في فيلمه الجديد "المسار الأزرق"، الذي افتتح الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يواصل المخرج البرازيلي غابرييل ماسكارو مشروعه في تفكيك صورة "الحداثة" التي تغلف المجتمع البرازيلي، متأملا هذه المرة الجسد البشري في شيخوخته وحين يكون وجود الإنسان نفسه موضع شك أخلاقي واقتصادي. فبعد "الحب الإلهي" (2019) الذي قدم فيه رؤية دينية قاتمة، يعود ماسكارو إلى مستقبل قريب تبدو ملامحه مألوفة، عند منطق يحتفي بالمسنين بوصفهم "تراثا حيا"، بينما يأخذ منهم في الوقت نفسه حق القرار بل وحتى الحركة في عالمهم.
نتحدث هنا عن عالم تصبح الشيخوخة فيه عبئا إداريا يدار كما تدار الجريمة، وكل من تجاوز الخامسة والسبعين ينقل إلى ما يعرف بـ"المستعمرة"، وهو مكان غامض لا يعود منه أحد.
بهذا المنطق البارد، يضع المخرج المجتمع أمام صورته، عند نمط حياة يقدس الإنتاج وينظم الرحمة بالطريقة نفسها التي ينظم بها العقاب.
في عالم أزرق
بطلة الفيلم هي تيريزا، امرأة تعمل في مصنع لذبح التماسيح، تقضي يومها في عمل بدائي شاق، إلا أنها ترفض التقاعد متمسكة بكرامتها وكأنها آخر ما تملك، وحين تعلن السلطات خفض سن النقل إلى المستعمرة إلى الخامسة والسبعين، تدرك أن العد التنازلي بدأ.
المشهد الذي يعلق فيه الموظفون أكاليل الزينة على بابها تكريما لعمرها، يتحول إلى احتفال بارد بالموت. في هذه اللحظة يتحول الفيلم إلى خطاب مباشر من النقد الاجتماعي لا شيء فيه يقدم من الخارج. فالعالم يكتشف عبر حركته، واللقطة ليست نتيجة بقدر ما هي بداية سؤال.


