شعر حافظ الأسد بعد خلاصه من شبح أخيه رفعت بالراحة واستمر في ترسيخ سلطته عبر حزب "البعث" الحاكم والأجهزة الأمنية في ظل غياب أو تغييب أي معارضة سياسية فعالة لنظام حكمه، وكانت سوريا تدار بشكل هرمي صارم.
لكن الأسد الأكبر بدأ بالولوج إلى مرحلة الشيخوخة وعدم العناد مع الغرب وواشنطن وشارك في قوات التحالف الدولي ضد العراق الذي غزا الكويت وحصل الأسد جراء ذلك على مساعدات مالية ضخمة خففت من غلواء الحياة الصعبة في سوريا في تلك الفترة الحساسة من تاريخ البلاد، إذ استمرت سياسة التضييق على المعارضين السياسيين خصوصا من جماعة "الإخوان المسلمين" والتيارات اليسارية والقومية الأخرى.
إلا أن انهيار الاتحاد السوفياتي الحليف الأكبر لسوريا وللأسد أدى إلى تراجع كبير في الدعم الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. وشهدت سوريا في تلك الفترة انفتاحا خجولا لتنشيط أسواقها ناهيك عن موارد النفط التي ذهبت عوائدها إلى القصر الجمهوري حصريا، وقد سأل أحد النواب البعثيين في إحدى جلسات مجلس الشعب السوري: "لماذا لا تدرج عائدات النفط في الميزانية العامة للدولة؟"، فساد صمت مريع، ولا يعرف إلى الآن مصير ذاك النائب.
أيضا، اللافت في تلك الفترة دخول سوريا في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل في إطار مؤتمر مدريد للسلام لكنها انتهت أواخر التسعينات من القرن الماضي دون نتيجة بسبب الخلاف على الجولان.
ونظرا لتدهور صحته من جديد، طرح حافظ الأسد فكرة التوريث واختار ابنه باسل الأسد ليخلفه في الحكم أمام صمت تام من جميع المسؤولين، لكن وفاته المفاجئة في حادث سيارة (قيل إنه مدبر لكن دون إثبات) غيّر المسار وفتح المجال أمام بشار الأسد ليكون خليفة أبية حافظ الأسد الذي توفي في يونيو/حزيران 2000 وليسدل الستار على عهد حافظ الأسد الذي لقب بالمشرف الأعلى على مملكة الخوف والصمت خشية الوقوع في قبضة الأجهزة الأمنية والزج بأي شخص في السجن لمدة قد تكون مؤبدة.
شخصيا حصدت من نظام حافظ الأسد برقية من إدارة الأمن السياسي بدمشق تتضمن منعي من العمل في جميع دوائر الدولة للضرورة الأمنية عام 1993، وكانت تلك إشارة إلى أنني أصبحت في دائرة الخطر، الأمر الذي دفعني لمغادرة دمشق باتجاه موسكو ولم أعد إلى سوريا إلا بعد وفاة صاحب أكبر مزرعة أسدية في بلدنا.
بالمناسبة، حتى يومنا هذا، لم يستطيع أحد معرفة بواطن تلك الضرورة الأمنية.
عهد أسدي جديد
قبل الحديث عن حيثيات وصول بشار الأسد إلى سدة الرئاسة لا بد من الإشارة إلى أنه عاد من لندن- حيث كان يدرس الطب- إلى دمشق بعد وفاة أخيه باسل الأسد.
التحق الأسد الصغير بالجيش وحصل سريعا على رتب عالية ناهيك عند تسلمه ملف لبنان، وعلى الفور بدأت الآلة الإعلامية الأسدية برسم صورة له تعكس رغبته في إصلاح الأوضاع الداخلية في سوريا، وفتحت له كافة الأبواب على مصراعيها.
في العاشر من يوليو/تموز موعد وفاة الأسد الكبير، دخل مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري إلى غرفة بشار وأيقظه وقال له: "عمو، استيقظ، لقد توفي والدك رحمة الله عليه، وكلفني بمهمة ترتيب إيصالك إلى سدة الرئاسة". وقيل لي هذا الكلام نقلا عن أحد كبار الضباط الذين عملوا في تلك الفترة في القصر الجمهوري.
استنفرت أجهزة الدولة الإدارية والأمنية والعسكرية لضمان انتقال السلطة إلى الأسد الصغير. وبدأت الحكاية بعقد جلسة استثنائية لمجلس الشعب السوري بغية تعديل الدستور باتجاه تخفيض الحد الأدنى لسن رئيس الجمهورية من أربعين إلى 34 وهو عمر بشار في تلك الفترة.
الجميع بصم وأعلن الولاء باستثناء عضو البرلمان من حمص- وهو بالمناسبه بعثي- الذي قال للجميع "دعونا نستغرق في النقاش حول هذه القضية، لا يجب أن يتخذ القرار بهذه السرعة" (تعديل المادة الدستورية استغرق ربع ساعة). طبعا لا يعرف إلى الآن ما الذي حدث لذاك النائب.