الإسكان في الكويت... أزمة مزمنة تتطلب شراكة مع القطاع الخاص

تحديات التمويل والبنية التحتية تدفع الحكومة لتعزيز الشراكة مع المطورين

إدوارد رامون
إدوارد رامون

الإسكان في الكويت... أزمة مزمنة تتطلب شراكة مع القطاع الخاص

اعتمدت معظم دول العالم التي تنتهج نظام الاقتصاد الحر واقتصاد السوق على تمكين المواطنين من تملك مساكنهم من شركات متخصصة في التطوير العقاري. ويواكب تطوير القطاع توفير أنظمة مالية لتمويل عمليات البناء ثم التملك من قبل المستفيد النهائي. وتعمل شركات التطوير العقاري على توفير مجموعة واسعة من الخيارات السكنية التي تلائم الطلب، منها الفيلات المستقلة (Single Home)، أو الفيلات المتلاصقة (Semi-Detached)، وكذلك الشقق السكنية بمساحاتها المتنوعة وخدماتها المرافقة.

أما على صعيد التمويل، فظهرت نماذج متعددة أبرزها ما هو معمول به في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، حيث تتولى مصارف متخصصة تقديم التمويل العقاري بشروط ميسرة وفترات سداد طويلة قد تمتد إلى 30 عاما، بما يسهل عملية تملك السكن ويجعلها في متناول شرائح واسعة من المواطنين.

وتتأثر حركة التمويل العقاري بشكل مباشر بالسياسات النقدية، إذ ينتعش التمويل ويتوسع تسويق المساكن عند انخفاض أسعار الفائدة المصرفية، مما ينعكس نشاطا واضحا في السوق العقارية. واتجه العديد من الدول النامية، بما فيها بعض الدول العربية، إلى تأسيس مصارف متخصصة، مثل مصارف الإسكان، لتلبية الطلب المتزايد على السكن لدى المواطنين، وأحيانا لدى المقيمين غير المواطنين الراغبين في شراء المساكن.

الكويت والسياسات الاسكانية

بعد بداية عصر النفط في الكويت عام 1946 وتوسع الإنفاق الحكومي نتيجة تحقيق إيرادات كبيرة من مبيعات النفط، شرعت الحكومة في تبني فلسفة جديدة للإسكان، تقوم على توفير السكن لكل مواطن أو أسرة كويتية. وبحلول عام 1954 توفرت مبررات مناسبة، حيث شهدت البلاد موجة أمطار غزيرة أدت إلى انهيار بيوت الطين في مدينة الكويت، مما دفع السلطات إلى تخصيص أراض وبناء مساكن لأصحاب الدخل المحدود. وفي هذا السياق، تم توزيع عدد من البيوت في منطقة الدسمة، الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة الكويت.

تشير تقديرات هيئة الإسكان الحكومية إلى أن عدد الطلبات المتراكمة في عام 2025 بلغ نحو 101 ألف طلب، مما يعكس مشكلة حقيقية ناجمة عن فلسفة حكومية لم تأخذ في الاعتبار المتغيرات الديمغرافية المتسارعة وتكاليف البناء المرتفعة

وكان عدد سكان الكويت في تلك الفترة محدودا، إذ أظهر أول تعداد رسمي في عام 1957 أن إجمالي السكان بلغ 206,473 نسمة، منهم 113,623 كويتيا، أي نحو 55 في المئة من مجموع السكان، مما وفر إمكانات مناسبة لتلبية الطلب على السكن. إضافة إلى ذلك، كانت الحكومة تمتلك أراضي شاسعة يمكن توزيعها على المواطنين.

وفي خطوة لاحقة، أنشأت الحكومة بنك الائتمان أو بنك التسليف والادخار، وهو مصرف مملوك بالكامل للدولة، بهدف توفير القروض السكنية للمواطنين الراغبين في بناء مساكن على أراض يملكونها أو توفرها لهم الدولة.

أزمات متراكمة طوال عقدين

بدأت الدولة بتلقي طلبات الإسكان التي تراكمت تدريجيا حتى أصبح من الصعب التعامل معها بفاعلية، نتيجة لمجموعة من العوامل، منها ضعف الإدارة التنفيذية، أو تراجع إمكانات التمويل لدى بنك الائتمان، أو تأخر إنجاز البنية التحتية والمرافق الأساسية مثل شبكات الكهرباء والمياه، والطرق، وتمديدات الصرف الصحي في المناطق الجديدة أو المستحدثة.

.أ.ف.ب
برج تجاري قيد الإنشاء وسط مدينة العاصمة الكويت، بالقرب من جسر الشيخ جابر الأحمد

مع مرور الوقت، تحولت قضية الإسكان إلى أزمة حقيقية استمرت على مدى العقدين الماضيين، حتى أصبح السياسيون، داخل مجلس الأمة وخارجه، يتنافسون على تبني القضية والتحذير من خطورة عدم توفير السكن للشباب وأسرهم الجديدة. وتشير تقديرات هيئة الإسكان الحكومية إلى أن عدد الطلبات المتراكمة في عام 2025 بلغ نحو 101 ألف طلب، مما يعكس مشكلة حقيقية ناجمة عن فلسفة حكومية لم تأخذ في الاعتبار المتغيرات الديمغرافية المتسارعة وتكاليف البناء المرتفعة. كما يضاف إلى ذلك عامل اجتماعي مهم، إذ يرى كثير من المواطنين، وربما الغالبية، في الحصول على السكن الحكومي وسيلة لتحقيق الثروة، نظرا لأن العقار قابل للتحسن في قيمته المالية، وليس مجرد وسيلة لتوفير مسكن مريح لهم ولأسرهم.

