رام الله- في لحظة تُعتبر الأكثر حساسية في تاريخ إسرائيل السياسي منذ تأسيسها عام 1948، يجد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه على حافة مواجهة قضائية قد تضع نهاية لمسيرته الطويلة، ليس فقط كرجل سياسة، بل كرمز هيمن على الحياة العامة لنحو ثلاثة عقود من الزمن. وبينما تنشغل الساحة الإسرائيلية بالمظاهرات والانقسامات الحادة، ظهر طلب العفو الرئاسي الذي قدّمه رسميا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني باعتباره الزلزال الدستوري والسياسي الذي يهدد بإعادة تشكيل علاقة السلطات في إسرائيل، ويُعيد إلى الواجهة جدلا قديما حول حدود السلطة، وحول ما إذا كان رئيس الحكومة يمكن أن يقف فوق القانون.
ويواجه نتنياهو أخطر تهم وُجّهت لرئيس حكومة في تاريخ إسرائيل خلال تولّيه منصبه: "الملف 4000" (قضية بيزك–واللا الأخطر)، وتتضمن شبهات رشوة واضحة، وقد يدفع بمُتهميه إلى السجن لسنوات طويلة، و"الملف 2000" (مفاوضات مع ناشر "يديعوت أحرونوت" للحصول على تغطية إيجابية مقابل التضييق على صحيفة منافسة)، و"الملف 1000" (هدايا بقيمة مئات آلاف الدولارات من رجال أعمال). وبحسب تقديرات قانونية إسرائيلية، فإن الإدانة في "الملف 4000" قد تعني سجنا فعليا بين 5–10 سنوات، ووصمة قانونية تجعل عودته إلى الحياة السياسية شبه مستحيلة.
يخشى نتنياهو المحكمة، حيث إنه اليوم في منتصف السبعينات من عمره، وأي حكم بالسجن لسنوات سيعني نهاية حياته السياسية بالكامل، وتدمير إرثه كأطول رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، ووضع اسمه في خانة "قادة فاسدين" مثل إيهود أولمرت. كما أن المحاكمة، خلافا للحروب والسجالات السياسية، لا يسيطر نتنياهو على مسارها، فهو لا يستطيع مهاجمة القضاة كما يهاجم الخصوم، كما لا يستطيع إقناع الشارع اليميني بأن كل شيء "مؤامرة" إلى الأبد، فيما من المعروف عن النيابة في إسرائيل أنها تسعى لصفقات "شهود ملك" داخل الحلقة المقربة من المسؤولين، وقد شهدت القضايا السابقة انشقاق شخصيات كانت مقرّبة من نتنياهو، وهو يخشى من هذه اللحظة.
هذا المشهد لم يكن معزولا عن تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارته للكنيست الإسرائيلي في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتصريحه الداعم للعفو عن نتنياهو، ما أثار عاصفة سياسية داخلية عنيفة اعتُبرت تدخلا في القضاء الإسرائيلي، ثم الضغوط التي مورست على رئيس الدولة العبرية يتسحاق هرتسوغ، عمّقت هذا الجدل وأضفت عليه طابعا دوليا غير مسبوق، فيما خرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع رفضا لفكرة "العفو الشخصي" الذي يُنظر إليه بوصفه تهديدا لجوهر النظام الديمقراطي الإسرائيلي.
وقد ظهرت فكرة "العفو" الآن تحديدا لأن المحاكمة تدخل مرحلة الحسم، حيث أدلى الشهود الرئيسون بشهاداتهم، والقضاة يقتربون من مرحلة التقييم النهائي للأدلة، فيما تشير التسريبات القضائية إلى أن "ملف 4000" قوي بما يكفي لفرض إدانة، وهناك أحزاب يمينية بدأت تفكر في مرحلة "ما بعد نتنياهو" فيما يقول مراقبون إسرائيليون إن تصريحات ترمب في الكنيست لم تكن عابرة، حيث يملك تأثيرا كبيرا داخل اليمين الإسرائيلي، وتلميحاته للعفو جعلت نتنياهو يدرس الاحتمال بجدية.

