اقتصاد المغرب بين النمو الواعد وهموم جيل "زد"

المؤشرات جيدة لكن معضلة البطالة بين الشباب تبقى العقدة الأصعب

Shutterstock
Shutterstock

اقتصاد المغرب بين النمو الواعد وهموم جيل "زد"

في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، سارت تظاهرات احتجاجية في المغرب شملت العديد من المدن. لم تكن تلك التظاهرات تحظى بقيادة سياسية معروفة، إسلامية أو يسارية أو من الأحزاب المعلنة المعروفة تاريخيا. كانت تقاد من مجموعات شبابية ممن يطلق عليهم جيل زد في المغرب وغيره من بلاد العالم، أي ممن ولدوا بعد منتصف تسعينات القرن العشرين. طالب المحتجون بتخصيص الانفاق للرعاية الصحية والتعليم بدلا من الانفاق على بناء المجمعات الرياضية الهادفة لاستضافة كأس الأمم الأفريقية عام 2025 الحالي أو مسابقات كأس العالم 2030. واشتكى المتظاهرون من تراجع المستويات المعيشية وقلة فرص العمل وتراجع جودة الحياة في البلاد.

بذلت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة جهودا مضنية للارتقاء بمستوى البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية وتطوير المؤسسات الصناعية لتعزيز الصادرات من المنتجات الزراعية والصناعية، والنهوض بالمنتجعات السياحية وتشجيع الأوروبيين وغيرهم على زيارة البلاد والتمتع بالعطلات في مختلف مدن المملكة. يتميز المغرب بتنوع التضاريس، ويتمتع بشعب مضياف، وأساليب حياة منفتحة على الآخرين. كذلك يمكن القرب الجغرافي من القارة الأوروبية من توطيد العلاقات الاقتصادية مع بلدان الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك جالية مغربية كبيرة في فرنسا واسبانيا وعدد آخر من البلدان في القارة الأوروبية التي تعزز تحويلات العاملين في الخارج إلى المغرب.

النمو في المغرب 5 في المئة

حقق الاقتصاد المغربي أداء جيدا خلال السنة الجارية 2025 حيث يقدر معدل النمو في الربع الثاني بنحو 5.5 في المئة، وتتوقع السلطات الاقتصادية أن يبلغ معدل النمو للعام بأكمله 4.8 في المئة. هناك تحسن في الطلب المحلي وانتعاش للاقتصاد الزراعي. لكن يبدو أن توفير الوظائف الجديدة لا يزال بطيئا. وتساهم الصناعات التحويلية والاستخراجية والأعمال الإنشائية والسياحة بنسبة مهمة في الناتج المحلي الإجمالي حيث تقارب 40 في المئة.

يقدر صندوق النقد الدولي أن تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمغرب في السنة الجارية 179.6 مليار دولار، أما معدل دخل الفرد السنوي خلال 2025 فيقدر بـ 4,760 دولارا

وارتفعت قيمة الصادرات المغربية بنسبة 8.5 في المئة مقارنة بنتائج الفصل الثاني من العام الماضي، في حين سجل الطلب الاستهلاكي المحلي نموا بنسبة 5.1 في المئة. واوضحت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب أن الاستثمار الوطني شهد مسارا تصاعديا. ويؤكد صندوق النقد الدولي في تقرير حديث أن معدل التضخم لا يزال مقبولا ولا يزيد على 1.2 في المئة خلال السنة الجارية.

قطاع الخدمات 53.7 في المئة من الناتج

يقدر صندوق النقد الدولي بأن تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمغرب في السنة الجارية 179.6 مليار دولار. هناك توقعات بأن يرتفع الناتج المجلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة حتى 2030 وبنسبة لا تتجاوز 4 في المئة سنويا. أما معدل دخل الفرد السنوي خلال العام الجاري فيقدر بـ 4,760 دولارا، وهو معدل منخفض نظرا للحجم السكاني الذي يقدر بـ 35.6 مليون نسمة. لكن التوزيع القطاعي للاقتصاد المغربي يشير إلى طغيان قطاعات الخدمات التي تساهم بـ 53.7 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في حين تساهم الصناعة بنسبة 25.3 في المئة، أما الزراعة فتساهم بنسبة 11.1 في المئة.

.أ.ب
احتجاجات الشباب المغاربة مطالبين بالتعليم وخدمات صحية أفضل، الرباط 9 أكتوبر 2025

تقدر صادرات المغرب بنحو 49.2 مليار دولار وهي تشمل الفوسفات والأسمدة والمعدات الكهربائية وقطع غيار السيارات والمركبات، والمنتجات النسيجية. إضافة الى المنتجات الزراعية التي تشمل الحمضيات، والبندورة، وزيت الزيتون والأسماك. وأبرز المستوردين للإنتاج المغربي، اسبانيا وفرنسا والهند والبرازيل وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وتركيا وهولندا. في المقابل يستورد المغرب ما قيمته 71.2 مليار دولار، ولا سيما النفط والقمح، وتأتي الواردات من البلدان الأوروبية، والصين وروسيا والسعودية. يعني ذلك أن هناك عجزا في الميزان التجاري يبلغ 22 مليار دولار وهو مبلغ كبير لا بد من توفير آليات لمواجهته.