تكاليف الإسكان والبدائل

تظهر بيانات الحساب الختامي لموازنة الدولة للعام المالي 2024/2025 أن الإنفاق الحكومي على الإسكان يحتل المرتبة الثالثة من حيث القيمة بعد التعليم والرعاية الصحية. وتشير البيانات إلى أن ما تم إنفاقه على الإسكان خلال تلك الفترة بلغ 2,21 مليار دينار كويتي، أي نحو 7,2 مليارات دولار، ويشمل ذلك خدمات المياه والكهرباء وأعمال البنية التحتية المرتبطة بمشاريع الإسكان. وإذ تبدو هذه التكلفة مرتفعة، يتوقع أن تزداد مع تزايد أعداد طلبات الإسكان.

صوغ نظام إسكان جديد، يقلل الدور الطاغي للحكومة، يتطلب توفير فرص للشركات العقارية الخاصة، وفي الوقت نفسه، تمكين المصارف من تقديم التمويلات بتسهيل من الحكومة من خلال تغطية الفوائد أو جزء منها

وقبل سنوات، طرحت مقترحات لتطوير نظام الإسكان من خلال الاعتماد على شركات تطوير عقاري لتوفير مساكن متنوعة للمواطنين، مع تمكينهم من التعامل مع المصارف والمؤسسات المصرفية للحصول على تمويل ملائم، كما هو معمول به في الدول المتقدمة وعدد من دول الخليج المجاورة. وفي النظام السكني الحالي، يضطر كل مواطن حصل على أرض وقرض من بنك الائتمان الحكومي إلى اللجوء إلى المصارف التقليدية أو الإسلامية للحصول على تمويل إضافي لإكمال مشروعه السكني.

إقرأ أيضا: الاستدامة المالية المطلوبة في الكويت

ومن ثم، فإن صوغ نظام إسكان جديد، يقلل الدور الطاغي للحكومة، يتطلب توفير فرص للشركات العقارية الخاصة، وفي الوقت نفسه، تمكين المصارف من تقديم التمويلات بتسهيل من الحكومة من خلال تغطية الفوائد أو جزء منها، بما يوازن بين كفاءة السوق واحتياجات المواطنين.

العودة إلى القطاع الخاص

قبل عام 2008، قامت شركات عقارية بتطوير مشاريع سكنية في مناطق مختلفة من الكويت، وتمكن المواطنون من شراء هذه المساكن بأسعار معقولة. وتميزت هذه المشاريع بنماذج معمارية عصرية، واستجابت لمتطلبات الأسر الصغيرة الجديدة. لكن بعد ذلك، أصدر مجلس الأمة قانونا حرم الشركات الخاصة من العمل في قطاع السكن الخاص، مما أدى إلى تعطيل دور القطاع الخاص في هذا المجال.

أ.ف.ب.
مدينة صباح الأحمد جنوب الكويت، 11 مايو 2023

حاليا، يبدو أن الحكومة مصممة على إعادة تعزيز دور الشركات العقارية المحلية والأجنبية في الاستثمار بالسكن الخاص، وتسريع عمليات توفير المساكن وتقليص فترات الانتظار. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، عقد اجتماع بين المؤسسة العامة للرعاية السكنية ومجموعة من الشركات المحلية والخليجية والعالمية العاملة في القطاع العقاري، إلى جانب شركات مالية واستثمارية، حيث تم التطرق إلى تعزيز دور المطور العقاري في مشاريع السكن الخاص. ومع ذلك، لا تزال بعض الشركات غير مقتنعة بالشروط الحكومية، مما يستدعي مزيدا من التفاهمات حولها.

حتمية الشراكة بين الدولة والمطور العقاري

تظل قضية الأراضي أحد التحديات الأساسية، إذ ارتفعت أسعار الأراضي في الكويت بشكل كبير، مما جعلها غير مناسبة لتحقيق جدوى اقتصادية للمستثمرين. ونظرا لكون الحكومة تمتلك أكثر من 90 في المئة من الأراضي، فمن الضروري طرح هذه الأراضي في مزادات علنية وبيعها للشركات بأسعار معقولة، بما يضمن أن تكون تكلفة السكن للمستفيد النهائي مناسبة.

كما يشمل الحل التعاون الوثيق بين الشركات والحكومة لإنجاز البنية التحتية وتوفير المرافق الأساسية والطرق، مع التأكيد أن يقدم المطورون منتجات سكنية ملائمة لمتطلبات المواطنين وبمستويات راقية، تشمل بيئة جاذبة تتضمن حدائق ومرافق ترفيهية وملاعب للأطفال، وتعزز التواصل الاجتماعي بين السكان. وهناك نماذج خليجية وعالمية يمكن الاستفادة منها، مع ضرورة تسويق ثقافة سكنية جديدة تتوافق مع متطلبات الحياة العصرية.

font change

مقالات ذات صلة