستراتيجيا العامة للدولة وحاجات الاقتصاد الوطني"، ويطالب من جهة أخرى المصرف المركزي "بتنفيذ السياسة النقدية التي يقررها مجلس النقد والتسليف" وبالعمل تحت إشراف الدولة وبضمانها، وفق التوجهات العامة للسياسة الاقتصادية التي يعتمدها مجلس الوزراء.
جدير بالذكر أن مجلس النقد والتسليف يضم إلى جانب الحاكم ونائبيه، خمسة مسؤولين حكوميين يمثلون عددا من الجهات الحكومية ذات الصلة وثلاثة خبراء يتم تعيينهم جميعا بمرسوم رئاسي.