بإصدار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأمر لوزارتي الخارجية والخزانة الأميركية بحظر التعامل مع جماعة "الإخوان المسلمين" في ثلاث دول هي: الأردن ولبنان ومصر، والذي قد يتطور لاحقا لاعتبارها جماعة إرهابية، يمكن القول إن جماعة "الإخوان المسلمين" دخلت فصلا جديدا في مسار تطورها التاريخي، وفي انعطافات علاقتها مع الغرب برأسه الأميركي، ومع الدولة الوطنية في آن واحد.
يدرك الكثيرون أن تداولية القرار الأميركي بخصوص الجماعة لم تكن وليدة لحظة اتخاذ القرار، أي إنها لم تكن آنية، بقدر ما كان هناك مؤشرات واضحة عن الموقف الأميركي المتصاعد ضد الجماعة، وهو موقف لم يكتشف اليوم كنه الجماعة وطبيعة تحولاتها، والتعبير العنيف باسم الإسلام الذي صدر عنها وعما تولد عنها، وما خرج من تحت عباءتها من جماعات، قاتلت وناهضت وكفرت بأميركا.
فالعقل الأميركي تعامل سابقا مع الجماعة، وتحالف معها في بعض المحطات وراهن عليها، وتفاعلت الجماعة مع الفاعل الأميركي في لحظات كممَكّن لها لكي تغلب على مصائر المجتمعات الموجود فيها. إذ تبنت الجماعة المبادرة الأميركية لنشر الديمقراطية بعد عام 2004 في زمن الرئيس بوش الابن، وأصدرت وثيقة بعنوان "رؤية الحركة الإسلامية للإصلاح في الأردن" والصادرة عام 2005 وجاءت مؤيدة لمشروع الإصلاح الأميركي في الشرق الأوسط، ونُظر إليها بأنها استجابت له، بما يعزز فرصها في علاقة أكثر ربحا مع الحليف الغربي، وعلى سبيل الوطن وفوق مصالحه، لا بل إن قيادات الجماعة بالأردن التقوا الكثير من رجال السفارة الأميركية بعمان حينها.
وقد تعامل الأردن مع الحركة بخبرة وحكمة، وربما كان للتجربة الأردنية في العلاقة مع الجماعة شكلا مغايرا عن بعض الدول الأخرى، لكن في العقود الأخيرة مالت الحركة للتطرف أكثر، وبَدَت تواجه تحولا داخليا في قواعدها، وهو ما كشف عن ارتفاع منسوب التصدع داخل بنيتها التي كانت تتماهى مع الدولة في بعض المحطات.
الأمر الذي أصدره الرئيس ترمب لكل من وزارتي الخارجية والخزانة بحق جماعة "الإخوان"، يطرح أسئلة عن إمكانية توسع الدول المحظورة مستقبلا
صحيح أن الأمر الذي أصدره الرئيس ترمب لكل من وزارتي الخارجية والخزانة بحق جماعة "الإخوان"، يطرح أسئلة عن إمكانية توسع الدول المحظورة مستقبلا، بعد انقضاء مدة الـ45 يوما والتي سيتم بعدها التصنيف كجماعة إرهابية، وهو ما قد يضع قادتها على قوائم الحظر، فإن الجماعة في تلك البيئات، باستثناء الأردن الذي قطع شوطا كبيرا في مسألة حظر الجماعة وتجفيف منابع المال غير القانونية لديها، قد تلجأ إلى تهريب وتمرير ثرواتها ونقل استثماراتها إلى دول وبيئات جديدة خارجة عن المراقبة الأميركية وأعينها، وهنا يتحدث الكثيرون عن ملاذات آمنة في دول أفريقية.
في المشهد الأردني، كانت الاستجابة للقرار الأميركي هادئة، ذلك أن الدولة بعد إعلان حظر الجماعة عقب ما سمي "خلية الصواريخ والتجنيد" في منتصف أبريل/نيسان 2025، ومن ثم إدانة النسبة الأغلب من أعضاء الخلية قضائيا في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025، والحكم عليهم بأحكام متفاوتة بالحبس بالأشغال الشاقة، قد أنجزت عقب ذلك الإعلان بالتخطيط للجريمة حزمة من الإجراءات القانونية بحق الجماعة التي باتت محظورة بشكل كامل، وجلّ ما تبقى لها التعاطف الشعبي داخل قواعدها.
تلك الحادثة، التي تبرأ من العلم بها أعضاء الجماعة المشاركون في حزب "جبهة العمل الإسلامي"، من أعضاء مجلس النواب الأردني، لم تكن مسألة، تنتهي بإعلان عدم المعرفة، أو إشباع الأردنيين بالبلاغة الفجة، بما يثبت حب الجماعة للأردن. فذلك أمر لم ينطلِ على الجمهور الواعي، فتبرؤهم من مسألة العلم بالتخطيط الذي كان مقصودا، لم يمر دون حسابات دقيقة عند صانع القرار الأردني، والذي كان يعي أن "إخوان" الجماعة داخل مجلس النواب الممثلين بصفتهم الحزبية، يجب أن يكون موضوعهم مؤطرا قانونيا.
الثابت أن أكثرية الجمهور الذي منح ثقته لأعضاء الحزب في الانتخابات، كانت من المؤيدين لحركة "حماس" وعملية السابع من أكتوبر
لكن حاضرية "إخوان الأردن" لم تنتهِ بالقرار الترمبي، فما عاد السؤال عالقا حول ماذا لو كان لدى قادة حزب "الجبهة" بوصفهم حزبا علم حقيقة بالأعمال التخريبية والتهديدات الأمنية التي أثبتتها المحكمة، وبالتخطيط لما كان يراد للأردن من أعضاء الخلية القيام به؟ وبالتالي إن تحقق ذلك العلم فهل سيجعل وجود الحزب وترخيصه شرعية بقائه مطروحة أمام القانون والقضاء؟ وهو خيار لم تلجأ إليه الدولة بعد؛ لأنه قد ينتهي إلى خلاصة وجوب مفادها إسقاط عضوية ممثلي الحزب داخل مجلس النواب بموجب القانون؟ وبالتالي يحل مكانهم المترشحون الذين جاءوا بترتيب النتائج بعد قائمة الحزب في الانتخابات التي جرت في سبتمبر/أيلول 2025.
تلك النتائج، أحدثت نوعا من الريبة، حيث حصلت كتلة الحزب على عدد مقاعد هو 31 نائبا بما يساوي الربع تقريبا من عدد أعضاء المجلس البالغ عددهم 130 نائبا، وهو تمثيل جاء أعلى من المستوى المتوقع، ما أدّى إلى تحسب الدولة من ارتفاع مستوى التأييد الشعبي الذي تحصّلت عليه الجماعة وحزبها في الأردن، وهي نتائج لم تتوقعها الجهات القريبة على صانع القرار، وهو ما انعكس في انتخابات أعضاء لجان مجلس النواب في دورته الجديدة التي خرج منها "الإخوان" بلا نصيب. لكن الثابت أن أكثرية الجمهور الذي منح ثقته لأعضاء الحزب في الانتخابات، كانت من المؤيدين لحركة "حماس" وعملية السابع من أكتوبر.