السياحة قطاع واعد للدخل الوطني

تمثل السياحة مصدرا مهما للدخل في المغرب ويقدر عدد السياح خلال السنة الجارية بـ 18 مليون زائر يمكن أن ينتج من زيارتهم مبلغ قدره 12.4 مليار دولار. تجتهد السلطات في المغرب لتوفير التسهيلات اللازمة للمستثمرين في قطاع السياحة حيث أن القطاع يساهم بنحو 12.3 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي بحسب بيانات عام 2024. كذلك فإن القطاع يعزز خلق فرص للعمل.

بالإضافة إلى تدفق الزوار من خارج البلاد، فإن الحكومة المغربية تحفز المؤسسات السياحية لجذب المواطنين لزيارة مختلف المدن وتطوير المنتجعات والفنادق لاستقبال السياح من داخل البلاد. يمثل المغرب وجهة أساسية للسياح من مختلف الدول الأوروبية، ويتمتع بميزات المكان حيث التضاريس المتنوعة مثل الجبال والوديان والبحر والمناخ الملائم في معظم أوقات السنة.

واقع سوق العمل أهم التحديات أمام المغرب، خصوصا مع ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية حيث يبلغ العمر المتوسط 29 عاما، وهناك 26.3 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 15 عاما

كذلك فإن هناك ميزات المطبخ المغربي المتنوعة. إذ أصبح المغرب خلال العقود القليلة الماضية جذابا للزوار من بلدان الخليج بعد أن تعززت إمكانات السفر المباشر. يجد الخليجيون في المغرب وجهة مناسبة، وقد تمكن الخليجيون من التواصل مع المغاربة نظرا للتقارب القومي والديني وكرم الضيافة.

تحديات سوق العمل والبطالة بين الشباب

أهم التحديات التي تواجه المغرب هي تلك المتعلقة بسوق العمل وارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية حيث يبلغ العمر المتوسط 29 عاما. هناك 26.3 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 15 عاما بما يؤكد الالتزامات الأساسية المتعلقة بالتعليم والرعاية الصحية. لا تزال فرص العمل محدودة أمام المتدفقين الجدد إلى سوق العمل، على الرغم من أن معدل البطالة آخذ في التراجع خلال السنوات الماضية، علما بأنه بلغ ما يقارب 13 في المئة خلال النصف الأول من هذا العام 2025.

رويترز
شبان مغاربة في العاصمة الاقتصادية المغربية الدار البيضاء، المغرب 29 أكتوبر 2023.

تتوافر فرص العمل الجديدة في المناطق الحضرية وفي قطاعي الخدمات والانشاءات. ولا يزال القطاع الزراعي بطيئا في توفير فرص العمل، وهناك مشكلة البطالة بين الشباب وهي مرتفعة وبلغت 37.7 في المئة خلال الربع الأول من 2025. وهناك ضرورة الاهتمام بالتطورات التكنولوجية وتأثيراتها على الوظائف، وضرورة تطوير القدرات المهنية لمواكبة التحولات الناتجة منها. لا بد أن المغرب استوعب التقنيات الحديثة وما نتج منها من تأثيرات على سوق العمل، ولذلك بات لزاما تطوير النظام التعليمي بما يؤهل الشباب لمواجهة المتغيرات الوظيفية.

الأوروبيون أبرز المستثمرين في المغرب

تظل أمام المغرب إمكانات لتجاوز الأزمات حيث تتمتع السلطات بالمرونة السياسية والقدرات على صوغ سياسات اقتصادية مفيدة. برزت في السنوات الماضية تحولات مهمة وقد تعززت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد فبلغت قيمتها المجمعة حتى نهاية عام 2024 نحو 61.5 مليار دولار، في حين بلغت في عام 2024 ما يربو على 1.64 مليار دولار، وهناك مؤشرات تحسن في التدفقات خلال هذه السنة.

إقرأ أيضا: المغرب من الزراعة إلى الصناعات والشراكات العالمية

ساهم المستثمرون من دول الخليج في هذه التدفقات في حين أن الأوروبيين يمثلون أبرز المستثمرين في المغرب. تتركز الاستثمارات في قطاع الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة والسياحة والقطاع العقاري. غني عن البيان أن المستثمرين الأجانب عززوا ثقتهم بالاقتصاد المغربي حيث تتوفر بيئة سياسية مستقرة، كما أن موقع البلاد بين أوروبا ومناطق جنوب الصحراء الافريقية يمثل ميزة استراتيجية. لا بد أيضا تأكيد أهمية البلاد ضمن المجموعة العربية والمجموعة الأفريقية نظرا الى المكانة المهمة التي يملكها المغرب بعد أن تميزت سياساته بالعقلانية والمرونة والمقدرة على توجيه المسارات بما يعزز الاستقرار والتعاون الإقليمي.

font change

مقالات ذات صلة